كتبت صحيفة "الشرق الأوسط": يطرح تبني الأمم المتحدة لاقتراح رئيس الجمهورية ميشال عون إنشاء "أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار" أكثر من علامة استفهام حول الأسباب التي ما زالت تحول دون انطلاق الحوار الداخلي حول عدد من أبرز القضايا السياسية التي هي الآن موضع خلاف بين اللبنانيين وعدم حصره في الشق الاقتصادي على غرار رعاية الرئيس عون للاجتماع الموسّع الذي شارك فيه قادة الأحزاب ورؤساء الكتل النيابية المشاركة في الحكومة وخُصّص لتوفير الغطاء السياسي للإسراع في إقرار موازنة العام 2020.
فالترحيب الأممي باقتراح رئيس الجمهورية بإنشاء الأكاديمية، وإن كان يتسم بأهمية خاصة، فإنه في المقابل يتطلب - كما يقول مصدر وزاري بارز لـ"الشرق الأوسط" - أن تُستثمر مفاعيله في لبنان وبمبادرة خاصة من صاحب هذا الاقتراح بدعوته أبرز المكونات السياسية للدخول في حوار مفتوح حول الأمور الخلافية بدلاً من ترحيلها، ما يؤدي إلى ارتفاع منسوب التوتر الذي يدفع في اتجاه إقحام البلد في مهاترات هو في غنى عنها في ظل تصاعد حدة الاشتباكات السياسية في المنطقة وأولها في الدول المجاورة للبنان.
ويسأل المصدر الوزاري عن الأسباب التي ما زالت تدفع الحكومة خلال جلسات مجلس الوزراء إلى اتباع سياسة النأي بالنفس عن مقاربة الأمور الخلافية والتداول فيها بدلاً من الإبقاء عليها مواد مشتعلة تنتقل من منطقة لبنانية إلى أخرى، ويقول إن حصر المعالجة بالإجراءات المالية التي تسمح بوضع موازنة العام 2020 لا يؤهل لبنان للإفادة من مقررات مؤتمر "سيدر" لمساعدته على النهوض من أزماته الاقتصادية والمالية، خصوصاً أننا نقف على أبواب الإفادة منها بدءاً باللقاء المرتقب اليوم بين رئيس الحكومة سعد الحريري والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس.
فلقاء الحريري - ماكرون سيُتوّج بإطلاق فرنسا باعتبارها الراعية لمؤتمر «سيدر» الضوء الأخضر للبدء بتنفيذ عدد من المشاريع التي تأمَّنَ لها التمويل، إضافة إلى أن مجرد انعقاد هذا اللقاء - بحسب المصدر الوزاري - يعني أن الرعاية الدولية للبنان ما زالت قائمة، وأن كل ما قيل عن تراجعها أو خفض منسوبها ليس في محله.
ويرى المصدر الوزاري أنه لا بد من التلازم بين إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية وبين أن تكون محمية بحالة من الاستنفار السياسي لأنه من غير الجائز أن تتوصل الحكومة بالتعاون مع المجلس النيابي إلى إقرار مشروع الموازنة للعام المقبل في موعدها الدستوري من دون أن تكون محصنة برؤية سياسية موحدة من شأنها أن تضيء على أبرز المؤشرات لمستقبل الوضع السياسي في لبنان في ضوء العواصف السياسية والأمنية التي تحاصر المنطقة.
ويؤكد المصدر أن هناك ضرورة للتوصّل إلى وضع رؤية سياسية تشكّل قاعدة الارتكاز لموازنة العام 2020 ويرى أنه من غير الجائز أن تقتصر الموازنة على الأرقام من دون أن يصار ومنذ الآن إلى مقاربة مرحلة ما بعد إجراء الانتخابات في إسرائيل بصرف النظر عن الحزب أو المجموعات السياسية التي ستؤمن من سيصل إلى رئاسة الحكومة فيها.
ويعتبر أن المسألة المحورية التي لا تلقى أي خلاف بين الأحزاب والمجموعات السياسية في إسرائيل تتعلق بوجود إجماع لديها حول الدخول في مواجهة مع «حزب الله» على خلفية اختزانه لفائض من الصواريخ الدقيقة. ويقول إن لبنان اجتاز منذ أسابيع ما يمكن أن يترتب على رد الحزب على الطائرتين المسيّرتين اللتين أرسلتهما تل أبيب إلى عمق الضاحية الجنوبية لبيروت.
ويعتقد المصدر الوزاري أن لبنان ومن خلال الدور السياسي للرئيس الحريري نجح في إعادة الهدوء إلى المنطقة، وأن نجاحه جاء بفضل توظيفه لعلاقاته الدولية واستخدامها في الوقت المناسب لقطع الطريق على إسرائيل للقيام برد عسكري على رد "حزب الله".
ويرى أن الوقت قد حان لإطلاق مروحة من الحوارات السياسية سواء تمت برعاية رئيس الجمهورية أو من خلال مجلس الوزراء، ويؤكد أن هناك حاجة ماسة لها باعتبارها الممر الإلزامي لتحصين الوضع الداخلي بشبكة أمان سياسية وأمنية تُضاف إلى إصرار المجتمع الدولي على الحفاظ على استقرار لبنان، وهذا ما برز جلياً خلال حرب الطائرات المسيّرة التي دارت أخيراً بين "حزب الله" وإسرائيل.
ويؤكد المصدر الوزاري أن التوافق على إقامة شبكة أمان تحمي لبنان من الحرائق المشتعلة في المنطقة يستدعي أولاً وأخيراً أن تبقى المبادرة السياسية بيد الدولة وألا يتصرف "حزب الله" على أنه الوحيد المقرر في رسم الخطوط العريضة لسياستها. ويضيف أن المواقف الأخيرة التي صدرت عن الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله أدت إلى إسقاط ما تبقى من سياسة النأي بالنفس وشكّلت إحراجاً للبنان حيال الدول العربية الداعمة له وأولها المملكة العربية السعودية في ضوء ما صدر أخيراً عن وزير ماليّتها محمد الجدعان عن استعداد سعودي لتقديم جرعة من الدعم المالي للبنان.
ويرى المصدر الوزاري أن لا مكان في الوقت الحاضر للجوء هذا الطرف أو ذاك للتفرُّد في اتخاذ موقف لا يأخذ في الاعتبار الخصوصية التي يتمتع بها لبنان، وبالتالي يُقحمه في خيارات لا ناقة له فيها.
فهل تبادر الحكومة للالتفات إلى "محاكاة" التطورات السياسية الآخذة إلى التصعيد في المنطقة، بالتوصل إلى صياغة مقاربة سياسية موحّدة لأن تحييد مشروع الموازنة للعام المقبل عن مجريات الأحداث في المنطقة يعني أن لا فائدة من وضعها بلا رؤية سياسية تتيح للحكومة الاستعداد لمواجهة كل الاحتمالات بدلاً من أن يبقى مصير البلد خاضعاً للعبة القضاء والقدر.