اعتبر رئيس الجمهورية ميشال عون أن "تصويت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بعد ظهر اليوم بأكثرية 165 صوتاً تأييداً للمبادرة التي أطلقها بإنشاء "اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار"، يعطي دفعاً إضافياً للبنان للسير قدماً في تحقيق هذه المبادرة التي تساهم في ارساء لغة الحوار ونبذ العنف والتطرف".
وفيما شكر الرئيس عون في كلمة وجهها مساء اليوم، "الدول التي دعمت مشروع القرار وصوتت له"، أكد أن "انشاء الأكاديمية سوف يضع لبنان في موقعه الطبيعي الرائد على صعيد الحوار بين الثقافات والأديان ونشر رسالة التلاقي والتواصل بين الشعوب". وشدد على "استمرار التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة في سبيل تعميم ثقافة الحوار ومعرفة الآخر خصوصاً على صعيد الشباب بما يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة وأهدافها".
وكان الرئيس عون تابع مباشرة من نيويورك وقائع جلسة الجمعية العمومية التي نال فيها المشروع اللبناني أكثرية 165 صوتاً، ومعارضة الولايات المتحدة وإسرائيل.
وقائع الجلسة
وكانت الجمعية العامة قد بدأت درس المشروع الذي حمل الرقم A/73/L107 عند الساعة الخامسة والنصف عصراً بتوقيت بيروت، حيث طرحته رئيسة الجمعية ماريا فرناندا اسبينوزا قبل ان تمنح الكلمة لمندوبة لبنان الدائمة لدى الامم المتحدة آمال مدللي التي شرحت اسباب هذه المبادرة واهدافها، شاكرة الرئيسة اسبينوزا وكل الذين اعطوا موافقتهم المبدئية على المشروع، لافتة الى ان الاكاديمية هي مبادرة اطلقها الرئيس عون لمنح لبنان والمنطقة والعالم ساحة جديدة لتعم ثقافة السلام والتعايش والتسامح، خصوصاً وان لبنان خبر الالم والحرب وتعلم تحويل السيوف الى محاريث.
واعتبرت مدللي في كلمتها ان "هذه المبادرة جاءت في وقت نحن احوج فيه الى مثل هذه الخطوات، حيث يشهد العالم انقسامات عديدة وانتشار خطاب الكراهية، فيما يجب علينا ان نتعلم العيش بسلام". وقالت: "هذه هي الروح التي الهمت المبادرة في بلد جامع يحظى بخلفيات دينية واثنية مختلفة، وحديقة حاضنة لمعتقدات وعقائد روحية عديدة تسعى لغاية واحدة. ومن الاختلافات العديدة في ما بينها، تعلمت تلك المكونات ان يحترم كل منها الآخر والاعتزاز بما يجمعها وان لبنان هو واحد لها. لقد اطلق رئيس الجمهورية هذه المبادرة من هذا المنبر عام 2017، وحصد اكثر من 172 رعاية شريكة، وهو يعتبر شهادة على ارادتنا الجماعية على تمثيل قيمنا الرئيسية، واود ان اشكر كل دولة ساهمت في رعاية مشروع القرار وبالاخص الدول الاعضاء في مجموعة دول عدم الانحياز ومجموعة آسيا والبحر الهادىء التي تبنّت هذه المبادرة، واود ان اشكر كل من وعد بالتصويت لصالح هذا القرار ومن سيحجب التصويت عنه وحتى من سيعارضه، فنحن جميعاً هنا لاننا نؤمن بالسلام بصرف النظر عن الطريق المؤدي اليه، لكنني ما زلت آمل ان تصوتوا جميعاً لصالحه".
