كتبت صحيفة "الجمهورية": إنها موازنة "العجز" التي بات إنجازها أشبه بمعجزة، بل إنها الموازنة التي تُعجز الوزراء عن إنجازها، ويرجّح ان تقرّ اليوم في مسودتها النهائية ليقرّها مجلس الوزراء نهائياً في جلسة يعقدها في القصر الجمهوري غداً، وذلك في حال توصّل اجتماع سيُعقد ظهر اليوم في السراي الحكومي قبَيل الجلسة الجديدة، ويضمّ رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير المال علي حسن خليل ووزير الخارجية جبران باسيل، الى معالجة العقبات الطارئة، تحضيراً لمتابعة النقاش والاقتراحات وتهدئة الاجواء، خصوصاً أنّ باسيل قال خلال جلسة أمس: "لسنا راضين على النتيجة، وهذا أسوأ مما كنا نتوقع، والـ 7,6% غير كافية. وكنّا قد اتفقنا في بعبدا على نسبة 7%". وجاء موقفه مخالفاً لتفاؤل وزير المال بالتوصّل الى الخفض بنسبة 7,6 في المئة. علماً انّ موقف باسيل رسم صورة ضبابية حول الموازنة دفعت البعض الى التشاؤم، وتوقّع ان لا يختم النقاش بها اليوم ويمتد الى جلسات إضافية.
صحيح انّ جلسة إضافية تطلبتها مناقشة الموازنة ليراوح قرار إنهائها بين باسيل الذي يصرّ على تحميلها رؤية اقتصادية، وخليل الذي يرى ان لا مصلحة في التأخير ولا يجوز أن تحمل ما لا عمل لها فيه. لكن الأكيد انّ الموازنة وصلت الى خواتيمها وهي على لياليها، خصوصاً بعدما حذّر وزير المال من أنّ أي اضافة الى موادها ستدفعه الى مغادرة مجلس الوزراء، وليتحمّل الجميع المسؤولية. وهو قال أمس: "انا خلصت ووزارة المال انتهت من إعداد الموازنة، وما تقومون به لا علاقة له بالموازنة التي أنجزت ارقامها وأظهرت رقماً مشجعاً جداً وانخفاضاً بنسبة العجز أدّى الغرض المطلوب". وكان باسيل واضحاً في تلميحه ان ما يتّخذه مجلس الوزراء ما كان ليمرّ لولا ضغط الموازنة، ويجب الاستفادة من هذا الأمر.
وفي أي حال فإنّ 4 مواد جديدة فقط أُدخلت الى الموازنة تتعلق برسم الزجاج الداكن الذي اقترحت وزيرة الداخلية ريا الحسن زيادته من 500 الف ليرة الى مليون ليرة، ورسم على رخص السلاح، كذلك اقترحت الحسن بيع 700 نمرة عمومية موجودة في الوزارة بمبلغ 40 مليون ليرة بدلاً من 11 مليون ليرة، في اعتبار انها تؤمن أكثر من مليار ليرة للخزينة.
وقال وزير المال لـ"الجمهورية"، انه راضٍ عن النتيجة. وكرر "أنّ مناقشة الموازنة انتهت ولم يحصل فيها أي تعديل حقيقي، وغداً (اليوم) مشهد جديد، والمهم ان نواكبه بعمل حكومي".
لكنّ باسيل أصرّ بعد الجلسة على أنه "لا يزال هناك كثير يمكن فعله"، وقال: يجب أن نتحدث إيجاباً عن نقاشاتنا. وصلنا الى مواد فاقت التسعين، وقرارات الوزيرين وائل ابو فاعور ومنصور بطيش استثنائية لأنها أمور نطالب بها منذ اكثر من سنتين، ولو لم نشترط ان تقرّ مع الموازنة ونربطها بها لبقيت أسيرة المماطلة. كذلك اتخذنا قرارات لها علاقة بالنازحين تشجّعهم على العودة لإقفال المؤسسات غير الشرعية ورفع الرسوم والغرامات على الاقامات للسوريين وعائلاتهم، وهذا كله لمصلحة البلد وهي مواضيع لم نستطع القيام بها منذ 6 سنوات".
