أخبار لبنان

الراعي يدعو إلى حوار وطني.. ويحثّ على ضبط التهريب ‏

تم النشر في 18 آب 2019 | 00:00

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس الأحد في الصرح ‏البطريركي في الديمان، عاونه المطرانان جوزيف نفاع والياس نصار وكاهن رعية حصرون ‏الخوري القاضي انطونيوس جبارة والقيم البطريركي في الديمان الخوري طوني الآغا وأمين سر ‏البطريرك الخوري شربل عبيد، في حضور حشد كبير من أبناء رعية حصرون يتقدمهم النائب ‏جوزيف اسحق ورئيس البلدية جيرار السمعاني ومخاتير البلدة، وخدمت القداس جوقة رعية ‏حصرون‎.‎


بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان "يا زكا، انزل سريعا، فعلي أن أقيم اليوم في ‏بيتك" (لو5:19). وقال: "دخل الرب يسوع بيت زكا، المصنف رجلا خاطئا، لكي يدخل قلبه ‏ويغيره. وسبق أن دخل قلب زكا فجعله يتشوق ليراه، وتسلق جميزة كالأطفال، وهو رجل غني ‏ومعروف، لكي يرى يسوع. وفي كلا الحالين استقبله زكا مسرورا. وبسبب هذا الدخول كان ‏التحول الجذري في حياته، تماما كما يعلم بولس الرسول: "كل من هو بالمسيح الآن هو خليقة ‏جديدة. إن الأشياء القديمة مضت، وكل شيء صار جديدا" (2كور5: 17-18‏‎)".‎


أضاف: "يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية التي هي لقاء سري مقدس مع المسيح الذي ‏يفتدينا بذبيحته، ويحيينا بتناول جسده ودمه، ويبدل مجرى حياتنا. وفيما أرحب بكم جميعا، يطيب ‏لي أن أرحب برعية حصرون العزيزة، بكهنتها ونائبها المهندس جوزيف إسحق، ورئيس بلديتها ‏المهندس جيرار السمعاني ومخاتيرها ومجالسهم، وبالمنظمات الرسولية ولجان الوقف والجوقة ‏التي تحيي القداس الإلهي. نذكر في هذه الذبيحة المقدسة كل أبنائها وبناتها، أصحاء ومرضى ‏وموتى. ونصلي بنوع خاص من أجل أجيالها الطالعة، فأحيي المدارس التي تتربى فيها ولاسيما ‏تلك الموجودة على أرضها، أعني ثانوية الآباء الأنطونيين، ومدرسة راهبات المحبة‎".‎


وتابع: "كلمة واحدة بحركتين هي أساس اللقاء بين الرب يسوع وزكا، وهو لقاء بدل كل شيء في ‏حياة هذا الأخير. الكلمة هي "الخروج من الذات"، من مكان إلى آخر بنية عمل الخير، "خروج" ‏وانطلاق لملاقاة شخص. يسوع "خرج" إلى أريحا، وراح يجتازها ومعهم جمع غفير. وزكا ‏‏"خرج" من مكانه، من دار الجباية نحو يسوع ليراه. ثم "خرج من ذاته" عندما قام بفعل اعتراف ‏وتوبة وتعويض. إعترف بأنه حجب المساعدة عن الفقراء، فقرر التعويض بإعطائهم نصف ‏مقتنياته. واعترف بأنه ظلم الناس بفرض ضريبة الجباية أكثر مما هي، فقرر التعويض لمن ‏ظلمهم برد المال المختلس أربعة أضعاف (راجع لو8:19). عندها أعلن الرب يسوع أن ‏‏"الخلاص دخل بيت زكا" (لو9:19). أجل دخل الخلاص قلب زكا وبدل حياته كلها. لقد أعاد ‏إليه بهاء صورة الله التي شوهها بخطيئته. المسيح، فادي الإنسان ومخلص العالم، جاء ليصنع ‏‏"كل شيء جديدا" (رؤ5:21‏‎)".‎


