كان يكفي أن يعلن الرئيس سعد الحريري خروجه من السباق لرئاسة الحكومة، حتى تعود الاتصالات على أعلى المستويات للخروج من المأزق الحالي. فالرئيس سعد الحريري الذي قلب الطاولة على الجميع، لم يستطع احداث أي خرق في خلال الساعات القليلة الماضية على الرغم من طلب الدعم من الرئيس نبيه بري، وعليه جاء بيان الخروج من السباق، ليعيد خلط الأوراق والسعي الى الاتفاق على شخصية جديدة.
واوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ"اللواء" ان الصورة الاوضح لمسار تكليف شخصية تشكل الحكومة الجديدة يتوقع لها ان تتبلور في ساعات الصباح الاولى او ربما قبيل انطلاق موعد الاستشارات وبالتالي لا كلام عن اسماء نهائية مرشحة لأن تجري المشاورات بوتيرة نشيطة معلنة ان القصر الجمهوري انجز كل الاستعدادات للاستشارات اليوم ولرئيس الجمهورية الحق الأوحد في اتخاذ القرار بإرجاء الاستشارات بعد تقييمه الوضع وما اذا كانت الظروف تستوجب اتخاذ قرار من هذا القبيل.
الدخان الابيض يخرج من بعبدا
اذاً خرج الدخان الابيض من قصر بعبدا ليعلن الاتفاق ما بين "تكتل لبنان القوي" و"حزب الله" و"امل" على الاستاذ في الجامعة الاميركية في بيروت الوزير السابق حسان دياب رئيسا مكلفا لتأليف الحكومة الجديدة بعد اعلان الرئيس سعد الحريري عزوفه عن المهمة في ظل حصار عليه ورفض لشرطه الاساس بحكومة تكنوقراط تكون مؤهلة للقيام بعملية انقاذ وترضي الشارع المنتفض. وفيما سربت مصادر ان الاتفاق على دياب شكل طبق غداء الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري الاحد، علمت "النهار" ان الاسم خرج من قصر بعبدا، وهو احد الاسماء التي كانت رفعت الى الرئيس ميشال عون اثناء لقائه رئيسي الجامعتين الاميركية واليسوعية فضلو خوري والاب سليم دكاش من ضمن لائحة مقترحة لرئيس ووزراء من اصحاب الكفايات ضمت 48 اسما. وفي المعلومات المقدمة عن دياب انه يشبه الرئيس سليم الحص في مسيرته، استاذ في الاميركية وله تقديره من الادارة الاميركية من دون ان يكون مستتبعا او ملحقا بسياسات معينة. يمكن ان يعطي ارتياحا لدى المجتمع الدولي واطمئنانا للشارع المطالب بوجوه من خارج الطبقة السياسية المستهلكة.
عزوف الحريري
وفي تقدير مصادر سياسية ان إعلان الرئيس الحريري عزوفه عن ان يكون مرشحاً لتشكيل الحكومة المقبلة، قلب الطاولة بوجه القوى السياسية، من دون ان يقاطع وكتلته النيابية الاستشارات الملزمة التي يجريها اليوم رئيس الجمهورية، على ان تجتمع كتلة "المستقبل" في التاسعة والنصف من صباح اليوم لتقرير الموقف من التسمية، والذي يرجح ان يكون سلبياً، بمعنى عدم تسمية أي بديل عن الرئيس الحريري، الأمر الذي سيترك للكتل النيابية الأخرى، التداول في أسماء شخصيات تكون قريبة من تيّار "المستقبل" أو غير مستفزة له.
وبحسب المعلومات، فإن الرئيس برّي كان أبلغ الحريري في غداء عين التينة، بأنه كان يُمكن تخطي مسألة ميثاقية الأصوات بدعم سليمان فرنجية ومستقلين بينهم الحزب القومي، وان كتلته النيابية ستسميه في الاستشارات وانه في الإمكان تأمين 64 صوتاً، لكنه طرح عليه في المقابل، صيغتين حكوميتين الأولى من 18 وزيراً تضم 6 سياسيين والباقي من الاختصاصيين، والثانية من 14 وزيراً تضم 4 سياسيين فقط وان تطلق يده في تسمية المستقلين أو التكنوقراط، وطلب منه التمهل في الجواب حتى ظهر امس، وهو ما حصل، ولكن بشكل سلبي.
