نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا تحدثت فيه عن المجتمع البشري الذي بات عرضة للخطر بسبب التدهور المتسارع لأنظمة دعم الحياة الطبيعية للأرض، وفقا لتحذيرات كبار العلماء في العالم.
واشارت الصحيفة في تقريرها، الى انه بالنظر لمصير الشعاب المرجانية والغابات المطيرة في السافانا على سبيل المثال، تتعرض الطبيعة للتدمير بمعدل أعلى بعشرات مئات المرات مقارنة بالمتوسط الذي شهدته السنوات العشر الماضية، وفقا لتقرير التقييم العالمي الصادر عن الأمم المتحدة.
أضافت الصحيفة أن الكتلة الحيوية للثدييات البرية انخفضت بنسبة 82 بالمئة، وفقدت النظم الإيكولوجية الطبيعية نصف مساحتها تقريبا، في حين يواجه مليون نوع من الكائنات الحية خطر الانقراض، وكل ذلك نتيجة الأفعال البشرية إلى حد كبير، وفقا لدراسة تم جمعها على مدار ثلاث سنوات من قبل أكثر من 450 عالما ودبلوماسيا.
وأورد مؤلفو الدراسة أن الآثار غير المباشرة على البشرية، بما في ذلك نقص المياه العذبة وانعدام الاستقرار المناخي، تعتبر بالفعل "مشؤومة" وستزداد سوءًا في حال عدم اتخاذ إجراءات جذرية.
في الحقيقة، كان التحذير صارخا على نحو غير معتاد بالنسبة لتقرير صادر عن الأمم المتحدة وهو ما فرض توافق الآراء حوله بين جميع الدول. وقد قام مئات العلماء بتجميع 15 ألف دراسة وتقارير أكاديمية من المجتمعات الأصلية التي تعيش على خط المواجهة مع التغيير الحاصل.
الجدير بالذكر أنه خلال الأسبوع الماضي، قام الممثلون عن حكومات العالم بإعداد الملخّص لصُنّاع السياسة، الذي يتضمن سيناريوهات علاجية، بما في ذلك "التغيير التحويلي" في جميع مجالات الحكومة، وقواعد التجارة المنقحة، والاستثمارات الضخمة في الغابات وغيرها من الهياكل الأساسية الصديقة للبيئة، فضلا عن التغييرات في سلوك الفرد على غرار استهلاك أقل للحوم والسلع المادية.
ونقلت الصحيفة عن ديفيد أوبورا، أحد المؤلفين الرئيسيين للتقرير قوله: "لقد حاولنا توثيق إلى أي حد بتنا متورطين في هذه القضية للفت اهتمام الناس، ولكن لنقول أيضا إنه لم يفت الأوان بعد إذا استثمرنا جهدا هائلا في تغيير السلوك التحولي.
إن هذا أمر أساسي للبشرية، حيث أننا لا نتحدث عن مجرد أنواع لطيفة، بل يتعلق الأمر بنظام دعم حياتنا".
في السياق ذاته، يرسم التقرير صورة كوكب تكون فيه بصمة الإنسان كبيرة للغاية بحيث لا تترك مساحة تُذكر لأي شيء آخر. فقد تم تحويل ثلاثة أرباع جميع الأراضي إما إلى حقول زراعية، أو مغطاة بالخرسانة، أو ابتلعتها خزانات السدود أو غُيّرت بشكل كبير.
كما خضع ثلثا البيئة البحرية أيضا إلى التغيير بسبب مزارع الأسماك وطرق الشحن والمناجم البحرية وغيرها من المشاريع.
أضافت الصحيفة أن الزراعة وصيد الأسماك تمثل الأسباب الرئيسية للتدهور الذي تشهده الأرض، حيث زاد إنتاج الغذاء بشكل كبير منذ سبعينيات القرن الماضي، ما ساعد على إطعام عدد متزايد من سكان العالم وخلق فرص عمل ونمو اقتصادي، لكنه لم يمرّ دون دفع ثمن باهظ.
ولصناعة اللحوم تأثير كبير بشكل خاص، إذ تحتل مناطق الرعي الخاصة بالماشية حوالي 25 بالمئة من مساحة العالم الخالية من الجليد وتتسبب في أكثر من 18 بالمئة من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم.
علاوة على ذلك، لم تعد المحيطات ملاذا آمنا، حيث باتت اليوم 3 بالمئة فقط من المناطق البحرية غير خاضعة للضغوط. ويستغل الصيد الصناعي أكثر من نصف محيطات العالم، مما يترك أكثر من ثلث أسماك العالم عرضة للاستغلال بشكل مفرط. كما تم التطرق إلى النمو السكاني كأحد عوامل التدهور، جنبا إلى جنب مع انعدام المساواة.
وأفادت الصحيفة أن الإنسان يستخرج في الوقت الراهن حوالي 60 مليار طن من الموارد سنويا، وهو ما يعدّ ضعف الكمية التي تم استخراجها في سنة 1980، على الرغم من أن عدد سكان العالم لم يرتفع سوى بنسبة 66 بالمئة آنذاك.
وعموما، يشير التقرير إلى أن النفايات البلاستيكية تضاعف حجمها 10 مرات منذ سنة 1980، مما أثر على 86 بالمئة من السلاحف البحرية، و44 بالمئة من الطيور البحرية و43 بالمئة من الثدييات البحرية.
أضافت الصحيفة أن رئيس أكبر منظمة للتنوع البيولوجي في الأمم المتحدة، كريستيانا باكا بالمر، تشعر بالقلق والأمل إزاء هذه المسألة. وفي هذا السياق، صرحت بالمر قائلة: "يرسم التقرير اليوم صورة مثيرة للقلق، ويكمن الخطر في وضع الكوكب الذي يصعب التعافي منه.
في المقابل، هناك الكثير من النقاط الإيجابية التي يمكن ملاحظتها، حيث لم تكن لدينا في السابق الإرادة السياسية من أجل الأخذ بزمام الأمور. لكن في الوقت الراهن، بات الضغط الشعبي في ارتفاع، والناس قلقون ويريدون إيجاد حل".
وفي الختام، نوهت الصحيفة بأنه من الضروري في الأثناء توفير دعم أكبر للمجتمعات الأصلية وسكان الغابات وغيرهم، الذين باتوا عرضة لضغوط أكبر، في الوقت الذي تتراجع فيه الحياة البرية ومعرفة كيفية إدارتها في الآن ذاته.