أخبار لبنان

الراعي: أين كنا وأين نحن؟

تم النشر في 31 آب 2019 | 00:00

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في باحة الصرح ‏البطريركي الخارجية في بكركي، قداسا احتفاليا لمناسبة افتتاح سنة المكرم ‏البطريرك الياس الحويك والسنة التحضيرية لمئوية اعلان دولة لبنان الكبير، ‏وعاونه المطارنة بولس مطر، منير خيرالله، يوسف سويف وحنا علوان، بمشاركة ‏السفير البابوي جوزف سبيتاري، بطريرك السريان الكاثوليك يوسف الثالث يونان ‏وبطريرك الأرمن الكاثوليك غريغوار العشرون‎.‎


حضر القداس وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش ممثلا رئيس الجمهورية ‏العماد ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، الرئيس ميشال سليمان، ‏ممثل وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل النائب آلان عون، النواب، جان ‏طالوزيان، نعمت أفرام وجورج عقيص، الوزيران السابقان سليم الصايغ وسجعان ‏قزي، رئيس مجلس القضاء الأعلى جان فهد، ممثلون لقائد الجيش وقادة الأجهزة ‏الأمنية، المدير العام للقصر الجمهوري أنطوان شقير، المديرة العامة للنفط أورور ‏الفغالي، مديرة "الوكالة الوطنية للاعلام" لور سليمان صعب، السفير خليل كرم، ‏نائبة رئيس المؤسسة المارونية للانتشار روز شويري، منسق العمل بين المؤسسات ‏المارونية أنطوان ازعور، قائمقام البترون روجيه طوبيا، رئيس اتحاد بلديات ‏البترون مارسيلينو الحرك وحشد من الشخصيات والمؤمنين‎.‎


العظة


وألقى الراعي عظة بعنوان "الحب الذي وقع في الأرض الجيدة أثمر مئة ضعف" ‏‏(لو8:8)، استهلها بالقول: "يدعونا الرب يسوع في مثل إنجيل اليوم "لنسمع كلمة ‏الله بقلب صالح، ونحفظها ونثبت فنثمر" (لو15:8)؛ ولنتجنب ثلاث حالات عندما ‏نسمع كلمة الله: الإهمال المشبه بجانب الطريق حيث يقع الحب، والسطحية المشبهة ‏بالصخر فاقد الرطوبة، وإعطاء الأولوية لهموم الحياة المشبهة بالشوك. فلأن كلام ‏الله يصدر من قلبه وحبه، ينبغي أن نسمعه ونقبله بحب في قلوبنا لكي يثمر فينا‎".‎


وعن المناسبة قال: "يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، مفتتحين بها سنة ‏المكرم البطريرك الياس الحويك، وهي السنة التحضيرية لإحياء المئوية الأولى ‏لإعلان دولة لبنان الكبير. وقد دعت إلى هذا الاحتفال جمعية راهبات العائلة ‏المقدسة المارونيات، بالتنسيق مع اللجنة البطريركية المعنية بإعداد الاحتفال ‏بالمئوية، وذلك كواجب وفاء لمؤسسهن الكبير البطريرك الياس الحويك، ولاسيما ‏بمناسبة إعلانه مكرما في شهر حزيران الماضي، من قبل قداسة البابا فرنسيس. ‏هذا الإعلان يعني أنه عاش ببطولة الفضائل الإلهية والمسيحية والإنسانية. وبه ‏ختمت الكنيسة تحقيقها في مرحلته الأولى التي بدأت في كانون الأول 2010. ‏والآن نصلي كي يظهر الله قداسته وترفعه الكنيسة على المذابح باجتراح أعجوبة ‏تجري بشفاعته‎".‎


وهنأ "جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات بشخص رئيستها العامة الأم ماري ‏أنطوانيت سعاده ومجلس المشيرات"، منوها "بما بذلن من جهد وتضحيات خلال ‏مسيرة التحقيق في أبرشية البترون أولا، ثم في مجمع دعاوى القديسين بروما‎".‎


واستطرد: "ويسعدني أيضا أن أحييكم وأهنئكم جميعا، لأن المكرم البطريرك الياس ‏الحويك هو راع مميز غيور لكنيستنا، وعميد لبنان، وحامي كيانه، وحامل مجده ‏بجدارة واستحقاق. فباستعراض مراحل حياته، نرى أنه شكل خاتمة سعيدة لمساعي ‏أسلافه البطاركة، عبر مسار طويل بدأ مع القديس يوحنا مارون، وبلغ ذروته مع ‏المكرم الحويك، عندما ترأس الوفد اللبناني الرسمي إلى مؤتمر الصلح في فرساي ‏سنة 1919، وطالب "بدولة لبنان الكبير" بحيث تستعيد كل الأراضي التي سلختها ‏عنه السلطة العثمانية. فكان "إعلان دولة لبنان الكبير" في أول أيلول 1920، ‏بحضوره في قصر الصنوبر، على لسان الجنرال غورو، ممثل الدولة الفرنسية‎".‎


