كتب عضو المكتب السياسي راشد فايد في "النهار":
ليس سهلاً أن تحيا في زمن رفيق الحريري. ليس لصعوبات انطوت عليها حال البلد، ولا لعقبات ابتُدعت وتناسل بعضها من بعض، بل لأن رفيق الحريري علّم اللبنانيين، بالممارسة، ان درب التقدم والتطور ليس مستحيلاً، وان الازمات الوطنية لا تُحل إلا بالحوار، وان التسوية، اي تسوية، وفي اي مجال، وحدها تقرّب.
نزل رفيق الحريري علينا كحلم الصغار بـ”بابا نويل”. لكنه كان حقيقة لا تمارى، وكان له في كل يوم، انجاز، أو مشروع قيد الانجاز.
بدا في سباق مع الزمن، وهو يعمل لانهاض لبنان، وليس بيروت وحدها، وإن كانت في المقام الاول من رحلته الى اعادة بناء الوطن.
لم يكن نبياً أو رسولاً. كان ارادة لم تفتقد الأداة: لم يسعَ الى تحقيق المستحيل، لكنه ابتغى اقصى الممكن، حتى قارب الاستحالة وطوّعها. استخدم كل علاقاته العربية والدولية ليطلق عملية استنهاض اقتصادي – اجتماعي بدا لكثيرين أقرب الى المستحيل. وفيما عجز سلفاه في حكومتَي ما بعد الطائف عن تحديد أولويات إعادة البناء، استطاع أن يتبنى إطلاق معظم مشاريع النهوض في آن واحد.
14 مرة، منذ 2005، أتانا 14 شباط يذكّرنا بان العمل والانجاز هما ما يكمل مسيرة رفيق الحريري، لا التردد والجمود. وأبرز ما يميز هذا اليوم، ان يكون همّ سعد الحريري، في حكومته، ترجمة عنوانها: “حكومة الى العمل”، فاحترام إرث رفيق الحريري لا يكون بالوقوف خشوعاً عند ضريحه، فحسب، بل بفتح آفاق دربه، الذي عرفناه، على انجازات تجدد حيوية لبنان، وتمنح شعبه فرصة للتقدم ملّ انتظارها.
هذه المرة، وأكثر من سابقاتها، يحل 14 شباط في لحظة تجديد الارث السياسي لرفيق الحريري، بخطوات تنفيذية يريدها سعد الحريري برنامجا لحكومته، فيما هدأت المواجهة السياسية الداخلية، من دون تجاهل جذوة الخلاف، وهي رفض استمرار الانشقاق المسلح عن الدولة. كذلك يحل 14 شباط في ظل تسوية سياسية قادها سعد الحريري، بين المصاعب والمصائب السياسية ليجنب البلاد الاستمرار في الفراغ الدستوري، ودفعها الى مآزق المنطقة وهز استقرارها، من دون التخلي عن الثوابت الوطنية وفي صلبها وحدانية سلطة الدولة، واستقلال قرارها.
لولا دماء رفيق الحريري لما انفجر صبر اللبنانيين على ظلم الوصاية. فكل تدوير الزوايا الذي برع فيه الشهيد لاستخلاص لبنان من الهيمنة من دون صدام، لم ينجه من الاغتيال. فكان أول زهرة تفتحت في ثورة الربيع العربي.
يستطيع الرئيس سعد الحريري اليوم أن يفاخر بأنه يحسن اللجوء الى الحكمة، والتسوية حين تتهدد المؤسسات بالفراغ، وبأنه في المقابل، لا يتخلى عن الثوابت، وان النهوض الذي اطلقه رفيق الحريري لم يدخل في النسيان، بل يتحين الوقت لإعادة إطلاقه. وقد آن.
واذا كان من عتب على رفيق الحريري فربما انه صوَّر لنا الحياة سهلة وجميلة. كان في عمله لأجل الوطن، كأنه يقول: ارتاحوا وافرحوا، سأوصلكم الى ما تحلمون به.