ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس الأحد في الصرح البطريركي في الديمان، عاونه المطرانان جوزيف نفاع والياس نصار وكاهن رعية حصرون الخوري القاضي انطونيوس جبارة والقيم البطريركي في الديمان الخوري طوني الآغا وأمين سر البطريرك الخوري شربل عبيد، في حضور حشد كبير من أبناء رعية حصرون يتقدمهم النائب جوزيف اسحق ورئيس البلدية جيرار السمعاني ومخاتير البلدة، وخدمت القداس جوقة رعية حصرون.
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان "يا زكا، انزل سريعا، فعلي أن أقيم اليوم في بيتك" (لو5:19). وقال: "دخل الرب يسوع بيت زكا، المصنف رجلا خاطئا، لكي يدخل قلبه ويغيره. وسبق أن دخل قلب زكا فجعله يتشوق ليراه، وتسلق جميزة كالأطفال، وهو رجل غني ومعروف، لكي يرى يسوع. وفي كلا الحالين استقبله زكا مسرورا. وبسبب هذا الدخول كان التحول الجذري في حياته، تماما كما يعلم بولس الرسول: "كل من هو بالمسيح الآن هو خليقة جديدة. إن الأشياء القديمة مضت، وكل شيء صار جديدا" (2كور5: 17-18)".
أضاف: "يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية التي هي لقاء سري مقدس مع المسيح الذي يفتدينا بذبيحته، ويحيينا بتناول جسده ودمه، ويبدل مجرى حياتنا. وفيما أرحب بكم جميعا، يطيب لي أن أرحب برعية حصرون العزيزة، بكهنتها ونائبها المهندس جوزيف إسحق، ورئيس بلديتها المهندس جيرار السمعاني ومخاتيرها ومجالسهم، وبالمنظمات الرسولية ولجان الوقف والجوقة التي تحيي القداس الإلهي. نذكر في هذه الذبيحة المقدسة كل أبنائها وبناتها، أصحاء ومرضى وموتى. ونصلي بنوع خاص من أجل أجيالها الطالعة، فأحيي المدارس التي تتربى فيها ولاسيما تلك الموجودة على أرضها، أعني ثانوية الآباء الأنطونيين، ومدرسة راهبات المحبة".
وتابع: "كلمة واحدة بحركتين هي أساس اللقاء بين الرب يسوع وزكا، وهو لقاء بدل كل شيء في حياة هذا الأخير. الكلمة هي "الخروج من الذات"، من مكان إلى آخر بنية عمل الخير، "خروج" وانطلاق لملاقاة شخص. يسوع "خرج" إلى أريحا، وراح يجتازها ومعهم جمع غفير. وزكا "خرج" من مكانه، من دار الجباية نحو يسوع ليراه. ثم "خرج من ذاته" عندما قام بفعل اعتراف وتوبة وتعويض. إعترف بأنه حجب المساعدة عن الفقراء، فقرر التعويض بإعطائهم نصف مقتنياته. واعترف بأنه ظلم الناس بفرض ضريبة الجباية أكثر مما هي، فقرر التعويض لمن ظلمهم برد المال المختلس أربعة أضعاف (راجع لو8:19). عندها أعلن الرب يسوع أن "الخلاص دخل بيت زكا" (لو9:19). أجل دخل الخلاص قلب زكا وبدل حياته كلها. لقد أعاد إليه بهاء صورة الله التي شوهها بخطيئته. المسيح، فادي الإنسان ومخلص العالم، جاء ليصنع "كل شيء جديدا" (رؤ5:21)".