وعن وقائع الساعات الأخيرة التي دفعت الحريري إلى العزوف عن الترشح، أكدت مصادر رفيعة مطلعة على هذه الوقائع لـ"نداء الوطن" أنّ الأمور اتخذت هذا المنحى بعدما بلغت مستويات التوتر بين قصر بعبدا وبيت الوسط أقصى درجاتها على وقع الرسائل التي حرص عون على إيصالها للحريري عشية موعد الاستشارات ومفادها أنه "لن يسمح بإعادة تكليفه برئاسة الحكومة المقبلة حتى ولو اضطر إلى عدم توقيع أي تشكيلة وزارية يرفعها إليه في حال مرّ تكليفه بأكثرية نيابية بسيطة"، فضلاً عن كون بعض "الفقهاء" اللصيقين بعون كانوا بصدد إعداد صيغ دستورية تُشرعن عملية تجيير أصوات النواب إلى رئيس الجمهورية ليتصرف بها وفق ما يرتئيه تمهيداً لتسمية غير الحريري.
وإزاء هذه المعطيات، تشير المصادر إلى أنّ الحريري حسم موقفه بالتنحي وأوصد أبوابه بوجه كل محاولات إقناعه بعدم الاعتذار التي كان يقودها رئيس مجلس النواب نبيه بري حتى أنّ وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل عاود الاتصال بالحريري عقب بيان اعتذاره في محاولة أخيرة لثنيه سرعان ما باءت بالفشل.
مفاوضات ما قبل الاتفاق
وكانت الأمور بدت كانها سلكت طريق الحل بخروج الحريري وافساحه في المجال لآخر لتكليفه تأليف حكومة جديدة، لكن الوقائع الى ما قبل منتصف الليل ظلت ترسم شكوكا في ظل احتمالات عدة كانت مطروحة بحسب "النهار": فاذا سمت كتلة "المستقبل" الدكتور نواف سلام فانه سيجبه برفض مطلق من الثنائي الشيعي الذي يعتبر سلام "مرشحا أميركياً"، أو سمت النائبة بهية الحريري فانها ستلقى رفضا باعتبار انها "واجهة لسعد الحريري" وهي لن تتنازل عن مطلبه حكومة تكنوقراط. واذا مضى "تكتل لبنان القوي" في تسمية النائب فؤاد مخزومي فانه سيجبه بالرفض الشيعي نفسه باعتباره مرشح الوزير جبران باسيل في اتفاق اجراه مع دولة قطر من دون تنسيق مسبق واطلاع كامل على مجمل الاتفاق في ظل رفض ظاهر مرده الى عدم مباركة الحريري هذا الخيار. واذا رفض الحريري تسمية أي شخصية سيعتبر غير متجاوب لتوفير الحل الانقاذي، فيما يرفض الرئيس تمام سلام حتى الساعة العودة الى السرايا لانه عاش "تجربة مريرة" مع وجوه العهد، ولا يرى ان في امكانه تقديم حلول خارقة لأزمة استثنائية وبالغة الخطورة.
وبقي خيار اخير في اتفاق مكونات 8 اذار مع "التيار الوطني الحر" على اسم مرشح لا يحظى بموافقة الحريري، أي حكومة مواجهة تذهب بالبلاد الى المجهول، وهو ما يصر "حزب الله" على تجنبه لئلا يحمّل نتيجة الفوضى والانهيار.
وبحسب "اللواء" فان المعلومات حسمت ليلاً على النحو التالي:
1- المفاجأة أن الأكثرية النيابية المؤلفة من التيار الوطني الحر وحزب الله وأمل واللقاء التشاوري (سنة 8 آذار) توافقت على المشاركة ككتل كاملة والحضور في الاستشارات وفقاً للروزنامة المقررة، على أن تسمي وزير التربية والتعليم العالي السابق حسان دياب لتكليفه رئاسة الحكومة الجديدة وتأليفها.
2- المعطيات تُشير إلى امتناع الكتل الأخرى عن التسمية.
