تحديان يواجهان ادارات ومعلمي المدارس الرسمية الخاصة التي استأنفت الدراسة بعد انقطاع دام عشرين يوما منذ اندلاع الثورة التي شارك ويشارك فيها الطلاب بأعداد كبيرة وبزخم اكبر وينادون بمطالب تقارب قضايا تربوية واقتصادية واجتماعية :
الأول هو " كيفية التعاطي مع شخصية الطالب العائد اليها اليوم معبئاً بحماسة الثورة ووعيها بعدما تعلم في ثلاثة اسابيع ما عجزت الكتب والمناهج التربوية العقيمة طيلة عقود عن التأثير به في شخصيته ".
اما التحدي الثاني فهو ، ماذا تعد هذه المدارس من خطط وبرامج لتستطيع ان تمتص مخزون الثورة والغضب الوافد اليها من خلال طلابها وأن تحاكي وتواكب هذه الشخصية الجديدة للطالب المتحصنة بالثقة بالنفس وبالقدرة على التغيير والفاقدة للثقة بالدولة وسياساتها .
فطالب ما بعد 17 تشرين الأول بحسب العديد من التربويين يختلف عن طالب ما قبل هذا التاريخ، وبالتالي امام هذه المدارس مهمة ليست بالسهلة لتكون هي ايضا مدارس ما بعد 17 تشرين التي يجب ان تكون بدورها مختلفة عما كانت عليه قبل هذا التاريخ بالأسلوب والشكل والمضمون التعليمي .
منذ بدء الحراك كان طلاب وتلامذة المدارس والجامعات جزءاً اساسياً من التحركات الشعبية في عاصمة الجنوب صيدا ، وكانت مشاركتهم حينا فردية وحينا اخر مع العائلة او الأصدقاء ، وشيئاً فشيئاً بدأت تتحول الى حشود طلابية من العديد من المدارس الرسمية والخاصة لتتحول في الأسبوع الثالث للثورة الى اعتصامات طلابية عند تقاطع ايليا وتظاهرات حاشدة للتلامذة تجوب شوارع المدينة كما جرى خلال اليومين الأخيرين حيث الطلاب يملأون الساحات بالهتافات والشعارات والمطالب ..
ويردد كثيرون من هؤلاء الطلاب شعارات تبدأ بعدم رضاهم على المناهج التعليمية والمباني المدرسية ولا تنتهي بالمطالب الحياتية والاقتصادية والعامة التي ينادي بها الحراك وصولا الى شعار " اسقاط النظام " و" كلن يعني كلن " !.
مع الطلاب
في احدى التظاهرات الطلابية عند "ساحة ثورة 17 تشرين"- تقاطع ايليا سابقا في وسط المدينة قال الطالب مالك حسن "نحن طلاب لبنان ومستقبله الجيل الطالع وعصب هذه الثورة شاركنا بهذه الانتفاضة منذ ايامها الأولى مؤكدين على مطالبنا وحقوقنا كطلاب خاصة ومواطنين عامة وفي مقدمها:تعزيز التعليم الرسمي ودعم الجامعة اللبنانية وتحييدها وخلق فرص عمل للمتخرجين وربط الوظيفة بالكفاءة لا بالطائفة ولا بالحزب .نطالب بأقل الحقوق الانسانية وبنظام غير طائفي ونرفض المحاصصة ونطالب بدولة مدنية عصرية يتساوى فيها كل الناس على اساس مواطنيتهم ".
ويقول الطالب جواد قدورة " قبل 17 تشرين كان الشعب نائماً ، لكن الآن استفاق وتحرر من العبودية وثار من اجل ان يعيش حياة كريمة . نحن عندما ننزل الى الشارع لسنا مجرد اعداد بل عقول تعي وتطالب وتراقب وتحاسب ، ومن حقنا التعبير عن مطالبنا والتعبير يكون بالوعي والفهم العميق للأمور وبالتحرك في الشارع ".
وتعتبر ريم زهرة ان الثورة " أعطتنا املاً في اننا قادرون على ان نحدث تغييراً ، ولم يعد هاجسنا فقط ان نتعلم ونهاجر. اصبح لدينا اصرار اكثر على البقاء في هذا البلد .. اصبحت الأمور لدينا اكثر وضوحاً وصرنا على المسار الصحيح واصبحنا نطبق كتاب التربية المدنية الذي منذ ان بدأنا به في الصف السابع كنا نقول لماذا ندرس تربية بينما ما نتعلمه لا يطبق على ارض الواقع .نريد ان ننهي ما يعانيه الشعب اللبناني من الغلاء والقضايا الحياتية والصحية والاجتماعية .. صار وقت نغير " .