ومضى قائلا: "الخروج من الذات"، والانطلاق نحو الآخر، حاجة من أجل الحوار والعيش معا ‏في الحياة العائلية والاجتماعية والوطنية. فالحوار والعيش معا يقتضيان "الخروج" من الحكم ‏المسبق والرأي والنظرة، لكي يصار إلى رؤية موحدة وإلى حقيقة موضوعية تجمع وتحرر. ‏العائلة تتأزم عندما يعيش كل زوج وزوجة أسير عالمه وأنانيته ومتطلباته، ولا يخرج من ذاته، ‏ويخطو خطوة نحو الآخر ولو بكلمة. والحياة الاجتماعية تتفكك فيها العلاقات عندما ينغلق كل ‏مكون من مكوناتها على ذاته، وتتباعد العائلات، وتتنافر الانتماءات الحزبية والسياسية. والحياة ‏الوطنية تتعثر وتكثر فيها العداوات، عندما يعتقد كل فريق أنه على حق، والفريق الآخر على ‏خطأ، وعندما يرفض الأفرقاء الجلوس وجها لوجه إلى طاولة الحوار الصريح للبحث بمسؤولية ‏عن سبل الخروج من الأزمة السياسية التي تصيب الدولة من جراء طريقة الحكم والإدارة، ‏وعندما يستعملون بالأحرى لغة التخاطب الاتهامي مع إساءات عبر وسائل الإعلام والتواصل ‏الاجتماعي، من دون طرح أي مشروع إنقاذي‎".‎


وأردف: "نأمل في هذا السياق بأن تتمكن الحكومة من وضع خطة تنفيذية لمشروع النهوض ‏الاقتصادي والمالي الذي وضعه اجتماع بعبدا في الاسبوع السابق. ويبقى الواجب الأساسي، من ‏أجل هذا النهوض، ضبط التهريب في معابر المرفأ والمطار والمصنع وسواها. وهي كلها ‏معروفة لدى المسؤولين في الدولة. الآن ونحن على أبواب العام الدراسي الجديد، وفيما تلتزم ‏المدارس الخاصة بكلفة الملحق 17 من القانون 46/17، فإن من واجب الدولة تحمل تأمين ‏الدرجات الست في المدارس الخاصة، لأن الأهالي غير قادرين على تحمل أي زيادة على ‏الأقساط المدرسية، وهي زيادة لا تريدها إدارات هذه المدارس، بسبب عجز الأهالي حتى عن ‏إيفاء الأقساط الحالية. الأمر الذي يضطرها إلى صرف أعداد من المعلمين والموظفين. فنكون ‏أمام أزمة اجتماعية جديدة. فمن واجب الدولة إدراج حلها ضمن الخطة الإقتصادية والمالية ‏الإنقاذية‎".‎


ولفت الى أن  "الله اعتمد لغة الحوار مع البشر، إذ "كلمهم منذ القديم بأنواع كثيرة وأشباه شتى. ‏وفي الأيام الأخيرة كلمهم بابنه، الذي هو ضياء مجده، وصورة جوهره، وضابط الكل بقوة ‏كلمته" (عبرا 1: 1-3). والمسيح، ابن الله المتجسد كلمنا، إذ عايشنا، وتشبه بنا في كل شيء ما ‏عدا الخطيئة. علمنا وكلمنا بشخصه وتعليمه وأفعاله وآياته. لقد اعتمد حوار المحبة والصبر ‏والسماع والتوجيه والتصحيح مع كل الذين التقاهم، كما نقرأ في الإنجيل. حاور وزرع الحقيقة ‏والمحبة في القلوب. نحن كمسيحيين ولبنانيين مؤتمنون على نشر لغة الحوار: حوار السلام ‏ومشاريع النهوض الاقتصادي والإنمائي والاجتماعي والمالي والمعيشي. لقد سئم اللبنانيون لغة ‏الحرب والتحريض والخلافات. نحن مؤتمنون على نشر لغة العدالة في الحقيقة، بعيدا من الظلم ‏والإرغام بالضرب والتعذيب على أداء شهادة زور، وبالوشاية على أبرياء. نحن مؤتمنون على ‏حماية حوار العيش معا، حوارا حياتيا وثقافيا ومصيريا، على أساس الميثاق الوطني المتجدد في ‏وثيقة الوفاق الوطني والدستور، وعلى أساس التعددية الدينية والثقافية التي تميز لبنان. إننا من ‏جهتنا، ندعو الأفرقاء السياسيين إلى هذا الحوار الوطني وجها لوجه، ونبارك كل مبادرة تقوم في ‏هذا السبيل. فلبنان لا يتحمل بعد الآن المزيد من الانقسام والانغلاق على الذات والمصالح ‏الشخصية على حساب الدولة بكيانها ومؤسساتها وشعبها‎".‎


وختم الراعي: "نصلي إلى الله لكي يمنح الجميع فضيلة التواضع، كفضيلة زكا، والبحث عن ‏المسيح الهادي إلى الخلاص الشخصي والجماعي، بشفاعة أمنا مريم العذراء، أم الكلمة الإلهية ‏التي أثمرت فيها‎".‎