ساد السكون فجأة قاعة محكمة الجنايات في بيروت، وخيّم الوجوم على وجوه الحاضرين في تلك القاعة عندما دخلها طفل لم يبلغ بعد العاشرة من عمره، طفل تقدم بخطىء ثقيلة ، بطيئة وبتردد امام قوس المحكمة وهو يفرك يديه المرتجفتين من شدة الخوف.
لم يتأخر رئيس المحكمة القاضي طارق البيطار كثيراً في إحتضان ذلك الطفل وبثّ الطمأنينة في نفسه داعيا اياه الى النظر في وجهه كما مستشارتيه القاضيتين ميراي ملاك وفاطمة ماجد، وحتى في وجه القاضي زاهر حمادة الذي كان يمثل النيابة العامة"فنحن نضحك ولا شيء مخيف"، لكن الطفل، الذي جاء ليشهد على"جريمة عربصاليم" التي وقعت في شباط العام الماضي وذهب ضحيتها عماد حسن على يد مجموعة اطلقت على نفسها"حزب الامير"، بقي قلقا، ما دفع بمندوبة الاحداث نسرين فرحات الى الاقتراب منه وملازمته طوال فترة الادلاء بشهادته، في جلسة استغرقت لحوالي اربع ساعات ورفعتها المحكمة الى الحادي عشر من شهر نيسان المقبل لسماع مزيد من الشهود وللمرافعة.
بصوت خافت يكاد يُسمع، أجاب الطفل، الذي يلاحق والده في الجريمة الى جانب خمسة موقوفين، على اسئلة الرئاسة حول واقعة سماعه مكالمة هاتفية بين"الشيخ" قاصدا بذلك المتهم الفار محمد فواز وبين أحد المتهمين الذي طلب منه قتل المغدور حين قال له"خلّي مازن عمار يقتلو"، وقد سمع هذه المحادثة عندما كان احد المتهمين يقوم بإحضاره من المدرسة حين تلقى الاخير إتصالا من الشيخ الموجود في سويسرا ووضع المخابرة على مكبر للصوت ما تسنى للطفل سماعها، واضاف انه خشي من إعلام والده لانه خاف ولكون والده المتهم سوف يضربه لانه"يحب الشيخ اكثر مني"، انما اعلم والدته بتلك المحادثة وقامت الاخيرة بتسجيل اقوال الطفل عندما كان يخبرها بها. واكد الطفل انه يعرف صوت الشيخ:" وأنا أخاف منه على والدتي وعلي كونه يحمل دائما السلاح كما والدي". وتحدث الطفل عن كلام قاله لعمته بناء على طلب الاخيرة التي قامت بتسجيله ايضا وقال:"قلت لها ما يحلو لها ان اقوله لانني لم اكن اريد ان تأخذ الهاتف مني".
كان الطفل يدلي بشهادته في غياب المتهمين الستة واقرباء الفريقين ، اهالي المغدور واهالي المتهمين، بعدما أمر رئيس المحكمة بإخراجهم من القاعة طوال فترة سماع افادته وافادة والدته بناء على طلب وكيل الجهة المدعية المحامي شوقي شريم، "لاسباب خاصة"، وعملا بالمادة 264 من قانون اصول المحاكمات الجزائية، حيث أُعيدت تلاوة افادة الطفل ووالدته على مسامع المتهمين ومن بينهم والد الطفل الذي سأله رئيس المحكمة عما اذا كان يرغب بإلقاء التحية على والده. لم يتسن للطفل الرفض او القبول بحيث سمع والده يقول له من قفص الاتهام"تعا ما تخاف"، ليتقدم الطفل بحذر من والده الذي رفعه بين يديه وقبله وقال له كلمات غير مفهومة قبل ان يتركه ليعود الى احضان والدته التي حكمت لها المحكمة بحضانة الطفل الى حين الانتهاء من المحاكمة.
سبق ذلك سماع المحكمة لافادة والدة الطفل وطليقة احد المتهمين التي تحدثت عن ان"المجموعة تعرف كل شيء الا الله"، وان"محمد فواز كان بالنسبة لهذه المجموعة هو الله"، وتطرقت الشاهدة الى"امور غريبة وغير اخلاقية كانت تحصل ولا استطيع ذكرها وان زوجة محمد فواز كانت تتدخل في ذلك"، كما ان هذه المجموعة كانت تقيم مجالس مغلقة في الضاحية.
وعن علاقتها بالمغدور اوضحت بانه ترك المجموعة قبل سنتين من الجريمة، وكان ان تعرفت عليه صدفة عندما طلبت من موظف في محكمة الاحداث في النبطية مساعدتها لابلاغ طليقها دعوى الطلاق، فدلّها على المغدور الذي ساعدها في ذلك، وقالت الشاهدة:"ما جمعني بالمغدور امر واحد وهو اننا كنا ضحية محمد فواز الذي تسبب لي بمشاكل عائلية كثيرة وتدخل بحياتي الخاصة".
وردا على سؤال اوضحت بانها قامت بتسجيل محادثة بينها وبين احد المتهمين بخصوص ولديها لاستخدامها كدليل ضد زوجها في المحكمة في دعوى الطلاق ولتؤكد بانه طفليها يعيشان حياة غير سليمة وان عماد حسن طلب منها ارسال نسخة له عن تلك المحادثة الطويلة فأرسلت قسما منها له عبر الواتساب، وقد وجدت في سيارته يوم الجريمة، واضافت بانه قبل الحادثة بدقائق اتصلت بعماد بعد ان كان قد اتصل بها قبل يوم ولم تجب، وما لبث ان قال لها:"سكري سكري جماعة محمد فواز بوجّي"، وبعد دقائق حاولت الاتصال به فلم يجب لترسل له رسالة :"باك شي". ووصفت المغدور بالرجل المحبوب لكنه لم يكن يحدّثها عن مشاكله مع المتهمين انما مع محمد فواز حول عقارات.
وقالت عن التسجيل الصوتي الذي سجلته لابنها عما سمعه عن المكالمة بين محمد فواز واحد المتهمين بانها قامت بتسجيله عدة مرات للتأكد من انه يقول الحقيقة. وعلّق وكيل الدفاع المحامي يوسف لحود لافتا الى ان الشاهدة سبق ان قالت بانها قامت بتسجيل اقوال ابنها مئة مرة، لترد بان هذه الكلمة هي مجازية ليس اكثر.
وكانت المحكمة قد استمعت الى زوجين شاهدان الجريمة حيث قالت أ.ع. انها سمعت اطلاق نار وكانت قريبة من مكان وجود سيارة المغدور والمتهم مازن عمار الذي شاهدته يحمل بندقية ويطلق منها النار بعد رفعها باتجاه السيارة الاخرى، وافاد شاهد آخر ان المغدور اعلمه بتلقيه تهديدات وانه استنتج انها صادرة عن مجموعة"حزب الامير" بعد ان شاع في البلدة خبر الخلافات بين هذه المجموعة وبين المغدور.