وتقول الطالبة رنا الحاج " نحن نزلنا لأننا نريد ان نضمن لأهلنا الرعاية الصحية والاجتماعية عندما يكبرون ، ونريد الغاء الضرائب والرسوم ووضع حد للفساد المستشري والغاء الطائفية واسترجاع الأموال المنهوبة لنعيش في لبنان بكرامة كأي مواطن في بلد متقدم ويحترم شعبه ويعطيه كل حقوقه".
وتشير التلميذة سميرة نعمة الى أنها ارادت التعبير عما تحلم به " بوطن يجعلني مواطنة فخورة به ، بوطن استطيع ان اتعلم واشتغل وان أعلم اولادي فيه ولا أضطر للهجرة لأسباب اقتصادية ومعيشية. ومن حق كل مواطن ان يعيش بكرامة وتتوافر له كل مقومات الحياة والخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وغيرهما" .
ويقول خليل خاسكية " أريد ان ابقى في بلدي وان تتأمن فيه كل حقوقي وتكون هناك مساواة بين كل المواطنين ". وتعتبر التلميذة لا نا حجازي ان " ما يطالب به التلامذة هو ما يطالب به كل مواطن من حقوق في العيش الكريم ومقومات الحياة الأساسية وتعليم وطبابة واستشفاء وضمان شيخوخة وبيئة نظيفة وامن وامان ".
ماذا تعد المدارس؟
فرضت مشاركة الطلاب في الحراك نفسها على ادارات المدارس في صيدا التي شارك مدراء بعضها ومعلمو معظمها الى جانب طلابهم في بعض التظاهرات ، وبالتوازي بدأت مدارس بتحضير نفسها لإستقبال واحتضان واستيعاب حماسة وغضبة "طلاب ثورة 17 تشرين " من خلال ورش عمل وجلسات حوارية مع الطلاب أولاً لإزالة هذا الجدار الذي ارتفع بين كانوا يتعلمونه في المدارس وبين الواقع الذي اكتشفوه ويتقدمون التظاهرات للمطالبة بتغييره ! اول على الأقل لإحداث جسر عبور آمن باتجاهين بين هذا وذاك يمهد للعودة التدريجية لإنتظام الدراسة مع الأخذ بعين الاعتبار شخصية الطالب الجديدة بعد الثورة !.
يقول مدير ثانوية الايمان كامل كزبر ان المدرسة تنظم ورش عمل لطلاب المرحلة الثانوية حول الحراك الشعبي والمطالب التي ينادي بها وانطباعات الطلاب عن مشاركتهم في التظاهرات . اردنا ان نسمع صوت طلاب ما بعد 17 تشرين وما هي افكارهم واراؤهم وما هي الثورة من وجهة نظرهم . فتم وضع خمسة محاور من قبل الطلاب هي "اسباب هذه الثورة ، ومراحلها ، ومطالبها وما تحقق منها ، وايجابياتها، وسلبياتها " ، وتوزع الطلاب على مجموعات وكل فريق منهم عمل على مناقشة احد هذه المحاور لمناقشتها مع معلمين ومعلمات ، وسينتح عن هذه الورشة توصيات ستوضع بيد المسؤولين التربويين ".
من جهته يقول مدير مدرسة الحاج بهاء الدين الحريري الدكتور اسامة أرناؤوط ان المدرسة تنظم جلسات حوارية مع طلاب الحلقة الثالثة " السابع والثامن والتاسع اساسي " حول الثورة والوضع الراهن والحالة التي نزل بسببها الناس الى الشوارع والحراك الذي نراه اليوم ومشاركة الطلاب فيه ، وتناقشنا مع الطلاب في عدة امور متصلة بهذا الموضوع ، وتحدث كل عن انطباعاته وطرحوا تساؤلات اجابوا هم عليها مثل " أي لبنان نريد .. لماذا نريد النزول والمشاركة في التظاهرات ، وقاربوا في نقاشاتهم معنا كل القضايا المطلبية الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والحياتية بكل عفوية وصراحة ووضوح ".