أخبار لبنان

في يوبيل كاتدرائية مار جرجس.. هذا ما قاله الراعي لعون

تم النشر في 25 أيار 2019 | 00:00

حضر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مساء اليوم، القداس الاحتفالي الذي ترأسه ‏البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في كاتدرائية مار جرجس للموارنة في ‏وسط بيروت، لمناسبة اليوبيل المئة وخمس وعشرين سنة على تدشينها في العام 1894.‏


عظة الراعي


وبعد تلاوة الانجيل المقدس، ألقى البطريرك الراعي عظة توجه في مستهلها إلى رئيس ‏الجمهورية قائلا: "إنه لفرح كبير أن تكونوا على رأس المحتفلين بيوبيل المئة وخمس وعشرين ‏سنة لتأسيس كاتدرائية مار جرجس، هنا في وسط العاصمة بيروت، بدعوة من سيادة أخينا ‏المطران بولس مطر، راعي الأبرشية. إن قيامها في الوسط هو قيام المسيح نفسه في وسط ‏المدينة بكلامه الحي، وبذبيحة جسده ودمه ووليمتها السرية، وبالجماعة المصلية مع الأسقف ‏والكهنة.‏


إن وجودكم، فخامة الرئيس، مع هذه الكوكبة من الرؤساء الروحيين، والسيدتين الاوليتين ‏السابقتين، وأصحاب الدولة والمعالي والسعادة، والمؤمنين والمؤمنات، يضفي على العيد رونقا ‏جميلا، ومعاني رفيعة. فأنتم كرئيس للبلاد، إنما تقفون "في الوسط" بحيث تتجه اليكم أنظار ‏اللبنانيين وآمالهم، ولاسيما في هذه الظروف السياسية والاقتصادية والمعيشية والأمنية الصعبة. ‏وهي أوضاع نعيشها، إذ بعضها متأت من الداخل بنتيجة الحرب اللبنانية المشؤومة ونتائجها، ‏والبعض الآخر من نتائج الحروب والأزمات الدائرة في بلدان من المنطقة، ومن سياسة دولية لا ‏تتلاءم وموجبات السلام والاستقرار والنمو في المنطقة".‏


أضاف: "إننا نذكركم مع المسؤولين السياسيين ومعاونيكم في المؤسسات الدستورية، بالصلاة إلى ‏الله كي يؤيد مساعيكم الخيرة ونواياكم الطيبة في قيادة سفينة الوطن إلى ميناء الاستقرار والنمو ‏والازدهار".‏


وتابع: "يسوع القائم من الموت، تراءى لتلاميذه في مساء أحد قيامته، ووقف في وسطهم، فيما ‏الأبواب موصدة. أعطاهم سلامه وكشف لهم هويته: صلبه لفداء العالم، وقيامته لبث الحياة ‏الجديدة في الإنسان. هويته هذه أصبحت هوية الكنيسة والمسيحيين، وهي المشاركة في آلام ‏الفداء، وإنعاش المجتمع البشري بالروح الجديدة.‏


‏"لقد وقف يسوع في الوسط وقال لهم: السلام لكم" (لو 24: 36). وقوفه" يعني حضوره الدائم ‏في الكنيسة، جماعة المؤمنين، وهو رأسها. معها يصلي كرأس، ومن أجلها ككاهن، ويستجيب لها ‏كإله"، على ما يقول القديس أغسطينوس. إنه "في وسط الكنيسة" يقودها بسلطانه الذي يمارسه ‏بإسمه وبشخصه رعاة الكنيسة البشريون. وهي ممارسة تقتضي منهم أن يعكسوا وجهه وتعليمه ‏ومحبته.‏


أما تحية "السلام لكم" (لو 24: 36) فتعني انتصار المسيح الفادي على الموت بقيامته. ليست ‏مجرد تحية اجتماعية، بل تعني هبة السلام التي يعطيها هو، والتي ليست كالسلام الذي يعطيه ‏العالم (يو 27:14)، لأنه سلام القلب والضمير. المسيح يعطيه سلاما، لأنه "هو سلامنا" ‏‏(افسس14:2 )، بحسب تعليم القديس بولس الرسول. هذا السلام المعطى لجماعة التلاميذ إنما ‏معطى للكنيسة ولكل واحد وواحدة منا لكي ننشره في العائلة والمجتمع والدولة. إنه سلام روحي ‏مع الله بالأمانة لوصاياه وإنجيله وتعليم الكنيسة؛ وسلام اجتماعي بالعيش معا باحترام وتعاون ‏وتضامن؛ وسلام سياسي بتحقيق الخير العام، وتأمين الحقوق الأساسية لجميع المواطنين: من ‏تعليم وصحة وعمل وسكن وإنشاء عائلة مكتفية".‏


وأردف: "السلام هو رسالتنا وجوهر ثقافتنا، ورباط اتحادنا بالله. "طوبى لفاعلي السلام، يقول ‏الرب فإنهم أبناء الله يدعون" (متى9:5.).‏


في هذا المفهوم اللاهوتي يندرج بناء كاتدرائية مار جرجس في وسط العاصمة، مثل سواها من ‏الكنائس، كعلامة رجاء بالمسيح فادي الإنسان، وعلامة حضوره الفعلي والفاعل وسط الجماعة ‏البشرية، وعلامة انتصار القيامة على الموت، والنور على الظلمة، والمحبة على الحقد، والعدالة ‏على الظلم، والنعمة على الخطيئة.‏


