خاص

يوم استفاقت الضمائر على جريمة العصر

تم النشر في 14 شباط 2019 | 00:00

هو صوت جاء من "الوسط"، كان كافياً بأن يهزّ البنيان من أساسه وبأن يُحوّل الأحلام إلى كوابيس. البداية اغتيال، ثم تلته الثورة بعدها قرارات مصيرية وضعت البلد على سكّة العدالة والطريق نحو الحرية والسيادة والاستقلال.





 





اغتيال وطن على يد عشّاق الدم، وأي دم. الرئيس رفيق الحريري يُستهدف في "الوسط" الذي أراده ملتقً لأبناء الوطن الواحد من دون انتحجب الرؤية الإجتماعية أو التفاوت الطبقي بينهم. وسط للجميع لأبناء المسجد كما لأبناء الكنيسة، لكن إرادت القاتل كانت أقوى من إرادة الحياة هذه المرة. سقط رفيق الحريري مضرجاً بدمائه مع نخبة من أصدقائه. ليس "ابن ملجم" هذه المرة هو القاتل، بل هو من أوصى نبي الإسلام ب"سابعه" (الجار). من هناك امتدت يد الغدر لتطال رجل رفع رأسه لينظر الى شموخ وطنه بعين الحلم الأمل.





 





الرابع عشر من شباط عام 2005، يوم تعود فيه الذاكرة لتختلط بين مشاعر تتأرجح على حبال الحزن والفرح، بين حقيقة وخيال. يوم حُفّظ في ذاكرة التاريخ اللبناني الحديث كأبرز محطات النضال التي انتصرت فيها الضحيّة على الجلّاد، فكان قرار لبناني جماعي، بأن يخرج من أرضه أكثر الجيوش التي عاثت فيها فساداً وقتلاً ورعباً، جيش يقوده نظام لم يراعِ حرمة الجيرة، راح ينتهك السيادة ويزرع الموت في كل بيت وشارع على غرار ما يفعله اليوم مع ابناء جلدته، وعلى الرغم من ان الثمن كان غالياً ومؤلماً، إلا انه شكّل محطة فصل بين ماضي حكمته الفتنة، وحاضر محكوم بالدولة وبالمؤسسات الشرعية والدستورية.





 





هي حكايات من زمن الواقع الأليم لكنها معطوفة على ذكريات وحنين لا تنتهي فصولها. حكايات تبدأ بقصة اسمها رفيق الحريري وهب دمه لوطن وشعب ليعبروا من خلاله نحو دولة الشراكة والعيش المُشترك والمناصفة بين الأبناء، تماماً كما أراد ا في حياته. عبروا إلى دولة منشودة لا تُميّز بين مسلم ومسيحي ولا بين شرق وغرب، فكان زمن الوصل والتلاقي في "الوسط" الذي اختاره لشهادته. من "ساحة الحرية" كانت بداية التعبير عن حالة الغضب التي انتابت اللبنانيين ومن الساحة نفسها انطلقت ثورة كالإعصار، فأزاحت من أمامها غمامة القهر والظلم وأزاحت من طريقها نظام الوصاية والإستبداد، نظام القتل والإجرام.





 





هي ثورة أكملت طريقها نحو الشمس، على الرغم من مشروع القتل الذي استهدف خيرة قادتها ورجالها، والمؤامرات التي حيكت ضدها، بدءًا من رفض تطبيق مقررات طاولة الحوار والاعتصامات المُقابلة ومحاولة إحراق وتعطيل البلد وضرب مصداقية المحكمة الدولية، وغيرها الكثير من المحطّات السوداء التي ظلّت تستهدفه، والمفارقة أن أخر محطات الإجرام التي استهدفت الوزير محمد شطح، كانت في "الوسط" أيضاً.





 





امتدت دماء رفيق الحريري من الرابع عشر من شباط العام 2005 الى الرابع عشر من آذار العام نفسه، مسافة زمنية قصيرة تخلّلتها أحداث احتلت ذاكرة التاريخ. تاريخ انتصار اللبنانيين على جلاّد أمعن طيلة عقود، في ضرب استقرارهم وإحداث شرخ بين مكوّناتهم مذهبيّاً وطائفيّاً. على الرغم من ان المسافة الزمنية بين التاريخين قصيرة، إلا انها اختزلت سنوات من القهر والاستبداد والعبودية، لكن أبى أصحاب الأرض إلاّ أن يحوّلوا يوم الاستشهاد الكبير، إلى محطّة رئيسية لا يُمكن للتاريخ أن يمرّ عليها، من دون التوقّف عندها وأخذ العبر والدروس منها، والأهم، كان التعلّم بأن الاستقلال والحرية والكرامة، لا يُمكن أن تُستعاد، إلّا بتضحيات وبدماء تتناسب مع حجم الأوطان.