وجّه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة الى اللبنانيين، بمناسبة المولد النبوي الشريف جاء فيها: "لم يشهد لبنان في تاريخه مثل هذه اللوحة الوطنية ، التي رسمها شباب لبنان وشاباته على مساحة الوطن كله، من شماله إلى جنوبه، ومن ساحله إلى جبله وبقاعه ، وأسمع صوت قلبه النابض من العاصمة بيروت، باسم لبنان ، ووحدة لبنان وحريته ، وعيشه المشترك. شهد شباب لبنان وشاباته للحق ، لحق اللبناني ، كل لبناني ، بالكرامة وبالحياة الكريمة ، وأكد شباب لبنان وشاباته بصرختهم الواحدة المدوية ، على تمسكهم بقيم العدالة والمساواة ، والعيش المشترك ، والأخوة الوطنية والإنسانية ، وقيم الاعتدال والتسامح ، والحوار والتضامن الاجتماعي والإنساني والوطني ، وبكل ما يقرب بينهم ويؤاخي ، ونبذ العنف والكراهية والتسلط، وكل ما يفرق بينهم ويباعد ، والتعاون والتشارك ، لكي يبنوا معا دولة حق، ودولة قانون، يحتكم فيها إلى القانون الأسمى، إلى الدستور، ووطنا حرا عزيزا، مستقلا وسيدا. أعطانا شباب لبنان وشاباته أمثولة رائعة في الوطنية وحرية الضمير، اجتمعوا على كلمة حق واحدة ، حق الإنسان في حياة كريمة، بعدما أذلهم الفقر والظلم والقهر ومرارة العيش بحيث لم يعودوا أحرارا ولا أصحاب رأي، ولا مواطنين ترعاهم دولة حق وقانون، بحيث باتوا أتباعا وأزلاما تتقاذفهم صراعات ونزاعات، وتتحكم فيهم الطائفية والمذهبية والمناطقية، ما أفقدهم مناعتهم ووحدتهم الوطنية، وأخوتهم الإنسانية. رفع شباب لبنان وشاباته أصواتهم، وقالوا: لا للطائفية والمذهبية والمناطقية التي مزقت صفوفهم ، وقسمت فيما بينهم ، وجعلتهم عرضة للاستغلال والاستقواء والتبعية ، فكان لأصواتهم دوي أنار القلوب والعقول، واستنهض الهمم، من أجل بدء عملية الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والمالي ، وبناء الدولة. إن بناء الدولة، دولة الحق والقانون الدولة القوية والعادلة، التي تساوي بين الجميع، وتؤاخي بين الجميع، تحتاج إلى مصلحين وأصحاب اختصاص وكفاءة، وقادة متبصرين، يضعون مصلحة الناس فوق مصالحهم الخاصة ، ومصالح البلاد العليا ، والمصلحة العامة فوق طموحاتهم الشخصية ، فلتتنح السياسة عن الميدان ، لتخلي الساحات لأصحاب الكفاءة والاختصاص، الذين لا تعنيهم السياسة إلا في مقدار ما تعني أنها تدبر شؤون الناس، وتغني حياتهم، وتحافظ على كراماتهم، وتعمر بلدهم. تعب اللبنانيون من السياسة، قضت السياسة مضاجعهم، فرقتهم السياسة ومزقت صفوفهم، أفقرتهم السياسة، وهجرت أبناءهم وشردتهم".
واضاف: "آن الأوان للاستجابة لمطالب الشعب وإرادته الوطنية الحرة، العابرة للطوائف والأحزاب، والمناطق، بعدما استطاع الحراك الشعبي أن يوحد اللبنانيين على الطريق الصحيح، وأن يجمعهم في ساحة واحدة، هي ساحة الوطن، آن الأوان ليستعيد الشعب ثقته بالدولة ومؤسساتها الدستورية والإدارية، آن الأوان لاحترام مبادئ الديموقراطية وقيمها، ومعايير ممارسة الحكم الديموقراطي والبرلماني وقواعده، وفي مقدمه مبدأ الفصل بين السلطات، وتداول السلطة، والمساءلة والمحاسبة والحكم الرشيد. آن الأوان، والفرصة مؤاتية، بعد هذه اليقظة الوطنية، أن تبدأ عملية الإصلاح، وأن يتوجه أولو الأمر، إلى تشكيل حكومة إنقاذ دون تلكؤ ولا تأخير، إلى تشكيل حكومة من أصحاب الكفاءة والاختصاص، والشروع فورا في تنفيذ الورقة الإصلاحية التي أعدها الرئيس الحريري، لمعالجة مشاكل البلاد، والخروج من النفق المظلم، إلى فضاء الإصلاح المرتجى، ولتحقيق آمال اللبنانيين، ببناء دولة حق، وقانون وعدالة. ثم، وأخيرا ألا يستحق شعب لبنان الذي ارتقى بأدائه وسلوكياته، إلى أعلى مستوى من الثقافة الديموقراطية والسياسية والمواطنة، بممارسة حريته، وإدراكه لمعنى الحرية ومفهومها، وحرية التعبير السلمي والحضاري، ألا يستحق هذا الشعب الذي استعاد كرامة لبنان وبيض صفحته، أن يستجاب لنداءاته ومطالبه، واحتضانه ومعالجة معاناته ومشاكله الحياتية والمعيشية، بما يؤمن كرامته الإنسانية؟".
وختم دريان: "نعم ، شعب لبنان يستحق. ذكرى المولد النبوي الشريف، هي ذكرى الطفولة البريئة، التي ينبغي أن نصونها، وهي ذكرى يوم الفتوة والشباب ، الذين يتربون للمستقبل القريب للأسر والأوطان والدول. غير هذا اليتيم العظيم، صلوات ربي وسلامه عليه العالم، وستظل سيرته في طفولته وشبابه وكهولته ، ونبوته وهجرته ، وبنائه للأمة والدولة ؛ سيبقى ذلك قدوة لنا ، ودرسا لا ينسى في الأخلاق الفاضلة والمسؤولة ، وفي الحرص على كرامة الإنسان ، وصنع الخير والمعروف . قال الله تعالى : هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ، صدق الله العظيم".