أضاف: "كل سر الياس الحويك أنه قبل في قلبه كلمة الله منذ طفولته. فأنارت ‏دروب حياته من قريته المتواضعة حلتا- البترون، إلى مدرسة دير مار يوحنا ‏مارون كفرحي، فإلى المدرسة الإكليريكية في غزير، ومنها إلى معهد إنتشار ‏الإيمان في روما، حيث أنهى دراساته العليا في اللاهوت والحقوق الكنسية، متوجا ‏إياها بشهادة الملفنة. والكلمة إياها أنارت وعضدت وشجعت رسالته المثلثة: ‏الكهنوتية لتسع عشرة سنة، والأسقفية لعشر سنوات، والبطريركية لاثنتين وثلاثين ‏سنة‎".‎


وتابع: "أثمرت كلمة الله في قلب الحويك وعقله وكل شخصه. فكان لامعا في ‏الفضيلة والعلم والتقوى وروح الصلاة والشجاعة والصراحة واللطف والبساطة ‏والجرأة. وعرف كيف يغرف من ينابيع الروح في روما. ولما عاد إلى لبنان، ‏استدعاه البطريرك الكبير بولس مسعد إلى الكرسي البطريركي سنة 1872، وأسند ‏إليه أمانة سره فظهرت كفاءته وأمانته ومقدرته العلمية والإدارية. وقبيل وفاته رقاه ‏إلى الدرجة الأسقفية نائبا بطريركيا في 14 كانون الأول 1889. وكما كان الذراع ‏الأيمن للبطريرك بولس مسعد، كان الذراع الأيمن والفاعل والناجح للبطريرك ‏يوحنا الحاج. وقد خلفه بعد عشر سنوات، على السدة البطريركية بالإجماع منذ ‏اليوم الأول لإلتئام المجمع الانتخابي، وهو بعمر ست وخمسين سنة‎".‎


وأردف: "كم اختبر البطريرك الياس الحويك في مراحل حياته صلاة المزمور ‏‏119: "كلمتك مصباح لخطاي ونور لسبيلي"؟ وكان يسمي هذه الكلمة الموجهة لكل ‏ما عاشه واختبره "بالعناية الإلهية"، حتى سمي هو "برجل العناية‎".‎


بفضل ثقافته الرومانية وما اكتسب من خبرة ومعرفة للناس على تنوعهم خلال ‏سنوات وجوده في الكرسي البطريركي، كأمين سر البطريرك وكنائب بطريركي، ‏قاد سفينة كنيستنا المارونية كربان ماهر حكيم على مدى اثنتين وثلاثين سنة. فكان ‏عهده عهدها الذهبي على الرغم من كل صعوباتها. وكانت سنوات بطريركيته ‏مسيرة متصاعدة نحو القداسة‎".‎


واستطرد مؤكدا: "أجل، لقد أثمرت حبة كلمة الله في قلبه مئة ضعف. ففي سنة ‏‏1895 أسس "جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات" لتربية الفتيات، أمهات ‏المستقبل، والضامنات لقدسية العائلة. وإذ كان يعتبر خسارة جسيمة إقفال المدرسة ‏المارونية في روما التي أنشأها البابا غريغوريوس سنة 1584 لتنشئة الإكليروس ‏الماروني، باحتلال جنود نابوليون وتأميمها، إنتدبه البطريرك يوحنا الحاج سنة ‏‏1890 لتأسيس معهد ماروني حبري جديد في روما، فكان كذلك. ثم توجه إلى ‏فرنسا ونال من حكومتها ثماني منح جامعية للإكليريكيين الموارنة في معهد‎ Saint ‎Sulpice ‎المشهور، ومعبدا في قصر مجلس الشيوخ الحالي، ليقيم فيها الموارنة ‏شعائرهم الدينية، قبل الحصول على فواييه للطلاب وكنيسة سيدة لبنان في باريس ‏في الثلاثينات. وأم القدس واشترى دارة لاستقبال الحجاج، معروفة بإسم "بيت ‏مارون". كما تملك فوايه للشبيبة مع كنيسة سيدة لبنان في مرسيليا بفرنسا. هذا ‏فضلا عن المهمات الكبيرة التي كان ينتدبه إليها البطريرك يوحنا الحاج‎".‎