وقالت مصادر باسيل: "على رغم من انّ وزراء التكتل نجحوا في تأمين موارد إضافية للموازنة من خلال القرارات الحكومية او المواد القانونية، الّا أنّ باسيل لا يزال مقتنعاً بأنّ الحكومة تستطيع تحقيق مزيد من التخفيضات في عجز الموازنة ومزيد من الزيادة في الواردات".
اضافت هذه المصادر "انّ انجازاً فعلياً تحقّق من خلال فرض الغرامات والرسوم على العمال الأجانب، وإقفال المحلات غير الشرعية التي يملكها او يديرها أجنبي من دون ترخيص، فضلاً عن تغريم وسجن اي لبناني يشغّل أجنبياً بصورة غير شرعية. كذلك تمكن وزراء التكتل، وبالتحديد الوزير باسيل، من تأمين موارد إضافية عن طريق سلة مقترحات تتناول وضع رسوم على تأشيرات الدخول وصالون الشرف واستعمال الزجاج الداكن للسيارات وطلب رخص السلاح. والقرار الأبرز هو اتخاذ قرارات تخفّض العجز التجاري من خلال حماية الصناعة ومنع الاغراق، ما يشجّع الانتاج الوطني ودورة الاقتصاد.
وللمرة الاولى منذ التسعينات تمّ تحقيق الآتي:
ـ إقرار رسم نوعي على 20 سلعة اقترحها وزير الاقتصاد والتجارة بعد التشاور مع وزير الصناعة، وهذا من شأنه إعادة إطلاق الانتاج الوطني وحمايته من الاغراق ودعم الصناعة الوطنية، ممّا يولّد فرص عمل للبنانيين ويتوقع ان تؤمّن 100 مليار ليرة ايرادات سنوياً.
ـ إقرار 2% على الاستيراد من الخارج ما عدا الآلات وما يستخدم في الانتاج الوطني والادوية والسيارات الصديقة للبيئة، ويتوقّع أن تؤمّن 400 مليار ليرة لبنانية كإيرادات سنوية.
ـ وضع سقوف وضوابط للانفاق في القطاع العام من دون المسّ بالأجور والرواتب، وقد شمل ذلك العطاءات.
ـ إتخذ قرار بضبط الحدود ومنع التهريب من خلال اجراءات عملية بحراً وبراً وجوّاً، كذلك اتخذت اجراءات للجم التهرّب الضريبي.
ـ خفض الحد الادنى للتصريح الالزامي عن الضريبة على القيمة المضافة من 100 الى 50 مليون ليرة، ما يخفف بمقدار كبير التهرب الضريبي اذ انه يوجد نحو 84 الف شخص ومؤسسة معنية بهذا الاجراء.
ـ الطلب من البلديات إجراء مسح لكل من يمارس مهنة او نشاطاً تجارياً او صناعياً او حرفياً، وعدم اعطاء اي ترخيص نهائي لا يملك رقماً مالياً.
فنيش
وبدوره، قال الوزير محمد فنيش لـ"الجمهورية": "ليس المهم اقرار الموازنة وحسب إنما المهم ان تضع الحكومة مساراً إصلاحياً نتيجة هذا النقاش". وأضاف: "خفض النفقات وزيادات الايرادات أوصلنا الى نسبة عجز انخفضت الى 7,6% بالنسبة للناتج المحلي، وهذا إنجاز، والمهم أن نستطيع الالتزام بدقة بتطبيق ما تم إقراره، لا نزيد نفقات ولا نقلل إيرادات".
"القوات"
وقالت مصادر "القوات اللبنانية" لـ"الجمهورية" انّ الوزير ريشار قيومجيان ثَمّن خلال جلسة مجلس الوزراء الجهود التي وضعت لتضمين الموازنة بنوداً إصلاحية، وطالب الحكومة بضرورة التعهد والالتزام خطياً بوقف التهرّب الجمركي عن طريق تثبيت "السكانر"، وإقفال المعابر غير الشرعية في أسرع وقت ممكن، خصوصاً انه لا يوجد إطلاقاً ما يبرّر عدم إقفالها، والتعاقد مع شركة متخصّصة مهمتها التثبّت من نوعية ما يتم استيراده من بلاد المنشأ ومن الاسعار.
واشارت المصادر الى انّ وزراء "القوات" طالبوا بضرورة إشراك القطاع الخاص في المرفأ والاتصالات وتسريع الخطوات في هذا الاتجاه، كذلك طالبوا بوقف الاستثمارات في المرفأ بغية توفير هذه المبالغ على الخزينة.
