صحافة بيروت

"بطرس بكركي" يطوف لبنان مُباركاً رعيته

تم النشر في 16 أيار 2019 | 00:00

كتبت صحيفة "الجمهورية": في لحظة مهيبة وتاريخية تهافتَ اللبنانيون بشوق ولهفة لملاقاة جثمان سيّد المقاومة الأول وحارس الحرّاس في يوم مولده. وقد شاء القدر أن يكون لقاء البطريرك مار نصرالله بطرس صفير مع أحبّته في اليوم الذي يصادف الذكرى المئويّة الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير، ليصح القول "الكبار تلاقي كبارها". إذ بَدت الشهادات في مسيرة قرن لبطريرك الإستقلال لافتة وبليغة، خَلّدَت "بطرك الموارنة" الإستثنائي الذي سينصفه التاريخ ان كُتِبَ بحبرٍ أبيض.


إحتار اللبنانيون أمس كيف يناجون بطريركهم، «صخرة بكركي» والاستقلال والمصالحة بالدعاء ام بالترانيم، بالنحيب أم بالتهليل والزغاريد. إحتارت الجموع كيف تلاقيه وكيف تفيه الوفاء... لكن، "بطرس لبنان" "ونصره الأبدي" لم يتأبّط هذه المرّة يد البابا القديس بولس الثاني ليلوّح للمؤمنين بيده الحازمة وببسمةٍ قُدسيّة، بل ارتفع جثماناً من صخر وزيتون معتّق يابس تَعانَق معه صخر بكركي ووادي قنوبين وعلى أكتافٍ صلبة، فحمل نعشه الذي يزن 220 كلغ الأساقفة والرهبان والمطارنة بعد ان أُقيمت الصلوات وتمّ رفع البخور عن روحه في المستشفى الذي احتضن جثمانه منذ اسبوع.


مرفوعاً الى الأعلى مُقبّلاً السماء طافَ جثمان مار نصر الله بطرس صفير بجولة تبريكية أرضية ووداعية سماء لبنان، ملوّحاً هذه المرة الى اللبنانيين بقلبه وروحه الطاهرة والمسالمة... وحتى لو أجدنا التوصيف، يبقى الإحساس بالعين المجرّدة للمشهدية المهيبة أبلغ بكثير.


نُكّست الأعلام والأعناق وسار الجثمان ببطء... من اللبنانيين من اختنق حزناً ومنهم من اكتفى بالصمت المعبّر غير راغب بالكلام. لكن الصمت الذي أتقنه الراحل الكبير لم يمنع البعض من إيقاف الموكب في محطات عدة خارقاً التعليمات... وعلى امتداد مداخل الطرقات، فكانت الأشرفية كالعادة هي البداية، ومن هناك وصولاً الى الدورة والى بكركي، بَكاه اللبنانيون ورُفعت شعاراته على اليافطات وصوره العملاقة على جوانب الطرقات، فيما توقف الموكب في محطات عدة أبرزها الدورة، انطلياس، جلّ الديب، نهر الكلب، ذوق مكايل، صربا وفؤاد شهاب. وفي كل محطة نُثرت عليه الورود التي امتزجت مع الهتافات وزغاريد المؤمنين وصيحاتهم. وكان الملقى من قِبل مختلف البلديات الممتدة الى بكركي حافلاً، فشاركت بلديات برج حمود على مدخلها وبلديات المتن في نهر الموت تحت جسر المشاة، كما شاركت بلدية ذوق مكايل مقابل كنيسة سيدة النجاة، هذا بالإضافة الى التجمّع الشعبي الكبير على مدخل مجمّع فواد شهاب.


شهادات تقدير بالآلاف


تقول إبنة كسروان، التي رفعت راية غوسطا وريفون بلدتي أمه وأبيه: "فقدَتْ هدايا الإكرام قيمتها أمام الأيقونة الخالدة التي تجسّدت في هامته الجليلة، التي باركت المستشفى التي احتضنتها". فاللبنانيون الذين توافدوا أمس الى الطرقات بمنتهى العفوية والصدق، إختاروا تقديم قلوبهم قرابين وبكّروا فجراً "لغزو الأشرفية على ما يقدّر الله...". فقلوب المؤمنين لم تنم منذ الليل الفائت، وهبّت بالآلاف الى ملاقاة جثمان البطريرك الكبير، بعد ان زاد اشتياقها الى وعظاته ورسائله وحِكَمه وحكمته وحتى صمته إن حكى...


شهادات لافتة بَصمت نهار بطريرك الموارنة، ومن أبرزها تلك التي أعلن فيها احد المواطنين، بعدما قصد المستشفى "للتبرّك من البطريرك وللشهادة»، فقال: "تخاصمت في السياسة مع البطريرك، لكنني اليوم هنا للإعتذار لأنني أسأت به الظن ولم أنصفه، على ان تكون شهادتي هذه عربون محبة واعتذار وهو سيّد المسامحة والمصالحة".


في المقابل، يشهد مواطن من الجموع التي افترشت الأرض بانتظار قدوم الموكب في ساحة جونية منذ الصباح الباكر، أنّ صفير سيبقى بطريركهم المميز، وهو الذي كان مخلّصهم في الايام البائسة.


جميع الذين التقيناهم فجر أمس أكّدوا لنا حاجتهم وشغفهم الى الإرتواء والإستملاء من عنفوان هذه الشخصية التي لن تتكرّر في تاريخ اللبنانيين عموماً والموارنة تحديداً، ولذلك سارعوا لملاقاة بطريرك الاستقلال الثاني مردّدين قوله "رعيتي تسمع صوتي وتعرفني". وهي أمس سمعت روحه فلبّت النداء وسارعت الى التماس البركة الوداعيّة.


لقراءة النص كاملاً اضغط هنا.