دشن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، كنيسة مار اسطفان في بلدة غرفين قضاء جبيل، التي بنتها رئيسة ومؤسسة جمعية القربان المقدس منى نعمة على نفقتها الخاصة، وذلك في قداس احتفالي تم خلاله تكريس مذبح الكنيسة، وعاونه فيه راعي الابرشية المطران ميشال عون، المطران بولس مطر، رئيس دير مار مارون عنايا الاباتي طنوس نعمة وكاهن الرعية الخوري رينيه جعارة، وخدمته جوقة الصوت العتيق بقيادة ايلي حردان.
العظة
وبعد الانجيل المقدس ألقى الراعي عظة بعنوان "أنت الصخرة، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي" (متى 18:16) قال فيها :"على صخرة إيمان بطرس بنى الرب يسوع كنيسته، ويواصل بناءها جيلا بعد جيل على صخرة إيمان المؤمنين به على أن يكون إيمانهم سليما، كهبة من الله، يغذيها كلامه في الكتب المقدسة كما تعلمه الكنيسة بسلطتها الرسمية.
إستحق بطرس أن يكون "صخرة الإيمان" بفضل الجواب السليم، الصحيح، الذي أعطاه على سؤال يسوع: "وأنتم من تقولون إني هو؟"، إذ أجاب: "أنت هو المسيح إبن الله الحي". وهو جواب يختلف عما يملي العقل البشري على الناس. ولذا قال له يسوع: "طوبى لك يا سمعان بن يونا، لأن لا لحم ولا دم أظهر لك ذلك بل أبي الذي في السماوات" (راجع متى16: 16-18)".
وتوجه الى ممثل رئيس الجمهورية بالقول: "نود مع سيادة راعي الابرشية ان نضيف شكرنا وشكر هذه الرعية والابرشية على حضوره معنا من خلالكم ونطلب ان تنقل اليه محبتنا وصلاتنا بشفاعة الطوباوي الاخ اسطفان الذي يكرم في هذه الكنيسة الجديدة لكي يعضضه الله في قيادة سفينة وطننا العزيز وسط الصعوبات المعروفة، وان يشدد ايمانه لكي يثبت شعبنا اللبناني في الايمان بالوطن والذات".
وتابع: "يسعدنا أن نحتفل مع سيادة راعي الأبرشية ومعكم بهذه الليتورجيا الإلهية ونحن ندشن كنيسة الطوباوي الأخ اسطفان نعمه، ونكرس مذبحها، ونبارك مجمعها الراعوي. وقد أنجزتم الأعمال بفضل المحسنين والمحسنات، وكنا احتفلنا معا بوضع حجر الأساس للمشروع في 29 آب 2011، بعد أن قدم لنا خرائطه كاهن الرعية عزيزنا الخوري رنيه جعاره ووافقنا عليها، عندما كنت راعيا للأبرشية. ثم بتوجيه من سيادة أخينا المطران ميشال عون، راعي الأبرشية الغيور، إنطلقتم في العمل منذ سنة 2012 متكلين على العناية الإلهية وعناية الطوباوي الأخ أسطفان، مدركين كلمة المزمور: "إن لم يبن الرب البيت باطلا يتعب البناؤون" (مز1:127)، فأنهيتم كل شيء سنة 2018، مع الكنيسة التي بدأتم العمل بها منذ سنة 2014. فنهنئكم على هذا الإنجاز الكبير، وليكافئكم الله، بشفاعة الطوباوي الأخ أسطفان، بفيض من نعمه وخيراته وبركاته".
واردف الراعي: "يطيب لي أن أشكر معكم، ونذكر في هذه الذبيحة الإلهية، كل الذين ساهموا بمالهم وذات يدهم ووقتهم وجهودهم وصلاتهم، وكل المحسنين من قريب أو بعيد، لإنجاز المجمع السفلي الذي يضم ثلاث قاعات، وغرف اجتماعات، وقاعة "بيت مريم" المخصص للنشاطات الروحية والكشفية، وكابيلا القديس شربل وبيت القديس وهي كنيسة مفتوحة دائما للصلاة، وقاعة محاضرات قرب ضريح والد القديس، كما أوجه كلمة شكر خاصة للسيدة منى عارف نعمه التي تبرعت ببناء هذه الكنيسة الجديدة على اسم الطوباوي الأخ أسطفان نعمه، وهي تحيي اليوم ذكرى وفاة ابنها الشاب شهيد، واليوبيل الذهبي الخمسيني لمسيرة "أصدقاء القربان". تتضمن الكنيسة رسم الأخت الطوباوية ماريا تيريزا Casini من راهبات عبادة قلب يسوع، وقد تم الاحتفال بتطويبها في 31 تشربن الأول 2015، وهي نسيبة الشيخ ميشال الضاهر، والد السيدة منى".
