عرب وعالم

بالوثائق.. تورّط شبكة عراقية بتهريب نفط إيران

تم النشر في 21 كانون الثاني 2020 | 00:00




لم يعد خافياً على أحد طرق التحايل التي تستخدمها إيران في تهريب نفطها، عبر شبكات النقل ‏السرية وبغطاء من الميليشيات المسلحة وأذرعتها في المنطقة سواء بحراً أو براً، ولكن أن تتم ‏عمليات الفساد والتهريب بطرق "مقننة" أو عبر مؤسسات الدولة العراقية، فهذا يطرح علامات ‏استفهام لا بد من التوقف عندها‎!‎

فقد حصلت "العربية.نت" على مستندات مسربة، أعدها نائب في البرلمان العراقي، تظهر مآخذ ‏على شركة تسويق النفط العراقية الحكومية "سومو"، والتي تعتبر المشرف الأساسي على عمليات ‏تصدير النفط العراقي وتسويقه، فتحت الباب على مصرعيه لتساؤلات حول عمليات فساد وهدر‎.‎

تبيّن هذه الوثائق أن شركة "سومو" قد تعاملت مع مصارف أهلية عراقية بخصوص خطابات ‏الضمانات لتنفيذ عدد من العقود، وهي عبارة عن اعتمادات يفتحها المركزي العراقي في هذه ‏البنوك، لاستيراد المشتقات النفطية لسد الاحتياجات المحلية من (زيت الغاز والبنزين، ومازوت، ‏والنفط الأبيض، والغاز السائل)، ما يتوجب تأمين العملة الصعبة "الدولار‎".‎



ولكن المفاجأة تكمن، وبحسب ما رصدته "العربية.نت"، في أن مجالس إدارات هذه البنوك تعود ‏لرجال أعمال إيرانيين، أو مملوكة من قبل أفراد لهم ارتباطات مع إيران، ما يعني أن طهران قد ‏استفادت من تلك العقود ضاربة بالعقوبات الأميركية عرض الحائط، عبر تصدير مشتقاتها ‏النفطية إلى العراق بسعر مدعوم من البنك المركزي العراقي، والحصول على الدولار، وتحقيق ‏أرباح من فرق العملة، بما يسمى "مزاد العملة"، وتمويل المصارف الأهلية لأعمالها بأموال البنك ‏المركزي‎.‎

‎"‎العربية.نت" حاولت الاتصال بشركة "سومو" للوقوف عند رأيها، أكثر من مرة، وقد أرسلنا ‏التوضيحات المطلوبة على البريد الإلكتروني إلى رئيس العلاقات العامة بالشركة، حيدر الكعبي، ‏وقد رفعها على حد قوله للمدير العام علاء الياسري، ووعدنا بالحصول على أجوبة، غير أن ‏الرد لم يأتِ بعد بحجة التطورات الأمنية في العراق. (وهنا لا بد من الإشارة إلى أن حق الشركة ‏في الرد محفوظة‎).‎

وبحسب الأرقام، فإن مجموع مبالغ المنتجات النفطية المستوردة من إيران للأعوام من 2010 ‏ولغاية 31/ 1/ 2017، قد تجاوزت الـ21 مليار دولار، كما هو مبيّن في الجدول أدناه‎.‎



وما الأرقام التي نشرتها شركة "فاكتس غلوبال إنرجي‎" (FGE)‎، مؤخراً إلا دليل على ذلك، حيث ‏بينّت قفزة كبيرة في صادرات المازوت الإيراني إلى جيرانها مثل العراق وأفغانستان وباكستان ‏وإلى سوريا، في تحدٍ للعقوبات الأميركية. إذ ارتفعت صادرات المازوت إلى حوالي 95 ألف ‏برميل يوميا في الربع الأخير من 2019، وهو ما يزيد بأكثر من 80% عن الربع الثالث وأعلى ‏حوالي 4 مرات مقارنة مع الربع الأول‎.‎

بنوك عراقية وارتباطات إيرانية "مبطنة‎"‎

أمّا المصارف الأهلية العراقية، التي نستعرضها أدناه، فلكل منها قصة، حيث تظهر جلياً ‏الارتباطات الإيرانية العراقية‎:‎

‎1- ‎مصرف التعاون الإقليمي‎:‎

وهو مصرف باستثمار إيراني وعراقي، وذلك بتصريح رسمي من البنك المركزي العراقي أكد ‏فيه أن ملكية المصرف تعود لرجال أعمال عراقيين وإيرانيين‎.‎

‎2- ‎المصرف المتحد للاستثمار‎:‎

صاحبه فاضل الدباس المتهم بقضايا فساد، مع رجل الأعمال العراقي خميس الخنجر الذي ‏فُرضت عليه عقوبات أميركية مؤخراً، إضافة إلى 3 قادة من الميليشيات العراقية المرتبطة ‏بإيران، في 6 ديسمبر 2019‏‎.‎

وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه في نوفمبر 2018، قرر البنك المركزي العراقي وضع المصرف ‏المتحد للاستثمار تحت الوصاية. بل أكثر من ذلك، حيث قام المدعي العام الأردني بإصدار ‏مذكرة للإنتربول لملاحقة " الدباس"، في 28 أيار 2018، وقد هرب الأخير لجهة مجهولة‎.‎



حسن ناصر جعفر.. بلبلة وشبكة مترابطة

وهنا يبرز اسم "حسن ناصر جعفر اللامي" (أبو رامي)، بحسب ما كشف الباحث العراقي ‏والخبير الاقتصادي د.صادق الركابي للعربية.نت، حيث يملك حصة تصل إلى 40% من ‏مصرف المتحد للاستثمار الذي يفتح اعتمادات لسومو‎.‎

