لم يعد خافياً على أحد طرق التحايل التي تستخدمها إيران في تهريب نفطها، عبر شبكات النقل السرية وبغطاء من الميليشيات المسلحة وأذرعتها في المنطقة سواء بحراً أو براً، ولكن أن تتم عمليات الفساد والتهريب بطرق "مقننة" أو عبر مؤسسات الدولة العراقية، فهذا يطرح علامات استفهام لا بد من التوقف عندها!
فقد حصلت "العربية.نت" على مستندات مسربة، أعدها نائب في البرلمان العراقي، تظهر مآخذ على شركة تسويق النفط العراقية الحكومية "سومو"، والتي تعتبر المشرف الأساسي على عمليات تصدير النفط العراقي وتسويقه، فتحت الباب على مصرعيه لتساؤلات حول عمليات فساد وهدر.
تبيّن هذه الوثائق أن شركة "سومو" قد تعاملت مع مصارف أهلية عراقية بخصوص خطابات الضمانات لتنفيذ عدد من العقود، وهي عبارة عن اعتمادات يفتحها المركزي العراقي في هذه البنوك، لاستيراد المشتقات النفطية لسد الاحتياجات المحلية من (زيت الغاز والبنزين، ومازوت، والنفط الأبيض، والغاز السائل)، ما يتوجب تأمين العملة الصعبة "الدولار".
ولكن المفاجأة تكمن، وبحسب ما رصدته "العربية.نت"، في أن مجالس إدارات هذه البنوك تعود لرجال أعمال إيرانيين، أو مملوكة من قبل أفراد لهم ارتباطات مع إيران، ما يعني أن طهران قد استفادت من تلك العقود ضاربة بالعقوبات الأميركية عرض الحائط، عبر تصدير مشتقاتها النفطية إلى العراق بسعر مدعوم من البنك المركزي العراقي، والحصول على الدولار، وتحقيق أرباح من فرق العملة، بما يسمى "مزاد العملة"، وتمويل المصارف الأهلية لأعمالها بأموال البنك المركزي.
"العربية.نت" حاولت الاتصال بشركة "سومو" للوقوف عند رأيها، أكثر من مرة، وقد أرسلنا التوضيحات المطلوبة على البريد الإلكتروني إلى رئيس العلاقات العامة بالشركة، حيدر الكعبي، وقد رفعها على حد قوله للمدير العام علاء الياسري، ووعدنا بالحصول على أجوبة، غير أن الرد لم يأتِ بعد بحجة التطورات الأمنية في العراق. (وهنا لا بد من الإشارة إلى أن حق الشركة في الرد محفوظة).
وبحسب الأرقام، فإن مجموع مبالغ المنتجات النفطية المستوردة من إيران للأعوام من 2010 ولغاية 31/ 1/ 2017، قد تجاوزت الـ21 مليار دولار، كما هو مبيّن في الجدول أدناه.
وما الأرقام التي نشرتها شركة "فاكتس غلوبال إنرجي" (FGE)، مؤخراً إلا دليل على ذلك، حيث بينّت قفزة كبيرة في صادرات المازوت الإيراني إلى جيرانها مثل العراق وأفغانستان وباكستان وإلى سوريا، في تحدٍ للعقوبات الأميركية. إذ ارتفعت صادرات المازوت إلى حوالي 95 ألف برميل يوميا في الربع الأخير من 2019، وهو ما يزيد بأكثر من 80% عن الربع الثالث وأعلى حوالي 4 مرات مقارنة مع الربع الأول.
بنوك عراقية وارتباطات إيرانية "مبطنة"
أمّا المصارف الأهلية العراقية، التي نستعرضها أدناه، فلكل منها قصة، حيث تظهر جلياً الارتباطات الإيرانية العراقية:
1- مصرف التعاون الإقليمي:
وهو مصرف باستثمار إيراني وعراقي، وذلك بتصريح رسمي من البنك المركزي العراقي أكد فيه أن ملكية المصرف تعود لرجال أعمال عراقيين وإيرانيين.
2- المصرف المتحد للاستثمار:
صاحبه فاضل الدباس المتهم بقضايا فساد، مع رجل الأعمال العراقي خميس الخنجر الذي فُرضت عليه عقوبات أميركية مؤخراً، إضافة إلى 3 قادة من الميليشيات العراقية المرتبطة بإيران، في 6 ديسمبر 2019.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه في نوفمبر 2018، قرر البنك المركزي العراقي وضع المصرف المتحد للاستثمار تحت الوصاية. بل أكثر من ذلك، حيث قام المدعي العام الأردني بإصدار مذكرة للإنتربول لملاحقة " الدباس"، في 28 أيار 2018، وقد هرب الأخير لجهة مجهولة.
حسن ناصر جعفر.. بلبلة وشبكة مترابطة
وهنا يبرز اسم "حسن ناصر جعفر اللامي" (أبو رامي)، بحسب ما كشف الباحث العراقي والخبير الاقتصادي د.صادق الركابي للعربية.نت، حيث يملك حصة تصل إلى 40% من مصرف المتحد للاستثمار الذي يفتح اعتمادات لسومو.