وأضاف: "وإذ نحيي جميع الحاضرين، أود توجيه تحية إلى الأجانب الذين جاؤوا خصيصا إلى هذا الاحتفال وهم:أمين سر السفارة البابوية في لبنان Mgr Ivan Santus، مستشار السفارة البابوية في هولنداMgr Jain Mendez، المسؤول عن كنيسة Sacré Coeur de Monmartre في باريس،Mgr Jean Laverto، مرشد ومؤسس أصدقاء القربان في العراق المونسنيور بيوس كاش، والمهندس Eric ممثل المطران Rey أسقف تولون.
وقال: "الكنيسة هي جماعة المؤمنين، ومشبهة بمبنى حجري. فهي بالحقيقة بناء حجري يحتضن الجماعة المسيحية المصلية والمحتفلة بالأسرار، وتسمى "بيت الله" حيث نلتقيه أفرادا وجماعة، ويقدم لنا الطعام الروحي، أي كلام الحياة، وجسد الرب ودمه، وعطية الروح القدس، لتقديسنا. ولذا، المكان مقدس لأن الله حاضر فيه. ويقتضي منا الخشوع والحشمة في اللباس والاحترام للحضور الإلهي والصمت والاصغاء.
هذه الكنيسة الحجرية هي أيضا وبخاصة جماعة المؤمنين وهم حجارة روحية لهيكل الله الذي هو الانسان المؤمن والجماعة. لهذه الجماعة رأس هو المسيح، وروح واحد يحييها ويشد رباط وحدتها وهو الروح القدس، وشريعة واحدة هي المحبة، وغاية واحدة هي نشر ملكوت الله وبناؤه في المجتمع البشري".
وتابع: "هذه الكنيسة تسمى "المسيح الكلي" بالنسبة إلى "المسيح التاريخي"، وقد أصبح متحدا بالجنس البشري كله، بحكم التجسد والفداء. ما يعني أن الكنيسة، وهي بداية ملكوت الله على الأرض، ملكوت القداسة والحقيقة والمحبة، ملكوت العدالة والأخوة والسلام، ملكوت الحرية وقدسية الحياة البشرية وكرامة الإنسان، الذي أعلنه ودشنه الرب يسوع، مدعوة لتبني هذا الملكوت في المجتمع البشري. وعندما نقول كنيسة لا نعني فقط الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات بل كل مؤمن ومؤمنة. ذلك أننا جميعا أصبحنا أعضاء في الكنيسة، جسد المسيح السري، بحكم المعمودية والميرون، وصرنا شركاء في رسالة المسيح الخلاصية".
واردف: "كم نود أن يدرك أبناء الكنيسة وبناتها المسيحيون هذه المسؤولية، فيبنوا ملكوت الله هذا في عائلاتهم ومجتمعهم ووطنهم. وكم نود أن ينشر السياسيون قيم الملكوت في قضايا الشأن العام الذي يتحملون خدمته. إن أولى هذه القيم العدالة الاجتماعية، والنمو الاقتصادي والانمائي، وتأمين عيش كريم للمواطنين من خلال تأمين حقوقهم الأساسية، والاستقرار السياسي والأمني، واحترام القانون وتطبيقه على الجميع، وفتح المجال لمشاركة القادرين والكفوئين في إدارة شؤون البلاد، وتعزيز العيش معا على قاعدة التنوع والمساواة".
وقال: "ومن أهم الواجبات المحافظة على الثقافة الوطنية التي تميز لبنان، وهي ثقافة التنوع في الوحدة. ما يقتضي توحيد الرؤية والكلمة في القضايا المصيرية الداخلية والاقليمية. فلا يمكن القبول بالتوطين والتجنيس المقنعين بالمساعدات المالية، وقد سميا "صفقة القرن" التي هي في الحقيقة أيضا وخاصة "صفعة القرن" للقضية الفلسطينية ولرجوع النازحين السوريين إلى وطنهم من أجل إكمال كتابة تاريخهم على أرضهم والمحافظة على ثقافتهم، وتعزيز حضارتهم. كل هذه الأمور المصيرية لا تباع وتشترى بالبخيس من المال. فإذا كانت نية المساعدة المالية سليمة، فلتكن بالنسبة إلى الفلسطينيين مساعدة لإنشاء دولتهم وعودة اللاجئين، وبالنسبة إلى السوريين مساعدة لعودتهم إلى أرضهم ولإعادة بناء بيوتهم وكيانهم ومؤسساتهم. ومعلوم أن ما يؤخذ قسرا يمكن استرجاعه يوما، أما ما يعطى طوعا فنخسره إلى الأبد".
وختم الراعي: "مع الكنيسة التي هي عامود الحق وقاعدته (1طيم15:3)، نرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".