شكّك "حزب الكتلة الوطنيّة اللبنانيّة"، في مؤتمر صحافي عقده اليوم الجمعة في مقرّه في الجمّيزة، بنسبة العجز التي أعلنت الحكومة أنّ مشروع الموازنة العامة سيُحقّقها، وتوقّع أن تتخطى الـ9 في المئة، محذّراً من خسارة عائدات مؤتمر "سيدر" لدعم الاقتصاد اللبناني، فيما كشف أنّ الدول المانحة توحّدت لمنع "البنك الدولي" من تمويل برنامج الكهرباء لأنّه "يفتقر إلى الحد الأدنى من الشفافيّة"، نظراً إلى إقرار قانون الكهرباء من دون تعيين "هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء" وإعطاء دور إداري ورقابي لـ"المجلس الأعلى للخصخصة".
وتناول الأمين العام لـ"حزب الكتلة الوطنيّة اللبنانيّة" بيار عيسى وعضو "اللجنة التنفيذيّة" النائب السابق روبير فاضل إيجابيّات مشروع الموازنة العامّة وسلبيّاته خلال المؤتمر الصحافي الذي عقداه في مقرّ الحزب في الجميّزة.
عيسى
أكّد الأمين العام بيار عيسى أنّ مناقشة الموازنة العامة في هذه الظروف الدقيقة محطة أساسيّة و"الكتلة" بعد دراستها ومتابعتها مع المعنيّين في لبنان والدول المانحة والمنظّمات الدوليّة، توصّلت إلى استنتاج ثابت مفاده أنّ العجز سيتراوح بين 9 و10% عام 2019 وأنّ مؤتمر "سيدر"، ووفق معلومات خاصة وقاطعة، أصبحنا على قاب قوسين أو أدنى من خسارته.
ونبّه من أنّ مشكلة كلفة الدين العام لم تحل إنّما انتقلت على الأرجح من موازنة الدولة إلى موازنة المصرف المركزي ما يعني أنّ هذه العملية حسابيّة تجميليّة لا أكثر.
وتطرّق إلى مسألة إصلاح القطاع العام الذي أفسدته الأحزاب بالتوظيف العشوائي والزبائنية والفساد، وهو غائب عن الموازنة في ما عدا بعض الوفر الذي لا يعالج مشاكل الإدارة والتعليم والقوى الأمنيّة، واصفاً ما يجري بـ"الطبيعي" كون كما هو معلوم "يلي خربها ما بحياتو هو يلي صلحها!".
وتناول عيسى عجز الكهرباء الذي يقف وراء ما يقرب من نصف الدين العام كونه ما زال معلّقاً على الرغم من إقرار خطّة الكهرباء وذلك بسبب نقص الحوكمة والشفافيّة فيها.
ورأى أنّ الغائب الأكبر عن هذه الموازنة مشكلة امتيازات أحزاب السلطة والتي تتضمّن كل مصادر الهدر والفساد عبر التحكّم بالمناقصات العموميّة، وبكلمة واحدة، كلفتها أكبر بكثير من مجموع التحسينات في الموازنة.
وكان عيسى قد عدّد بعض إيجابيّات الحكومة ومشروع الموازنة سواء لجهة طرحها موضوع العجز وتفاقم خطر الدين العام للمرّة الأولى وبعض الملفّات الإصلاحيّة وضرورة خفض العجز بطريقة مدروسة وتدريجيّة على مدى سنوات عدّة إلى ما دون 7٪ وهي غير كافية حتى كون معظم الدول تسعى إلى ألا يتخطّى عجزها الـ3%.
ولفت إلى أنّ الحكومة أبدت اهتمامها بمعالجة بعض نواحي الفساد كالتهرّب الضريبي والجمارك وضبط الحدود ولو انعكاسها غير واضح في الموازنة.
وإذ أثنى على الملاحقة الجدّية التي حصلت للمرّة الأولى في ملف التوظيف العشوائي، أشار عيسى إلى تبنّي الحكومة رؤية اقتصاديّة تمثّلت بخطّة "ماكنزي"، التي كانت أعطت أثراً إيجابياً لو أنّها انعكست في الموازنة.
ونوّه بوسائل الإعلام التي لعبت دوراً في المحاسبة والرقابة على الرغم من مناخ قمع الحرّيات وحق التعبير عن الرأي الذي شهده لبنان في الفترة الأخيرة.
ورحّب عيسى بكلّ هذه الإيجابيّات مشدّداً على أنّ العبرة تبقى في التنفيذ.
فاضل
وشرح عضو "اللجنة التنفيذيّة" في "الكتلة الوطنيّة" النائب السابق روبير فاضل مسألتي تجاوز عجز الموازنة الـ7.5% ليصل إلى ما بين 9و10% والخطر المحدق بمؤتمر "سيدر". وأعاد في النقطة الأولى سبب تفاقم العجز إلى أنّ أرقام موازنة 2019 غير واقعيّة وناقصة، كونها وُضعت وفق فرضية خاطئة هي توقّع نمو اقتصادي يبلغ 1.2%، والنمو يؤثّر على إيرادات الدولة، علماً أنّنا اليوم في وضع أسوأ من العام الفائت حيث بلغ النمو حدود الصفر بالمئة. ولفت كذلك إلى أنّ مؤشر المصرف المركزي، الذي يعكس الحركة الاقتصاديّة، تراجع 4.3% للمرّة الأولى في الفصل الأوّل من العام 2019.