ما يفتح الأعين أيضاً، على البنكين اللذين يملكهما حسن ناصر جعفر، وهما: بنك نور العراق الإسلامي وبنك عبر العراق، إلى جانب شركة سما بغداد للصيرفة.
مع الإشارة هنا إلى أن شركة بغداد للصرافة، والتي تعود ملكيتها لأبو رامي، قد أغلقتها السلطات الأردنية بالشمع الأحمر في 2016.
3- مصرف إيلاف الإسلامي:
تعامل سابقاً مع بنك تنمية الصادرات الإيراني وتعرض لعقوبات أميركية في 2012 ثم رفعت عنه في 2013، في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، حيث عرفت تلك المرحلة بمرحلة المفاوضات "والليونة" من قبل أوباما التي سبقت توقيع الاتفاق النووي الإيراني.
4- مصرف البلاد الإسلامي:
مدير مجلس إدارته آراس حبيب الفيلي، فرضت عقوبات عليه من قبل واشنطن لاتهامه بتمويل الحرس الثوري الإيراني، وتسهيل استغلال فيلق القدس للقطاع المصرفي العراقي لنقل الأموال من طهران إلى حزب الله.
5- مصرف الاتحاد العراقي:
مالكه الأخوان عقيل وعلي مفتن المقربان لنوري المالكي، وقد تعرض مصرفهما في 2016 لحجز 200 مليون دولار، من قبل الفيدرالي الأميركي، كجزء من تحويلة بقيمة 6 مليارات دولار لصاحب بنك الهدى حمد الموسوي المقرب من نوري المالكي.
مع الإشارة، إلا أنهما يملكان علاقات وثيقة مع المالكي من خلال علي العلاق، محافظ المركزي العراقي، المسؤول الوحيد عن شراء العملة.
"المركزي العراقي" تحت المراقبة
أمام هذه المعطيات، يبدو أن الإدارة الأميركية لم تحكم قبضتها بشكل تام بعد على الشبكات المالية ووكلاء إيران في العراق.
وهو ما لمح له نائب الرئيس لشؤون الأبحاث في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" (FDD) د. جوناثان شانزر وهو عمل سابقا في وزارة الخزانة الأميركية، في حديث خاص مع "العربية.نت"، حيث كشف أن الإدارة الأميركية قد وضعت بالفعل المركزي العراقي تحت المراقبة وتخضع عملياته لبعض من التدقيق، وسط تقارير تتحدث عن تورط المركزي في تهريب الدولارات نقدا إلى إيران.
لكنه يستبعد في المقابل كلياً، أن تلجأ الخزانة الأميركية إلى فرض عقوبات على "المركزي العراقي"، واصفا هذه الخطوة "بالخيار النووي" الذي سيقضي على الاقتصاد العراقي بالكامل.
عقوبات مرتقبة على مؤسسات مالية
والسيناريو المحتمل برأيه، هو فرض عقوبات جديدة على الأفراد أو الشركات التي تعمل لصالح إيران أو نيابةً عنها، مستذكراً العقوبات التي شملت المؤسسات المالية الأصغر في خطوة تحذيرية من الأميركيين في المؤسسات الأخرى المتورطة.
لا ينكر Dr. Jonathan Schanzer، أن العقوبات على الوكلاء الإيرانيين في العراق قد تأخرت، قائلاً بنبرة صارمة: "إذا كانت الولايات المتحدة تسعى حقًا إلى إضعاف قبضة إيران على بغداد، فعليها شل الشبكات المالية التي تمكنها من تمويل عملياتها في المنطقة".
غرامات مالية وتلاعب بالكميات
المآخذ على شركة "سومو" لم تتوقف عند هذا الحد، فقد أظهرت المستندات فرض غرامات مالية على الشركة بسبب التأخير الحاصل في تفريغ الناقلات النفطية، كما التأخير الحاصل في التحميل، فضلاً عن غرامات تتعلق بعقود الخدمة للنفط الخام.
ونظراً لعدم وجود نظام رقابي شامل يظهر الفرق بين كميات النفط المستخرج والمنتج والمصدر والمستخدم للاستهلاك المحلي، فقد كان من السهولة بمكان التلاعب ببرامج تحميل الناقلات النفطية، وفق د.الركابي، خصوصاً، في ظل النقص الكبير في عدادات قياس النفط المجهز.
ويشير الركابي إلى أن إحدى الشركات الأجنبيّة التي كانت تعمل في العراق سابقاً أكّدت وجود فروق كبيرة عند نقل النفط الخام إلى الناقلات تصل إلى 50%، وهو ما دفعها للانسحاب من العراق، وأحيانا تصل حمولة الناقلة إلى ضعفي حجمها المسجل، نظراً لتهريب النفط الإيراني معها.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن شركة "إيني"، كانت قد رفضت في 20 يونيو الماضي شحنة من الخام الإيراني رست في أحد الموانئ تحت غطاء أنها من شحنات نفط عراقية، وذلك في محاولة للتهرب من العقوبات الأميركية.