وبدوره، شكر الوزير كميل أبو سليمان وزير المال وفريقه على الجهود التي بذلوها من اجل إنجاز الموازنة، وقال: "انّ البلاد بحاجة لإصلاحات جذرية وبنيوية في الموازنة، الأمر الذي لم يتحقق". وطالب ابو سليمان وزير المال بتقديم تقرير مفصّل عن مستحقات الدولة، لأنه من غير الواضح بعد حجم مديونية الدولة وطريقة تقسيطها".
ضريبة جديدة
الى ذلك وفي قراءة اقتصادية للاجراءات الجديدة التي تمّ الاتفاق عليها امس في مناقشة مشروع الموازنة، يثير رسم الـ2 في المئة الذي فُرض على استيراد كل السلع (باستثناء المواد الاولية المخصصة للصناعة)، ردود فعل متناقضة. وفيما يُبدي الصناعيون ارتياحهم الى القرار، يُطرح سؤال في الشارع مفاده: هل سيؤدي هذا الرسم الى رفع اسعار السلع، وبالتالي الى خفض القدرة الشرائية للمواطن؟ والسؤال الآخر المطروح: ألا يعتبر هذا الرسم بمثابة ضريبة جديدة على الناس، في حين انّ الحكومة سبق وأعلنت وتعهّدت بأن لا ضرائب جديدة في موازنة 2019؟
من الواضح انّ الحكومة استعاضت عن رفع الضريبة على القيمة المضافة (TVA)، بهذه الضريبة التي مرّرتها بذريعة دعم الصناعة، وتوفير اموال للقروض السكنية. ولكن ما الذي يضمن انّ هذه الاموال التي ستجنيها الخزينة والمقدّرة بنحو 350 مليون دولار سنوياً ستذهب فعلاً لدعم قروض الاسكان، ولن تمتصّها الخزينة لخفض العجز المتفاقم؟
"تحركات مشبوهة"
وكانت كتلة المستقبل النيابية عبّرت بعد اجتماعها الاسبوعي برئاسة النائب بهية الحريري، عن ارتياحها الى "النتائج التي توصلت إليها مناقشات مجلس الوزراء، خصوصاً لجهة ما يعلن عن إجراءات وسياسات هدفها تخفيض نسبة العجز في الموازنة وإقفال ابواب الهدر في مختلف الوزارات". وأسفت "لبعض التحركات الاستباقية والمشبوهة التي تتجاوز حدود المنطق في مقاربة الشأن الاقتصادي وإعداد موازنة تقشفية وتحقيق الاصلاحات المطلوبة، وذلك على صورة ما شهده محيط السراي الحكومي امس ومحاولات الاقتحام والمواجهات والشتائم والتهديدات"، مؤكدة أنّ "مقر رئاسة الحكومة وسائر المقرات الرسمية اللبنانية ليست أرضاً سائبة لأيّ جهة تعطي نفسها حقوقاً باقتحام المؤسسات الدستورية والتطاول عليها".
المجلس الدستوري
وفي هذه الأجواء، عقد المجلس الدستوري أمس اول اجتماع له منذ ان تسلّم الطعنين المرفوعين اليه، الاول في شأن قانون الكهرباء الذي قدّمته كتلة نواب "الكتائب" ومجموعة من النواب الآخرين. والثاني الطعن بنيابة النائب ديما جمالي نتيجة انتخابات طرابلس ـ المنية.
وفيما تكتّم اعضاء المجلس على ما دار في الإجتماع، علمت "الجمهورية" انّ المجلس الذي اجتمع في حضور جميع اعضائه برئاسة رئيسه القاضي عصام سليمان، أجرى قراءة ثانية لمضمون الطعن الخاص بملف الكهرباء، ووزّع الأعمال على أعضائه في انتظار التقرير الذي سيتقدّم به احد أعضائه الذي سمّي مقرراً ضمن المهلة الدستورية.
وفي شأن الطعن الطرابلسي الإنتخابي، سلّم المجلس اوراق الطعن المرفوعة على جمالي، وأمهلها بما تقول به المهلة الدستورية 15 يوما للإجابة على ما فيه من ملاحظات بني على اساسها الطعن بنيابتها مرة جديدة، ليعود بعدها الى اتخاذ القرار النهائي في شأنه.