كتبت صحيفة "الجمهورية": لم يكن وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيّب يُبالغ حين قال منذ أسبوع أمام وفد من رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي «السنة الدراسية المقبلة هي من أصعب السنوات». فالأزمات التربوية تتوالى ما بين التعليم الرسمي والخاص والجامعي، وبين الاساتذة والمعلمين والمدربين والمتعاقدين، وما زاد الطين بلّة صرخة الاساتذة المتقاعدين في التعليم الثانوي والأساسي الذين اعتصموا صباح أمس امام وزارة التربية وتوجهوا سيراً على الأقدام نحو مقر الرئاسة الثانية في عين التينة للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري ومطالبته التدخل للدفاع عمّا منحتهم إيّاه السلسلة من زيادة على معاشاتهم التقاعدية وبإلغاء أي ضريبة على المعاشات التقاعدية.
على وقع استمرار اعتصام عدد من الأهالي ومجموعة من الطلاب الراسبين في الدورة الاستثنائية من الامتحانات الرسمية أمام مدخل وزارة التربية إحتجاجاً على آلية التصحيح، بدأ الاساتذة المتقاعدون في التعليم الرسمي الثانوي والأساسي بالتجمّع أمام الوزارة مُتحدّين حرارة الشمس، وما يُعانيه البعض منهم من مشكلات صحية.
منذ العاشرة صباحاً بدأوا يتوافدون من مختلف المناطق اللبنانية والثانويات، لعلّهم يحظون بلقاء مع وزير التربية أكرم شهيّب قبل انطلاق مسيرتهم الاحتجاجية باتجاه عين التينة. إلّا انّ «سَلّتن طلعِت فاضية»، إذ سرعان ما تبلّغوا من أحد الأمنيين: «معاليه لم يصل بعد، وربما لن يحضر اليوم إلى الوزارة لارتباطات أخرى». بلمح البرق تبدّلت ملامح المتظاهرين وخيّمت الخيبة على وجوههم، إلا انهم رفضوا الاستسلام، مُرددين: «ما ضاع حق وراءه مطالب»، وبدأوا بتوزيع اليافطات والشعارات على بعضهم، أبرزها: «إقفال مزراب من مزاريب الهدر يكفي لتمويل زيادة معاشات المتقاعدين»، «القانون لا يعدّل إلّا بقانون».
في التفاصيل
يشكّل عدم تطبيق المادة 18 من القانون 46 / 2017 الفتيل الاساسي لتحرّك المتقاعدين، فبعدما منحوا زيادة 85 في المئة على المعاش التقاعدي، تُجزّأ على 3 دفعات مدّة 3 سنوات بمعدّل 25 في المئة كل دفعة، لم يحصلوا إلّا على 36 في المئة. في هذا الإطار يوضح رئيس رابطة الأساتذة المتقاعدين في التعليم الثانوي عصام عزام، في حديث لـ»الجمهورية»، قائلاً: «نطالبهم الإلتزام بمنطوق المادة 18 وكل مندرجاتها لإعطائنا الدفعة الثانية من الزيادة على المعاشات التقاعدية لعام 2018 بنسبة 25 في المئة كالأولى، ومن ثم إعطاء الدفعة الثالثة المتوجبة كما نصّت الفقرة الثالثة من هذه المادة».
ويضيف بنبرة غاضبة: «قبضنا الدفعة الأولى في 1 أيلول 2017 وفق ما كان اتّفِق عليه 25 في المئة، لكنّ المؤسف انّ الدفعة الثانية التي كانت مقررة في 1 أيلول 2018 لم تتجاوز الـ10 في المئة نتيجة كتاب أرسله وزير المالية علي حسن خليل إلى دائرة الصرفيات حول كيفية احتساب الزيادة للمتقاعدين وقد تعارَض مع مضمون المادة 18 من القانون 46، وأدى إلى تقليص الدفعة الثانية التي انتظرناها العام 2018 إلى 10 في المئة عوضاً عن 25 في المئة، والمؤسف أنّ الدفعة الثالثة لم تعد محسوبة، ما يعني أنهم «أكلوا حقّنا». لذا، نطالب أن تُسدد الدفعة الثانية كاملة، وأن تكون الدفعة الثالثة 25 في المئة».
