أمّا وأنّ "لقاء المصارحة والمصالحة" قد طوى صفحة موقعة قبرشمون، فإنّ لبنان بكل تحدياته السياسية والاقتصادية، يعود بضعة مربعات إلى خَلف التوترات التي دفعت بكل الملفات إلى حافة الهاوية، خصوصاً في ظل الحديث عن سيناريوهات الانهيار الاقتصادي، وما قد تعكسه في ذلك التصنيفات الإئتمانية.
تبدو المصالحة الأخيرة نسخة مصغّرة من صيغة "لا غالب ولا مغلوب". الكل عاد إلى قواعده: رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أظهر أمام جمهوره أنه رئيس "العهد القوي" القادر على تحقيق المصالحات من دون تنازل عن المواقف.
وزير الخارجية جبران باسيل عاد خطوة إلى الوراء بعد خطوتين إلى الأمام، بانتظار أن يستكمل معركته الرئاسية المقبلة.
رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فرض نفسه مجدداً، وبشكل قوي على المشهد السياسي، بعد شعور مرير بالعزلة.
رئيس مجلس النواب نبيه بري أثبت أنه ضمانة للتوازنات القائمة بالنظر إلى دوره المحوري في تحقيق لقاء "المصارحة والمصالحة".
ربما كان سعد الحريري وحده من ظلّ، بشكل أو بآخر، على الهامش. فطوال الأسابيع الصعبة من الأزمة السياسية التي أعقبت حادثة قبرشمون، بَدا رئيس الحكومة كأنه "صوت صارخ" في برّية الحياة السياسية في لبنان، مكتفياً بالتحذير من التداعيات الكارثية لِما يجري، ومحاولاً تدوير الزوايا، مع إدراك كبير بمحدودية قدراته على القيام بدور كذاك الذي قام به الرئيس نبيه بري.
مع ذلك، فإنّ الحريري سجّل الكثير من النقاط الإيجابية لصالحه في الأزمة الأخيرة، بعدما قدّم نفسه باعتباره الصوت العاقل في مسرح الجنون اللبناني العبثي.
إستفاد الحريري، في هذا السياق، من أخطاء الآخرين، لينتقل بعد "المصارحة والمصالحة" من مرحلة التحرك على الهامش إلى اقتناص الفرصة لإعادة تثبيت حضوره، كأحد المحاور الاساسية في المشهد السياسي اللبناني.