وأشار إلى أنّه يستحيل زيادة الإيرادات 9% خصوصاً وأنّ الضرائب ارتفعت عام 2018 ولكن الإيرادات تراجعت لأنّ وضع الاقتصاد كان صعباً، واليوم الوضع أصعب.
أضاف: ليس بمقدورنا خفض سلفة الكهرباء 10% على ما هو ملحوظ لأنّ هناك زيادة في الاستهلاك من دون تغيير في التعرفة أو سعر النفط.
ولجهة كلفة الدين العام، نبّه إلى أنّه ليس باستطاعة الحكومة بأي طريقة أن تحافظ على كلفته في وقت ارتفعت فيه الفوائد من 6 و7% إلى 10% إلاّ إذا تراجع هذا الدين في حين أنّه ارتفع. أما السبب المزعوم لجهة الاتفاق بين وزارة المال والمصرف المركزي بإصدار سندات بفائدة 1% فهي عمليّة غير واضحة، كونه أوّلاً لم يُعرف بعد مضمون هذا الاتفاق في حال وُجد أصلاً لأنّ المصرف المركزي نفى هذا الاتّفاق، وثانياً وفي حال سلّمنا جدلاً أنّه سيصار إلى إصدار سندات بـ8 مليار دولار فمن الذي سيكتتب بفائدة 1%؟ الواضح أنّ من سيكتتب هو فقط المصرف المركزي الذي أصلاً تراجع احتياطه 10 مليار دولار خلال سنة واحدة.
ولفت فاضل إلى أنّ هناك أرقاماً ناقصة بالنسبة للعجز لأنّه لا يشمل أموالاً مترتبة على الدولة والتي تخنق الاقتصاد وهي تزيد كل سنة، وهي 300 مليون دولار للمستشفيات؛ و400 مليون دولار للمتعهدين والمقاولين، وأكثر من مليار دولار لـ"الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي". وأشار إلى أنّ رقم المتأخّرات أصبح 4 مليار دولار، سائلاً: من في لبنان لا يريد أموالاً من الدولة؟ وهذا الموضوع مهم لأنّ الحكومة ستحاول تأخير دفع مبالغ أكبر آخر فصل 2019-2020 لتغطية عجزها عن تحقيق أرقام الموازنة.
واعتبر فاضل أنّه بالنتيجة وبعد التدقيق في أرقام الموازنة تبيّن أنّها أوّلاً نَفَخَت الايرادات بحوالى ألف مليار ليرة، وهو أمر غير مفاجئ كونه بلغ السنة الماضية 1200، وقلّلت ثانياً النفقات بنحو 650 مليار ليرة، وثالثاً تمّ الصرف خلال النصف الأوّل من هذه السنة على أساس الموازنة السابقة.
أضاف أنّه في كل الأحوال، يمكن أن نؤكّد للجميع، بعد المراجعة والتدقيق، أنّ عجز هذه السنة سيتراوح بين 9 و10% في حال لم تعدّل الموازنة.
وفي موضوع الخطر الداهم على مؤتمر "سيدر"، أكّد فاضل أنّه أصبح في العناية الفائقة بسبب ممارسات وعدم إيفاء الوعود، موضحاً سبب تحفّظ "الكتلة الوطنيّة" عليه، وعازياً إيّاه إلى التجربة التي مرّ بها لبنان في مؤتمرات باريس 1، 2 و3 والتي لم تحسّن البنى التحتية إلا موقتاً والدليل وضعها اليوم بعد هذه المؤتمرات؛ وهي لم تخلق قطاعات إنتاجية جديدة التي بدورها تخلق فرص عمل؛ فضلاً عن أنّ معظم المساعدات لم تصلنا لأنّ الحكومة لم تلتزم بالوعود الإصلاحيّة وبالشفافيّة، ولم تتأمّن الضوابط والشفافية والحوكمة لتأمين شراكة أو خصخصة ناجحة وفق المعايير الدولية؛ وبالنتيجة يتبيّن لنا أنّ اسم المؤتمر تبدّل ولكن النتيجة بقيت ذاتها.
وكشف فاضل أنّ الدول المانحة توحّدت لمنع "البنك الدولي" من تمويل برنامج الكهرباء لأنّه يفتقد للحد الأدنى من الشفافيّة، حيث سبق أن التزمت الحكومة في مؤتمري باريس 2 و3 وفي "سيدر" بتعيين "هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء" والتزمت في المؤتمر الأخير بإعطاء دور إداري ورقابي لـ"المجلس الأعلى للخصصة"، ولكنّ الحكومة والمجلس النيابي أقرّا قانون الكهرباء من دون الإلتزام بهذه الوعود.