وتابعت مدللي: "ان دعمكم لمشروع القرار هذا هو تصويت للسلام، ولشكل مختلف من اشكال القلق الانساني عما نراه اليوم من حولنا، انكم تمنحوننا الامل. ان المشروع يستذكر كل قرارات الجمعية العامة ذات الصلة بثقافة السلام ويرحب بمبادرة انشاء "اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار" في بيروت ويشجع الامين العام ووكالات الامم المتحدة الخاصة ذات الصلة على دعم جهود الاكاديمية، كل في حدود الموارد المتاحة له ووفقاً للولاية الموكلة اليه. واشكر كل الدول الاعضاء على انخراطها الناشط ومداخلاتها البناءة خلال جولات المشاورات غير الرسمية الثلاث حول مشروع القرار والمفاوضات الثنائية مما اثمر وضع نص مشروع القرار، وقد اجريت المفاوضات بشكل مفتوح وشفاف. وعلى الرغم من المصاعب ومحطات تاريخية، يبقى لبنان منارة للعيش الواحد، ولقد تعلمنا، نحن اللبنانيون، وبطريقة صعبة، ان لا بديل عن الحوار في حل النزاعات، ونريد الآن مشاركة تجربتنا مع الآخرين وتعليمه لاولادنا ولابناء العالم المهتمين لان السلام منهج لا يجب ان يدرّس كأي منظومة اخرى، وندعوكم لدعم هذه المبادرة من خلال التصويت لصالح مشروع القرار والذي يبغي تقديم مساعدة اضافية لجهودنا الجماعية باتجاه تمكين ثقافة السلام ما ينسجم مع المثل العليا التي تدعو اليها الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان ولجنة التنمية المستدامة لـ2030. واشكركم على تعاونكم في تعزيز السلام في منطقتنا والعالم لان وجودنا نفسه يعتمد على ذلك".
ثم افسحت الرئيسة اسبينوزا المجال امام الدول الحاضرة للتصويت على مشروع القرار، فحصد تأييد 165 دولة مقابل معارضة كل من الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل، دون امتناع اي دولة حاضرة عن التصويت. وبعد اعلان النتيجة شرح المندوب الاميركي سبب معارضة بلاده للمشروع، فسجّل تقديره لدور لبنان الاقليمي بشأن التنوع والحرية الدينية والتزامه الحوار بين الثقافات والاديان، ولكنه اعتبر ان المشروع يبقى مبهماً من حيث دور الامم المتحدة في آليات الانتساب وغيرها من المواضيع الادارية.
وفيما شنت مندوبة اسرائيل هجوماً على لبنان والرئيس عون واللبنانيين مدعية انهم لا يحترمون قيم السلام والتسامح والتعايش، رد مندوب فنلندا باسم الاتحاد الاوروبي والدول الاعضاء فيه بطريقة غير مباشرة عليها، اذ شكر في كلمته، لبنان على اقتراحه مشروع القرار والطريقة المثالية التي دارت بها المناقشات غير الرسمية، معتبراً ان التنوع والحوار بين الحضارات هي قيم راسخة للاتحاد الاوروبي وتلعب دوراً بارزاً في تعزيز حقوق الانسان وعدم التمييز في العالم، و"هي قيم تعتبر محوراً لنظامنا المتعدد الطرف، والاتحاد يؤيد كل مبادرات لدعم هذه القيم، كما انه يقدّر الجهود الدائمة للبنان بالنهوض بالحوار والتسامح، ويرحّب بسعي لبنان لضمان الاتفاق على الساحة الدولية وهو سبب تأييد الاتحاد الاوروبي لهذا القرار".
يذكر ان المشروع حصل على تأييد 172 دولة، فيما كان عدد المندوبين الحاضرين في جلسة التصويت 167 دولة. وقد اعربت الجمعية العامة في قرارها "عن تقديرها لما يبذله الرئيس اللبناني من جهود لتعزيز دور لبنان باعتباره مركزاً للحوار والتنوع، ولا سيما من خلال مبادرته الرامية الى انشاء "اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار".
وتكوّن القرار من ثلاث فقرات عامة، حيث رحبت الجمعية بالفقرة الاولى بمبادرة رئيس لبنان انشاء "اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار" في بيروت، وشجّعت في الفقرة الثانية الامين العام ومنظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) وغيرها من الوكالات المتخصصة ذات الصلة، على دعم الجهود المبذولة لانشاء الاكاديمية كل في حدود الموارد المتاحة له ووفقاً للولاية الموكلة اليه، وطلبت في الفقرة الثالثة من الامين العام ان يبقي الجمعية العامة على علم بتنفيذ هذا القرار".