ما يفتح الأعين أيضاً، على البنكين اللذين يملكهما حسن ناصر جعفر، وهما: بنك نور العراق ‏الإسلامي وبنك عبر العراق، إلى جانب شركة سما بغداد للصيرفة‎.‎

مع الإشارة هنا إلى أن شركة بغداد للصرافة، والتي تعود ملكيتها لأبو رامي، قد أغلقتها السلطات ‏الأردنية بالشمع الأحمر في 2016‏‎.‎



‎3- ‎مصرف إيلاف الإسلامي‎:‎

تعامل سابقاً مع بنك تنمية الصادرات الإيراني وتعرض لعقوبات أميركية في 2012 ثم رفعت ‏عنه في 2013، في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، حيث عرفت تلك المرحلة ‏بمرحلة المفاوضات "والليونة" من قبل أوباما التي سبقت توقيع الاتفاق النووي الإيراني‎.‎

‎4- ‎مصرف البلاد الإسلامي‎:‎

مدير مجلس إدارته آراس حبيب الفيلي، فرضت عقوبات عليه من قبل واشنطن لاتهامه بتمويل ‏الحرس الثوري الإيراني، وتسهيل استغلال فيلق القدس للقطاع المصرفي العراقي لنقل الأموال ‏من طهران إلى حزب الله‎.‎

‎5- ‎مصرف الاتحاد العراقي‎:‎

مالكه الأخوان عقيل وعلي مفتن المقربان لنوري المالكي، وقد تعرض مصرفهما في 2016 ‏لحجز 200 مليون دولار، من قبل الفيدرالي الأميركي، كجزء من تحويلة بقيمة 6 مليارات ‏دولار لصاحب بنك الهدى حمد الموسوي المقرب من نوري المالكي‎.‎

مع الإشارة، إلا أنهما يملكان علاقات وثيقة مع المالكي من خلال علي العلاق، محافظ المركزي ‏العراقي، المسؤول الوحيد عن شراء العملة‎.‎

‎"‎المركزي العراقي" تحت المراقبة

أمام هذه المعطيات، يبدو أن الإدارة الأميركية لم تحكم قبضتها بشكل تام بعد على الشبكات المالية ‏ووكلاء إيران في العراق‎.‎

وهو ما لمح له نائب الرئيس لشؤون الأبحاث في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات‎" (FDD) ‎د. ‏جوناثان شانزر وهو عمل سابقا في وزارة الخزانة الأميركية، في حديث خاص مع ‏‏"العربية.نت"، حيث كشف أن الإدارة الأميركية قد وضعت بالفعل المركزي العراقي تحت ‏المراقبة وتخضع عملياته لبعض من التدقيق، وسط تقارير تتحدث عن تورط المركزي في ‏تهريب الدولارات نقدا إلى إيران‎.‎

لكنه يستبعد في المقابل كلياً، أن تلجأ الخزانة الأميركية إلى فرض عقوبات على "المركزي ‏العراقي"، واصفا هذه الخطوة "بالخيار النووي" الذي سيقضي على الاقتصاد العراقي بالكامل‎.‎

عقوبات مرتقبة على مؤسسات مالية

والسيناريو المحتمل برأيه، هو فرض عقوبات جديدة على الأفراد أو الشركات التي تعمل لصالح ‏إيران أو نيابةً عنها، مستذكراً العقوبات التي شملت المؤسسات المالية الأصغر في خطوة تحذيرية ‏من الأميركيين في المؤسسات الأخرى المتورطة‎.‎

لا ينكر‎ Dr. Jonathan Schanzer، أن العقوبات على الوكلاء الإيرانيين في العراق قد ‏تأخرت، قائلاً بنبرة صارمة: "إذا كانت الولايات المتحدة تسعى حقًا إلى إضعاف قبضة إيران ‏على بغداد، فعليها شل الشبكات المالية التي تمكنها من تمويل عملياتها في المنطقة‎".‎

غرامات مالية وتلاعب بالكميات

المآخذ على شركة "سومو" لم تتوقف عند هذا الحد، فقد أظهرت المستندات فرض غرامات مالية ‏على الشركة بسبب التأخير الحاصل في تفريغ الناقلات النفطية، كما التأخير الحاصل في ‏التحميل، فضلاً عن غرامات تتعلق بعقود الخدمة للنفط الخام‎.‎

ونظراً لعدم وجود نظام رقابي شامل يظهر الفرق بين كميات النفط المستخرج والمنتج والمصدر ‏والمستخدم للاستهلاك المحلي، فقد كان من السهولة بمكان التلاعب ببرامج تحميل الناقلات ‏النفطية، وفق د.الركابي، خصوصاً، في ظل النقص الكبير في عدادات قياس النفط المجهز‎.‎



ويشير الركابي إلى أن إحدى الشركات الأجنبيّة التي كانت تعمل في العراق سابقاً أكّدت وجود ‏فروق كبيرة عند نقل النفط الخام إلى الناقلات تصل إلى 50%، وهو ما دفعها للانسحاب من ‏العراق، وأحيانا تصل حمولة الناقلة إلى ضعفي حجمها المسجل، نظراً لتهريب النفط الإيراني ‏معها‎.‎

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن شركة "إيني"، كانت قد رفضت في 20 يونيو الماضي شحنة من ‏الخام الإيراني رست في أحد الموانئ تحت غطاء أنها من شحنات نفط عراقية، وذلك في محاولة ‏للتهرب من العقوبات الأميركية‎.‎