إقتصاد

الأوراق النقدية.. جبهة قتال جديدة في اليمن!‏

تم النشر في 18 كانون الثاني 2020 | 00:00

فتحت الأطراف المتحاربة في اليمن يوم السبت جبهة جديدة في صراعها الدائر منذ 5 سنوات، ‏عبر معركة بين أوراق نقدية قديمة وأخرى جديدة مما ينذر بوجود اقتصادين في نفس الدولة‎.‎

وحظرت جماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء استخدام وحيازة الريال اليمني الجديد ‏الذي أصدره منافسوها في الحكومة المعترف بها دوليا والتي تتخذ من مدينة عدن الساحلية ‏الجنوبية مقرا لها على أن يبدأ سريان القرار اعتبارا من منتصف الليل‎.‎

ويقول الحوثيون المتحالفون مع إيران إنه ينبغي على اليمنيين استخدام العملة القديمة فحسب ‏ويدفعون بأن الحظر خطوة لمواجهة التضخم وإفراط الحكومة في إصدار عملات بنكنوت، على ‏حد قولهم‎.‎

أما الحكومة الشرعية فوصفت الحظر بأنه تخريب اقتصادي. وكالعادة وجد اليمنيون أنفسهم ‏ممزقين بين الجانبين‎.‎

وقال يمنيون من الجانبين لرويترز، إن الحظر تسبب فعليا في وجود عملتين بقيمتين مختلفتين ‏مما يزيد الاضطراب في بلد تحكمه قوتان ويعاني ويلات الحرب‎.‎

وفي الشهر الذي سبق الحظر، كان الناس يصطفون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين سعيا ‏لإبدال ما بحوزتهم من ريالات جديدة بعملات قديمة، مما حوّل الأوراق المهترئة البالية إلى سلعة ‏ذات قيمة ونادرة نسبيا‎.‎

وكانت قيمة العملة المحلية مستقرة عند حوالي 560 ريالا للدولار في ربوع اليمن قبل إعلان ‏الحظر في منتصف ديسمبر. وانخفضت قيمتها قليلا في المناطق الخاضعة للحوثيين وبلغت ‏حوالي 582 ريالا للدولار لكنها تراجعت أكثر بكثير ووصلت إلى 642 في الجنوب الذي يزخر ‏الآن بالعملات الجديدة‎.‎

وقد تبدو هذه القوة النسبية في صالح الشماليين فقط إذا استطاعوا الحصول على ما يكفي من ‏العملات القديمة‎.‎

وقال عبد الله صالح الدحمسي (27 عاما) لرويترز من شارع في صنعاء قبل دخول الحظر حيز ‏التنفيذ "نذهب إلى الصرافة ولا يأخذون العملات الجديدة منا، أو يقولون إنهم بحاجة إلى ثلاثة أو ‏أربعة أو خمسة أيام‎".‎

أضاف "الجديدة غير مقبولة والقديمة مهترئة، عليهم أن يجدوا حلا‎".‎

وقبل أيام من بدء الحظر، رفض مكتب صرافة تحويل أموال لنحو 20 رجلا وامرأة، وقال إنه ‏استكمل الحصة المخصصة له لليوم. وظل كثيرون يتوافدون على المكتب لثلاثة أيام أملا في ‏استبدال نقودهم‎.‎

وأصبحت التجارة بين الشمال والجنوب أكثر تكلفة بكثير، إذ يضطر التجار لشراء وبيع نوعين ‏من الريال يمكن التمييز بينهما وفقا لحالة الورق المستخدم واختلاف التصميم والحجم‎.‎

بنكان مركزيان

عبر كثيرون في صنعاء لرويترز عن اعتقادهم بأهمية هذا الحظر من أجل الحد من التضخم، ‏لكنهم قالوا إنهم يواجهون صعابا منذ بدء تطبيقه‎.‎

وقال عبد الله البشيري (28 عاما)، ويعمل بالقطاع الخاص في صنعاء: "عندما رأى الناس بدء ‏تداول العملة الجديدة تمسكوا بها لأن شكلها نظيف وبراق، لكن حيازتها حاليا تمثل لهم مشكلة‎".‎

ويمكن في المدينة استبدال 100 ألف ريال يمني (نحو 172 دولارا أميركيا) من الأوراق النقدية ‏الجديدة بعملة إلكترونية تُستخدم في سداد مدفوعات مثل تعبئة رصيد الهاتف أو دفع فواتير ‏الكهرباء مقابل رسم بسيط يبلغ حوالي 1.5 دولار‎.‎

لكن الأمور تزداد صعوبة عندما يتعلق الأمر باستخدام الورقة النقدية في أسواق المواد الغذائية. ‏وقال سكان في صنعاء إنه في السوق غير الرسمي لتغيير العملات يتم عرض استبدال 100 ألف ‏ريال يمني من الأوراق النقدية الجديدة بما يتراوح بين 90 و96 ألف ريال من الأوراق القديمة ‏التي باتت أقل توافرا‎.‎

وبعدما اقتحم الحوثيون العاصمة صنعاء في عام 2014 وأخرجوا منها حكومة الرئيس عبد ربه ‏منصور هادي، انقسم البنك المركزي اليمني في فترة لاحقة إلى فرعين أحدهما في صنعاء تحت ‏سيطرة الحوثيين والآخر معترف به دوليا في عدن حيث تجري طباعة الأوراق النقدية‎.‎

ودافعت سلطات عدن عن قرارها زيادة طباعة الأوراق النقدية الجديدة اعتبارا من عام 2017، ‏قائلة إنها محاولة للتعامل مع تفاقم الأزمة النقدية ودفع رواتب العاملين في القطاع العام‎.‎

وقال يوسف سعيد أحمد، مستشار محافظ البنك المركزي في عدن، لرويترز قبل أيام إن ‏‏"الحوثيين اتخذوا القرار ولم يحسبوا تكلفته الاقتصادية على المجتمع‎".‎

وتابع "نأمل أن تكون الإجراءات التي اتُّخذت قصيرة الأجل، ولا يمكن استدامتها فيما يتعلق ‏بالحوثيين، لأن الاقتصاد واحد وعوامل الإنتاج مشتركة والسلع تتدفق من عدن إلى صنعاء ‏والعكس. وبالتالي فإن أي إجراء سيؤثر على النشاط الاقتصادي بشكل عام ولا يمكن حصره ‏إيجابيا أو سلبيا على منطقة دون أخرى‎".‎

ودافع الحوثيون عن حظرهم قائلين إنه وسيلة للدفاع عن قيمة العملة‎.‎

وقال سامي السياغي المسؤول عن العمليات المصرفية الخارجية في البنك المركزي بصنعاء ‏‏"كان لا بد من اتخاذ هذه الإجراءات" لوقف الممارسات التي ينفذها بنك عدن المركزي من خلال ‏السياسة النقدية التي وصفها بالخطيرة‎.‎

وأوضح لرويترز أن فرض موقف عدن النقدي على البنك المركزي بصنعاء أدى إلى "تدهور ‏العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، وبالتالي فإن رأس المال يتآكل مع كل إصدار. ومع كل ‏عملية إصدار سنلاحظ حجم التدهور الذي يرافقه للريال اليمني‎".‎