كتبت صحيفة "الجمهورية": زيارة رئيس «حزب الكتائب» النائب سامي الجميل، على رأس وفد من «الحزب» الى السيد علي فضل الله في حارة حريك الواقعة في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، شكّلت «علامة فارقة» وسط الاصطفافات الداخلية الحادة، خصوصاً انّ فضل الله هو من الشخصيات الدينية الشيعية البارزة والمعروفة بدعمها خيار المقاومة في مواجهة اسرائيل. ما هي دوافع هذه المبادرة ودلالاتها؟
صحيح انّ المسافة التي تفصل بيت «الكتائب» المركزي في الصيفي عن حارة حريك ليست طويلة بالمقياس الجغرافي، لكنها تصبح كذلك بالمعيار السياسي. وبهذا المعنى، فإنّ الرمزية الأولى للزيارة يعكسها المكان الذي يشكّل أحد أبرز البيئات الحاضنة للمقاومة.
لقد تجاوز الجميل الحدود الفاصلة، ليس فقط بين منطقتين وإنما بين منطقين ايضاً، وكسر نمطية نشاطه اليومي، ليحطّ الرِحال في منزل فضل الله الواقع على بُعد أمتار من مقار «حزب الله»، ويُطلق من هناك دعوة الى التحاور من دون تخوين، والى فهم الآخر ولو من دون التفاهم.
ولعلّ النتيجة الأهم لهذه «الرحلة» هي انّها أعادت مدّ الجسور بين الأفكار المتباعدة، بدلاً من ان تملأ الهواجس المنتفخة وحدها الفراغ، بكل ما يترتب عليها من «عوارض جانبية» تعزّز مشاعر الارتياب والقلق وتدفع الى الانغلاق والتقوقع.
ويقول الجميل لـ«الجمهورية»، إنّه سبق له ان زار السيّد محمد حسين فضل الله منذ 11 عاماً، وتحديداً عام 2008، «وكان اللقاء آنذاك مؤثراً، خصوصاً انّ السيّد الراحل كان صاحب شخصية استثنائية، وبالتالي فإنّ زيارتي الى ابنه السيد علي فضل الله تعكس اهتمامي بالمحافظة على العلاقة التي نشأت مع والده والسعي الى تطويرها».
ويشير الى انّ الزيارة للسيّد علي فضل الله «كانت ممتازة وتعارفية»، آملاً في ان تساهم في كسر الحواجز بين الناس «حتى يفهم كلٌ منا الآخر بطريقة أفضل»، مؤكّداً «ضرورة الابتعاد في سياساتنا وخياراتنا عن النكايات السياسية والتركيز على تحقيق المصلحة الوطنية العليا التي يجب ان تجمعنا».
ويضيف: «انا حريص على ان لا يُفهم كلامنا السياسي وكأنّه موجّه ضد فريق او طائفة، لاسيما اننا نتمسّك بوحدة البلد وبالعيش المشترك، ونعرف انّ لبنان لا يبنى بالتقوقع والتفرّد بل بالشراكة والانفتاح».
ويوضح الجميل، انّه أبلغ الى فضل الله استعداده للمشاركة في حوارات أوسع مع فئات شعبية ومسؤولين محليين ومفكّرين نختلف معهم في الرأي، «لتعزيز التفاعل بيننا، وبالتالي حتى يصبحوا هم أكثر فهماً لما نطرحه ونصبح نحن أكثر فهماً لما يطرحه الآخر، مشددًا على أهمية الحوار وجدواه في تقريب المسافات وكسر الحواجز بين اللبنانيين».
وعن رمزية زيارته للضاحية الجنوبية، يؤكّد الجميل ان ليست لديه اي عقدة في هذا المجال، لافتاً الى «وجوب القفز فوق الحواجز المعنوية المفتعلة وعدم الركون الى الأحكام المُسبقة التي تفرّق بين الناس». ويتابع: «ما يهمّني التشديد عليه هو اننا عندما نعطي رأينا في هذه المسألة أو تلك فإن ما يحرّكنا بالدرجة الاولى هو السعي الى بناء دولة القانون والمؤسسات، لا الإساءة الى اي فئة او مجموعة من المكونات اللبنانية».
وهل كان ملف سلاح المقاومة حاضراً في اللقاء مع فضل الله، علماً انه ملف خلافي بينكما؟ يجيب الجميل: «لدينا وجهة نظر معروفة على هذا الصعيد، واننا نؤكّد ضرورة مقاربة هذا الامر بطريقة علمية، من دون تخوين مُتبادل. فلا يجب ان نخوّن نحن من يدافع عن السلاح ولا يجب ان يخوّننا الآخرون بسبب اعتراضنا عليه». وماذا عن إمكان توسيع «بيكار» الحوار ليشمل «حزب الله»؟
يلفت الجميل الى «انّ الحوار مع «الحزب» كان قائماً، إلّا انّ وتيرته خفّت في ما بعد لأنّه لم يحقق تقدماً، ومع ذلك، لا توجد مقاطعة بيننا، وإن يكن ليس مطروحاً في الوقت الحاضر إجراء حوار سياسي على مستوى القيادة».
ويضيف: «بمعزل عن الخلافات السياسية التي قد تكون احياناً واسعة بين القوى الداخلية، على جميع اللبنانيين ان يتمسّكوا باعتماد سياسة الانفتاح على الرأي الآخر وتفهمه».
اما فضل الله، فشدّد من جهته على «انّ المشكلة الكبيرة التي نعيشها في لبنان تكمن في الهواجس المتبادلة والخوف المصطنع الذي ينبغي ان تتضافر جهود الجميع لإزالته»، مؤكّداً «ضرورة بناء الانسان اللبناني المنفتح والمحاور، الذي لا يحمل في نفسه عقدة من الآخر».