في خضم التوتر المتصاعد بين طهران وواشنطن على خلفية تزايد التهديدات الإيرانية، التي أدت إلى إرسال تعزيزات عسكرية أميركية وجنود إضافيين مرتقبين إلى الشرق الأوسط، لجأت إيران إلى أسلوب التهدئة والبحث عن وساطات لتخفيف التوتر.
وتحاول إيران توسيط بعض الدول العربية، مثل العراق وعمان وقطر، ودول آسيوية مثل اليابان، تمهيداً للتفاوض مع أميركا، لكنها لا تزال تواجه عقبة الشروط الأميركية الـ 12 التي أعلنتها إدارة ترمب، وتسعى للالتفاف على تلك شروط من خلال إفراغها
من محتواها، حيث تريد من واشنطن العودة للاتفاق النووي ورفع العقوبات.
كما تسعى الدبلوماسية الإيرانية، المتمثلة بالرئيس الايراني، حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، إلى شراء الوقت لتهدئة الأوضاع في المنطقة، وتخفيف الضغوط الأميركية والدولية والإقليمية المتزايدة على النظام الإيراني، رغم استمرار الحرس الثوري في التدخلات العدوانية في دول المنطقة وتحريك الميليشيات التابعة له لاستهداف دول المنطقة والمصالح الأميركية.
تهيئة الظروف
وبالرغم من نفي الخارجية الإيرانية وجود أي محادثات مباشرة وغير مباشرة مع الولايات المتحدة، لكن التحركات الأخيرة توحي بالعكس من ذلك، وتدل على أن هناك تهيئة للظروف لعقد حوار إيراني - أميركي، لا يزال يتعرقل بسبب عدم وجود انسجام في الموقف الإيراني، وانقسامات داخل أجنحته حول المفاوضات.
وكان نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي زار سلطنة عمان، الأحد، قد نفى التقارير التي تشير إلى أن المفاوضات قد بدأت بين واشنطن وطهران.
كما نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية عباس موسوى فى طهران، الاثنين، الأنباء المنسوبة لنائب وزير خارجية الكويت خالد الجارالله، الذى نقلت عنه وسائل الإعلام العربية قوله إن المحادثات بين إيران والولايات المتحدة قد بدأت، وقال موسوي "لا توجد محادثات، مباشرة أو غير مباشرة ، تجري بين إيران والولايات المتحدة".
وذكرت الأنباء المنسوبة للمسؤول الكويتي، أن زيارة وزير الخارجية العماني إلى طهران في 20 مايو الماضي كانت بداية المحادثات.
ومن المعروف أن سلطنة عمان لعبت دوراً رئيسياً في عام 2013، لبدء المفاوضات التي أدت في النهاية إلى اتفاق نووي مع طهران في عام 2015.لكن عراقجي أيضا نفى نبأ المحادثات، رغم أن زيارته إلى مسقط جاءت بعد أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية العماني إلى طهران.
وفي واشنطن، نفت المتحدثة باسهم وزارة الخارجية الأميركية، مورغان أورتيغاس، الخميس، أن تكون واشنطن قد أرسلت أي إشارات أو وفود، قائلة إن بلادها ليس لديها ما تخفيه عن موقفها من التوتر مع إيران.
غير أن وزير الخارجية العراقي محمد الحكيم، أعلن في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف، لدى زيارة الأخير الى بغداد، أمس الأحد، أن العراق يلعب دور الوسيط، بينما لم يذكر ظريف أي محادثات محتملة مع الولايات المتحدة،
لكنه دعا إلى اتفاقية عدم اعتداء بين إيران ودول الخليج العربي.
مناخ مختلف بين الإدارتين
ويقول مراقبون إن الظروف الحالية تشبه المرحلة التي سبقت المحادثات النووية، التي وافق المرشد الإيراني على خوضها تحت شعار " المرونة البطولية"، بعد ما بدأت الضغوط والعقوبات القاسية تهدد وجود النظام برمته، ما أدى إلى إبرام الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015.
لكن الفرق هذه المرة هو أن هناك إدارة مختلفة في واشنطن، لها سياسة مغايرة تماما حيال طهران مما كانت عليه إدارة باراك أوباما المتصالحة معها.
أمام النقطة الثانية فهي أن الوسطاء في تلك المفاوضات كانوا الدول الأوروبية، حيث كانت لتلك الدول أدوار كبيرة في إقناع إدارة أوباما التفاوض وصياغة بنود الاتفاق، بحيث يحفظ أيضا مصالح الدول الأوروبية الاقتصادية والتجارية مع طهران.
ويكمن الفرق الثالث في دور اللوبي الإيراني في أميركا في المفاوضات السابقة، والغائب حاليا بعد موقف إدارة ترمب الحازم ضد كل أذرع النظام الإيراني وأدواته وجماعات الضغط التي تعمل لصالحه.وكان اللوبي الإيراني يسوّق النظام الايراني كشريك في الحرب على إرهاب داعش والجماعات المتطرفة، لكن الوضع الآن اختلف، ولم يعد غير نظام ولاية الفقيه وحرسه الثوري والميليشيات والجماعات المسلحة التابعة له، مصادر للإرهاب وزعزعة الاستقرار والأمن في المنطقة.
ولا تبدو الصورة واضحة حتى الآن فيما إذا كانت طهران قد أبلغت واشنطن بتنازلات لبدء المفاوضات، لكن من الواضح أن النظام الإيراني يحاول بشتى السبل الخروج من المأزق السياسي والحصار الاقتصادي الخانق والعزلة الدولية.