هذه كانت نية المطران يوسف الدبس الذي بناها مستوحيا هندسة بازيليك مريم الكبرى في روما، ‏ودشنها في عيد الشعانين سنة1894 . وها نحن اليوم في ذكراها السنوية المئة وخمس وعشرين. ‏وكان سيادة راعي الأبرشية المطران بولس مطر قد أعاد ترميمها بعد استشهادها في الحرب ‏اللبنانية المشؤومة، وأعاد إليها جمالها الاول بالتعاون مع عدد من المحسنين، ودشنها بقداس ‏احتفالي أقامه المثلث الرحمة سلفنا البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس في 24 نيسان ‏‏2000. وهذه كانت نية المطران طوبيا عون الذي اشترى العقار المبنية عليه، وبنى أقبيتها، ‏وباشر بوضع أساساتها، وتوفي قبل تحقيق البناء. بل تعود النية الأساسية إلى الخوري مخايل ‏فاضل، الذي أصبح في ما بعد مطرانا لأبرشية بيروت، وبطريركا على الكنيسة المارونية. فهو ‏أسس كنيسة مار جرجس القديمة سنة 1753 بإرادة البطريرك سمعان عواد. ولم تكن بعيدة عن ‏مكان الكاتدرائية الجديدة، فاستمرت حتى بناء هذه الأخيرة. أما اليوم فغابت معالمها مع ما هدمته ‏الشركة العقارية مؤخرا".‏


أضاف: "فخامة الرئيس، هذه الكاتدرائية الجميلة التي قامت من ركام الموت وعادت إلى زمنها ‏الجميل، مثل مثيلاتها من الكاتدرائيات والكنائس في وسط العاصمة، إنما تبقى دعوة الرجاء ‏لنهوض لبنان من "ركام" أزماته: الخلافات السياسية، الموازنة كعامل أساس للاستقرار ‏الاقتصادي والمالي والاجتماعي، تماسك الأمن ودعم مؤسساته وأجهزته عناصر وعتادا، حماية ‏القانون والعدل كأساس للاستقرار واجتذاب المستثمرين ورؤوس الاموال وتحريك الدورة ‏الاقتصادية المتكاملة. أجل، العودة بلبنان إلى زمنه الجميل ممكن بفضل قدرة أبنائه وطاقاتهم، ‏وبقيادتكم الحكيمة مع سائر المسؤولين في البلاد".‏


وختم قائلا للرئيس عون: "نسأل الله في هذه الذبيحة الالهية بشفاعة القديس جاورجيوس، صاحب ‏المقام، وقاتل "تنين " أصنام زمانه، أن يعضدكم في قتل "تنين" أصنام الفساد والمال ونفوذ ‏الأشخاص لغير صالح الدولة والشعب. فليكن كل ذلك لمجد الله الواحد والثالوث الآب والابن ‏والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".‏


ساندري


وفي ختام الاحتفال، تلا المونسنيور سانتوس رسالة رئيس مجمع الكنائس الشرقية في الكرسي ‏الرسولي الكاردينال ليوناردو ساندري، للمناسبة، باللغة الفرنسية، وبعدها تمت تلاوة الرسالة ‏باللغة العربية، وجاء فيها: "تحتفل أبرشية بيروت باليوبيل الخامس والعشرين بعد المئة ‏لكاتدرائيتها المشيدة في العام 1894. لقد أراد المطران يوسف الدبس أن تكون هذه الكاتدرائية في ‏هندستها الداخلية مشابهة لبازيليك القديسة ماريا الكبرى البابوية في روما. ولو كانت هذه ‏الكاتدرائية أكثر تواضعا إلا أنها تعبر عن تعلق الكنيسة المارونية وبخاصة هذه الأبرشية بكرسي ‏بطرس.‏


يجدر الفرح بالاحتفال بهذا اليوبيل، ليس للتنويه بقدم هذه الكاتدرائية وعراقتها وحسب، بل من ‏أجل التذكير بالمحن التي عانتها عبر تاريخها. فلقد بقيت مغلقة على مدى خمسة وعشرين عاما، ‏مجرحة بفعل حرب دمرت آثارا وبيوتا وسببت دموعا وجروحا وأوقعت قتلى.‏


في مناسبة اليوبيل الكبير للعام 2000، كان البطريرك الكاردينال الراحل مار نصرالله بطرس ‏صفير، وكان آنذاك بطريركا لإنطاكية للموارنة، والذي نرفع من أجله صلاة حارة لوفاته، قد ‏احتفل بالذبيحة الإلهية في هذه الكاتدرائية المرممة بفضل محسنين موارنة أسخياء.‏


فاحتفلوا بهذا اليوبيل على أنه زمن نعمة. المسيح يريد أن يقترب من مؤمنيه ليمنحهم أنعامه ‏وليقويهم بالإيمان والرجاء. ولتنزل نعمة الله وافرة على سيادتكم وأنتم تتولون هذه الأبرشية منذ ‏العام 1996، وعلى مؤمنيها وسكانها ليقبلوا نعمة السلام والتوافق والفرح. وليكن هذا اليوبيل ‏أيضا ينبوع توبة ومغفرة للجميع. ‏


وإني أسألكم، يا صاحب السيادة، أن تتقبلوا تأكيد إخلاصي ومشاعري القلبية".‏


وفي ختام الاحتفال، هنأ رئيس الجمهورية البطريرك الراعي والمطران مطر بيوبيل الكاتدرائية، ‏متمنيا ان تبقى لسنين عديدة شاهدة على رسالة لبنان وقيامته.‏