ويضيف: "نأسف لتفسير القانون بطريقة مخالفة للمادة 18، كأنهم ندموا على ما منحونا إيّاه. منذ متى يعدّل القانون ببيان؟".
مطلبنا واحد
تعددت الشعارات وتنوّعت المناشدة ما بين الأساتذة المتقاعدين في التعليم الثانوي وزملائهم في الأساسي، إلا انّ الوجع واحد. في هذا الإطار، ينقل رئيس رابطة الأساتذة المتقاعدين في التعليم الأساسي غطاس مدوّر صرختهم عبر «الجمهورية»، قائلاً: «منذ نحو 15 يوماً زرنا وزير التربية أكرم شهيّب في مكتبه ووعدنا أن يُتابع قضيتنا مع الوزير علي حسن خليل، ولكن «كان الله يحبّ المحسنين» لم يحدث أي تقدّم ولم نأخذ حقنا".
ويتوقف مدوّر عند رمزية التجمع أمام «التربية» والسير باتجاه عين التينة، قائلاً: «لو تقاعدنا تبقى وزارة التربية الحاضن الاساسي والأم، وقد تقصّدنا التوجّه إلى عين التينة لإسماع الرئيس بري صرختنا لأننا نعتبره عرّاب المادة 18، ولا بد له أن يساعدنا في إعادة احتساب تلك الزيادة على معاشاتنا التقاعدية». ويضيف: «مطلبنا واحد، تطبيق المادة 18 من القانون 46، وهذا القانون لا يلغى إلّا بقانون، لا يحق لأحد أن يلغيه ببيان، فقد عدنا إلى كافة المراجع القضائية والقانونية وتأكدنا انّ الحق معنا 100 في المئة. لذا، لا يمكن تطبيق القانون بطريقة استنسابية أو شخصية".
أمّا عن الخطوات المقبلة، فيجيب مدوّر: «ندرك تماماً كيف يمكن ان نتصرف في حال اعتبر البعض انّ الدولة غائبة، صحيح اننا تقاعدنا والبعض يعتبر ان لا قوة أو تأثير لدينا، ولكن لدينا كل القدرات والأفكار للتحرك والتصعيد، ولن نعلن عنها إلّا في وقتها المناسب وستُفاجئ الجميع".
إلى عين التينة درّ
قرابة الحادية والنصف وصلت مسيرة المعتصمين إلى أوّل الشارع المؤدّي إلى دارة رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلّا انّ الأمنيين تمنّوا عليهم عدم التقدم بانتظار معرفة ما إذا كان بوسع بري استقبالهم. تدريجاً، بدأ يحتدم النقاش بين المعلمين والقوى الامنية، إلّا انّ كلّاً من الطرفين حرص الّا تتطور الامور وسعى لأن يبقى التحرك سلمياً، وسرعان ما انشغل الاساتذة بتكرار الخيبات المتلاحقة التي أصابتهم والوعود التي بقيت حبراً على ورق، مؤكدين للأمنيين: «بكرا بتكبَروا وانشالله ما بتصيروا مِتلنا». فيما تدخلت إحدى المعلمات قائلة: «كيف بوسعنا إفهام السياسيين انّ أموال التقاعد ليست مِنّة من أحد، بل هي أموال أمانة واسترداد تدريجي لقسم من المحسومات التقاعدية تمّ اقتطاعها شهرياً من رواتبنا خلال خدمتنا الفعلية؟».
وسط تأفف الاساتذة وإصرارهم على مقابلة الرئيس بري، وصل أمين عام مجلس النواب عدنان ضاهر محاولاً امتصاص نقمة الاساتذة، مؤكداً لهم أنه سينقل بأمانة مطلبهم إلى الرئيس بري الذي يتعذّر عليه استقبالهم في هذه اللحظة نظراً إلى مواعيده المتلاحقة. لم يقتنع المعتصمون بسهولة بكلام ضاهر، وكرروا على مسامعه الظلم اللاحق بحقهم وأنها المرة «المليون التي يعبّرون فيها عن موقفهم ومطلبهم بتطبيق المادة 18 بحذافيرها".
بعد ربع ساعة من الأخذ والرد، غادر ضاهر محمّلاً بمطلب المعتصمين الذين عادوا أدراجهم مؤكّدين «التحرّك ما خِلص هَون!».