ومضى قائلا: "الخروج من الذات"، والانطلاق نحو الآخر، حاجة من أجل الحوار والعيش معا في الحياة العائلية والاجتماعية والوطنية. فالحوار والعيش معا يقتضيان "الخروج" من الحكم المسبق والرأي والنظرة، لكي يصار إلى رؤية موحدة وإلى حقيقة موضوعية تجمع وتحرر. العائلة تتأزم عندما يعيش كل زوج وزوجة أسير عالمه وأنانيته ومتطلباته، ولا يخرج من ذاته، ويخطو خطوة نحو الآخر ولو بكلمة. والحياة الاجتماعية تتفكك فيها العلاقات عندما ينغلق كل مكون من مكوناتها على ذاته، وتتباعد العائلات، وتتنافر الانتماءات الحزبية والسياسية. والحياة الوطنية تتعثر وتكثر فيها العداوات، عندما يعتقد كل فريق أنه على حق، والفريق الآخر على خطأ، وعندما يرفض الأفرقاء الجلوس وجها لوجه إلى طاولة الحوار الصريح للبحث بمسؤولية عن سبل الخروج من الأزمة السياسية التي تصيب الدولة من جراء طريقة الحكم والإدارة، وعندما يستعملون بالأحرى لغة التخاطب الاتهامي مع إساءات عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، من دون طرح أي مشروع إنقاذي".
وأردف: "نأمل في هذا السياق بأن تتمكن الحكومة من وضع خطة تنفيذية لمشروع النهوض الاقتصادي والمالي الذي وضعه اجتماع بعبدا في الاسبوع السابق. ويبقى الواجب الأساسي، من أجل هذا النهوض، ضبط التهريب في معابر المرفأ والمطار والمصنع وسواها. وهي كلها معروفة لدى المسؤولين في الدولة. الآن ونحن على أبواب العام الدراسي الجديد، وفيما تلتزم المدارس الخاصة بكلفة الملحق 17 من القانون 46/17، فإن من واجب الدولة تحمل تأمين الدرجات الست في المدارس الخاصة، لأن الأهالي غير قادرين على تحمل أي زيادة على الأقساط المدرسية، وهي زيادة لا تريدها إدارات هذه المدارس، بسبب عجز الأهالي حتى عن إيفاء الأقساط الحالية. الأمر الذي يضطرها إلى صرف أعداد من المعلمين والموظفين. فنكون أمام أزمة اجتماعية جديدة. فمن واجب الدولة إدراج حلها ضمن الخطة الإقتصادية والمالية الإنقاذية".
ولفت الى أن "الله اعتمد لغة الحوار مع البشر، إذ "كلمهم منذ القديم بأنواع كثيرة وأشباه شتى. وفي الأيام الأخيرة كلمهم بابنه، الذي هو ضياء مجده، وصورة جوهره، وضابط الكل بقوة كلمته" (عبرا 1: 1-3). والمسيح، ابن الله المتجسد كلمنا، إذ عايشنا، وتشبه بنا في كل شيء ما عدا الخطيئة. علمنا وكلمنا بشخصه وتعليمه وأفعاله وآياته. لقد اعتمد حوار المحبة والصبر والسماع والتوجيه والتصحيح مع كل الذين التقاهم، كما نقرأ في الإنجيل. حاور وزرع الحقيقة والمحبة في القلوب. نحن كمسيحيين ولبنانيين مؤتمنون على نشر لغة الحوار: حوار السلام ومشاريع النهوض الاقتصادي والإنمائي والاجتماعي والمالي والمعيشي. لقد سئم اللبنانيون لغة الحرب والتحريض والخلافات. نحن مؤتمنون على نشر لغة العدالة في الحقيقة، بعيدا من الظلم والإرغام بالضرب والتعذيب على أداء شهادة زور، وبالوشاية على أبرياء. نحن مؤتمنون على حماية حوار العيش معا، حوارا حياتيا وثقافيا ومصيريا، على أساس الميثاق الوطني المتجدد في وثيقة الوفاق الوطني والدستور، وعلى أساس التعددية الدينية والثقافية التي تميز لبنان. إننا من جهتنا، ندعو الأفرقاء السياسيين إلى هذا الحوار الوطني وجها لوجه، ونبارك كل مبادرة تقوم في هذا السبيل. فلبنان لا يتحمل بعد الآن المزيد من الانقسام والانغلاق على الذات والمصالح الشخصية على حساب الدولة بكيانها ومؤسساتها وشعبها".
وختم الراعي: "نصلي إلى الله لكي يمنح الجميع فضيلة التواضع، كفضيلة زكا، والبحث عن المسيح الهادي إلى الخلاص الشخصي والجماعي، بشفاعة أمنا مريم العذراء، أم الكلمة الإلهية التي أثمرت فيها".