3- وتأتي هذه التطورات، بعد أن اتصل الرئيس الحريري بالرئيس نبيه برّي، قبل إعلان بيانه انه لم يعد مرشحاً لتشكيل الحكومة المقبلة، وبعدما زاره ليلاً، المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله الحاج حسين خليل في بيت الوسط، في محاولة، لم يكتب لها النجاح، وتقضي بعدم العزوف، أو دعم المرشح الذي يمكن تسميته، حرصاً على دور الرئيس الحريري في المسار الحكومي الجديد.
بورصة الأسماء
وإذا صدقت التوقعات، فإن دياب سينال من الكتل الأربع 55 صوتاً، ويمكن ان يرتفع العدد إلى 64 صوتاً بتأييد كتلة نواب الأرمن وكتلة ضمانة الجبل ونائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي.
اما السفير نواف سلام فهو مرشّح كتلة نواب الكتائب (3 اصوات) والنائب ميشال معوض، في حين لم تعرف مواقف كتلة "اللقاء الديموقراطي" (9 نواب) وكتلة الوسط المستقل الرئيس ميقاتي (4 نواب)، والكتلة القومية (3 نواب)، مع العلم ان النائب البير منصور أعلن انه لن يُشارك في الاستشارات، مثل النائب ميشال المرّ، وكذلك النواب المستقلين: اسامة سعد، وجميل السيّد، وادي دمرجيان وفؤاد مخزومي وبولا يعقوبيان.
ما هو مصير الاستشارات؟
واذا كان رئيس الجمهورية صاحب الصلاحية في ابقاء الاستشارات أو تأجيلها، فانه لم يبدو حتى ساعة متقدمة من الليل رغبة في التأجيل بل ابقى الموعد، وسط حركة ارتباك واضحة بين الحلفاء، واتصالات مكثفة وغياب لمعظم الطبقة السياسية عن السمع في انتظار جلاء المواقف ونتائج الاتصالات قبل الصباح، ذلك انه حتى الساعة العاشرة والنصف قبل ظهر اليوم موعد البدء بالاستشارات النيابية الملزمة باجرائها وليس بنتائجها كما يسرب بعض فريق العهد، يخلق السياسيون في لبنان ما لا يعلمه المواطنون الذين يفاجأون اسبوعا بعد آخر بتأجيلات تحت عناوين وشعارات مختلفة تؤكد الحاجة الى اعادة مأسسة مجلس الوزراء كما حدد اتفاق الطائف من طريق تحديد مهل واوقات للتكليف والتأليف وغيرها من الامور المتروكة للتوقيت المفتوح.
لقاءات هيل
ويصل مساء اليوم إلى بيروت مساعد وزير الخارجية الاميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل، وتحددت لقاءاته وفقا للبرنامج التالي: عند الحادية عشرة والنصف يلتقي الرئيس عون ثم يصرّح بعد اللقاء.
وينتقل من بعبدا إلى عين التينة حيث يلتقي الرئيس برّي عند الساعة 12 ونصف ظهراً ويتحدث إلى الصحافيين بعد المحادثات، على ان تكون المحطة الثالثة في بيت الوسط، حيث يتناول الغداء إلى مأدبة الرئيس الحريري، من دون الإدلاء بأي تصريح.
بالتزامن مع هذه التطورات علمت "اللواء" ان إجراءات جديدة سيتخذها حاكم مصرف لبنان ريّاض سلامة، خلال الأيام القليلة المقبلة، من شأنها ان تساعد في التخفيف من الأوضاع المالية الصعبة.
كما كشفت مصادر ديبلوماسية غربية لـ"نداء الوطن" أنّ وزير المالية علي حسن خليل تواصل في الآونة الأخيرة مع مسؤولين في صندوق النقد الدولي وقال لهم "تفضلوا لنحكي"، موضحةً أنّ مخاطبة خليل الصندوق الدولي أتت بعد احتدام حدّة الأزمة الاقتصادية والمالية في البلاد وسط ارتفاع وتيرة الخلاف الرئاسي والسياسي على سبل الحل الحكومي، فكان لا بدّ من استشراف آفاق التعاون بين الدولة اللبنانية وصندوق النقد في إطار يرمي إلى فتح قنوات التواصل بين الجانبين لاستطلاع آراء القيمين في الصندوق وربما دعوة خبرائه إلى زيارة لبنان لتقييم الوضع وتقديم دراستهم وطروحاتهم حيال سبل تأمين أرضية "الهبوط الآمن" للاقتصاد الوطني.