أضاف: "أما بطريركيته فقد عرفت أحداثا خطيرة وكبيرة، واجهها بالصلاة ‏والاتكال على العناية الالهية وعلى امنا مريم العذراء سيدة لبنان وهو الذي انشأ ‏معبد حريصا مع السفارة البابوية سنة 1904 في ذكرى خمسين سنة على عقيدة ‏الحبل بلا دنس، وترك صلاة ما زلنا نصليها ونرتلها حتى يومنا هذا. في عهده ‏كانت الحرب العالمية الأولى والمجاعة التي حصدت أكثر من ثلث شعبنا. ففتح ‏أبواب الكرسي البطريركي، وأمر بفتح أبواب الأديار بوجه الفقراء والجياع. وكان ‏سقوط السلطنة العثمانية وتقسيمها إلى دول. فكان المناضل السباق من أجل إعلان ‏دولة لبنان الكبير: رئس الوفد اللبناني إلى مؤتمر الصلح في فرساي، وقدم مذكرة ‏بإسم الشعب اللبناني في تموز 1919، ضمنها أربعة مطالب: "إستقلال لبنان، ‏وإعادة الأراضي التي تشكل حدوده الطبيعية، والتي سلخت عنه بطريقة تعسفية، ‏ووضع عقوبات ضد السلطات التركية والألمانية وإلزامها بالتعويضات العادلة عن ‏الخسائر الكبيرة التي سببتها للبنان وشعبه، وجعل لبنان مرحليا تحت الانتداب ‏الفرنسي". فكان إعلان دولة لبنان الكبير في أول أيلول 1920، كما رأينا‎".‎


وقال: "كان هم البطريرك أن يكون شعب لبنان، بمسيحييه ومسلميه، عائلة واحدة ‏قائمة على التعددية الدينية والثقافية لا العدد، في دولة يرعاها القانون والمؤسسات ‏في إطار العيش الواحد، على قاعدة الانتماء الوطني، لا الطائفي أو المذهبي. وكان ‏فضله أنه أسس أول كيان دستوري معترف به عربيا ودوليا، يثبت الوجود اللبناني ‏المستقل والحر والآمن على كامل الأراضي اللبنانية، في إطار صيغة تعايش متساو ‏مسيحي- إسلامي، ضمن نظام ديمقراطي برلماني ليبرالي يقر جميع الحريات ‏المدنية العامة‎".‎


وختم: "في ذكرى الحويك، وفي هذه المئوية لاعلان دولة لبنان الكبير، يجدر بنا ان ‏نعود جميعا، شعبا ومسؤولين ومؤسسات في الدولة وسياسيين الى الروح التي قادت ‏الحويك، وأن نعود إلى الأسس التي وضعها لهذا الوطن. فلتكن المئوية وقفة ضمير ‏ومراجعة للذات بعد مئة سنة، اين كنا واين نحن‎.‎


وكان على البطريرك أن يعمل جاهدا طيلة إحدى عشرة سنة من أجل تثبيت ‏خصائص لبنان هذه فأسلم بعدها الروح مثل سلفه ليلة عيد الميلاد سنة 1931. ‏فأتت علامة من السماء أن موته على أرضنا ميلاده في السماء. "فالإله صار إنسانا ‏ليؤله الإنسان"، على ما ردد القديس أمبروسيوس. ومعه نرفع نشيد المجد والتسبيح ‏للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين‎".‎


سعادة


وكانت الرئيسة العامة لراهبات العائلة المقدسة المارونيات الأم ماري انطوانيت ‏سعادة، قد ألقت في مستهل القداس كلمة قالت فيها: "عشية الأول من أيلول، نجتمع ‏في الصرح البطريكي في بكركي، وبكركي أم الجميع، كما اعتاد أن يقول لكم ‏البطريرك الياس الحويك. نجتمع كلبنانيين من كل المناطق والطوائف لنحتفل حول ‏غبطة أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بمناسبتين: افتتاح سنة المكرم ‏البطريرك الياس الحويك وبدء السنة الاحتفالية لمئوية دولة لبنان الكبير، بدعوة من ‏اللجنة البطريركية للاحتفال بالمئوية الأولى التي يرأسها المطران سمير مظلوم‎".‎


وأردفت: "ليست الصدفة ولا تدابير بشرية، بل عناية الله التي شاءت أن تتزامن ‏هاتان المناسبتان، وتظهر العلاقة التي تربط شخصية البطريرك الكبير، بدولة لبنان ‏الكبير. إنها ذبيحة الشكران نرفعها للآب على نعمتين، نعمة القداسة التي وهبها الله ‏لوطننا فأكثر فيه القديسين، ونعمة الوطن التي وهبها الله لنا بإرادة أجدادنا ‏والبطاركة القديسين أسلاف البطريرك الحويك وإصرارهم وتدبيرهم وقداسة ‏حياتهم؛ هذه النعمة التي تسهر عليها البطريركية المارونية اليوم سهرها على حدقة ‏عينها. إنها ذبيحة الشكران على نعمة لبنان- الرسالة، رسالة الأخوة الإنسانية ‏الشاملة‎".‎


وختمت بالدعوة إلى أن "لنصلي من أجل لبنان ونطلب شفاعة أمنا مريم سيدة لبنان ‏والمكرم الجديد الذي ما زال، من السماء كما كان على الأرض، يشفع لوطننا ‏العزيز، ويواصل طلب البركات له‎".‎