ولفت فاضل إلى أنّ المانحين اعتبروا هذا البرنامج تحدّياً بسبب عدد الملابسات التي شابته، فحصل تحالف يضم فرنسا، الولايات المتحدة، ألمانيا، بريطانيا وغيرها من الدول المانحة لرفض تمويل مشاريع لا تتضمّن الحد الأدنى من الشفافيّة، وقد اجتمعت الدول المانحة مع المسؤولين ولم يكن هناك أيّ تجاوب، ولهذا السبب تحرّكت الدول لمنع "البنك الدولي" من تمويل البرنامج من خلال أصواتها في مجلس إدارة هذا البنك.
وقال إنّ النقطة الوحيدة الإيجابية هو قرار "المجلس الدستوري" إلغاء فقرة أساسية من قانون الكهرباء الذي أعاد بعض الثقة بسلطة القانون"، متوجّهاً بالتهنئة للمجلس على هذا القرار.
وذكر فاضل خطراً إضافياً يطال مؤتمر "سيدر" هو الموازنة بوضعها الحالي في حال لم يُدخِل عليها المجلس النيابي تعديلات تحسّنها. وأوضح أنّ الدول المانحة رحّبت بالموازنة إلا أنّه لديها شكوكاً كبيرة بجدّيتها لأسباب عدّة وهي الغموض في تحضيرها أي أنّه تمّ تحضيرها في غرف سوداء، وكذلك كونه ليس بين أيدي النوّاب بعد الحسابات النهائية لعام 2018 بينما هي موجودة لدى وزارة الماليّة وحتى عند بعض السفارات؛ ولكون الموازنة قُدّمت بطريقة يصعب مقارنتها مع العام 2018 وكأنه هناك نيّة لتعقيد دراستها.
وأشار فاضل إلى كيفيّة وصف الجهات الدوليّة والخبراء الموازنة لجهة أنّها ركودية أو انكماشية أي أنّها موازنة تخفّف الحركة الاقتصادية وبالتالي تخفّف إيرادات الدولة، وهي لا تتضمّن إجراءات للتخفيف من الواقع الاجتماعي خصوصاً وأنّ الضرائب الجديدة ستؤدّي إلى نقل جزء من المواطنين إلى ما دون خط الفقر الذي أصبح يشمل اليوم نحو 30% من الشعب.
واعتبر أنّه لم يكن مطلوباً خفض العجز إلى 7.5% في سنة واحدة ولكن وضع إصلاحات بنيويّة تؤسّس لضبط العجز وكسر حلقة زيادة المديونيّة، موضحاً أنّ خفض العجز في سنة واحدة من 11.5% إلى 7.5% يزيد من احتمال تحرّك الشارع ويُهيّء الأجواء لتراجع الحكومة، وكأنّها بفعلها هذا تسعى إلى رفع العتب عنها أكثر من أنْ تحلّ مشكلة العجز، وكأنّها أيضاً تتوسّل لدى الدول المانحة لكي يقدّموا لها مخصّصات "سيدر" من دون أن تقوم بأيّ إصلاحات.
وقال: صراحة، بين برنامج الكهرباء الذي سقط بامتحان الحد الأدنى من الشفافية وموازنة 2019 التي سيكون عجزها بين 9% و10% من الواضح أنّنا ما زلنا في ذهنيّة الهروب إلى الأمام، وبالتالي فإنّ مؤتمر "سيدر" في خطر و وضع لبنان حرج جداً.
وشدّد فاضل على أنّ هناك فرصة أخيرة لتصحيح الوضع إذا لعب مجلس النوّاب دوره الرقابي بتعديل الموازنة، وذلك عبر ترجمة رؤية اقتصادية فيها، فأين هي خطة "ماكنزي" ولماذا لم تناقش؛ علينا أن نرى برنامجاً كاملاً متكاملاً لتكبير حجم الاقتصاد مع عشرات الإجراءات العمليّة والتحفيزيّة، فالموازنة غير معنية بالنمو إلاّ في بعض الجوانب القليلة.
وعدّد بعض الأمثلة سائلاً: كيف سنزيد حجم الاقتصاد الرقمي في وقت أصبحت فيه كلفة الاتصالات 3 أضعاف أكثر من بلدان عربيّة أخرى؛ وكيف سندعم السياحة حين نزيد كلفة بطاقات السفر؛ وكيف نُحسّن التصدير إذا لم نقم بجهد أكبر لتحسين جودة المنتجات الزراعية والصناعية ودراسة حاجات دول التصدير؟
وختم فاضل بالقول: نريد خطة إجتماعية، فلبنان يواجه أزمة إجتماعية حادة وأولى الأولويّات معالجة البطالة والفقر، والبطالة تُعالج من خلال الرؤية الاقتصادية والنمو، أمّا لناحية معالجة الفقر فنحن سنطلق حملة لبرنامج مكافحة الفقر المدقع ونتمنّى أن تتبنّاه الحكومة؛ ونحن في النهاية نريد إصلاحات بنيويّة أكثر من أرقام 7 أو 8 أو 9%.