*زياد سامي عيتاني
عادت الكوفية الفلسطينية بدلالاتها المتضامنة مع حق الشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة فجأة إلى البروز بشكل لافت وملحوظ بعد الإعلان عما سمي بصفقة القرن(!) كحالة تعبيرية عن رفض الفلسطينيين والشعوب العربية لتلك الصفقة المذلة، التي أجمعوا على أنها لا تعدو كونها تصفية نهائية للقضية الفلسطينية، فبدا المشهد وكأن العالم كله تذكر هذه الكوفية، ونبشها من ذاكرة سحيقة، وخلال أيام صارت الرمز الأول والأشهر للتضامن مع الشعب الفلسطينية وحقه في العودة وقضيته العادلة، فتمكنت الكوفية الفلسطينية في توحيد الشعوب العربية التي طالما قسمتهم الخلافات السياسية!!!
وللفلسطينيين حكاية طويلة مع ما تنطوي عليه الكوفية من مدلول نضالي مقاوم طويل لهم منذ بداية تصديهم للإنتداب الإنكليزي، لتترسخ مع إنطلاقة مقاومتهم المسلحة ضد الكيان الصهيوني الغاصب لأرضهم.
سوف نعرض هذه الحكاية، مقرونة بأصل وتاريخ الكوفية، وكيفية تحولها إلى رمزيتها الثورية، من خلال هذا البحث المؤلف من جزئين.
•الكوفية للدلالة على الشهامة:
العقال والكوفية، لباسان للرأس، يمثلان الكمال بالنسبة للرجال في الخليج العربي وعدد من بلدان المشرق وشمال أفريقيا. فهما يرمزان إلى الأصالة والإنتماء العربي، فضلاً عن الرجولة والشهامة والقيم القديمة المستمرة في الحياة المعاصرة. وهذا ما جعل المطربة الكبيرة سميرة توفيق أن تحاكيهما بأغنيتها الشهيرة: "يا بو عقال وكفية، والسمرة العربية"...
لكن الكوفية ما لبثت منذ مطلع ستينات القرن الماضي أن تحولت إلى رمز نضالي بالغ الدلالة والتعبير في مواجهة المقاومة الوطنية الفلسطينية للغزاة الصهاينة المغتصبين لأرض فلسطين المحتلة، حصوصاً بعدما إعتمرها القائد الرمز أبوعمار منذ إنخراطه في العمل الفدائي حتى آخر يوم من حياته، حتى أن أغنية محمد عساف: "علّي الكوفية علّي ولولح بيها، وغنّي عتابا وميجانا وسامر فيها، وهزّ الكتف بحنيّة جفرا عتابا ودحيّة، وخلي البارود يهلّل ويحلّيها" أضحت من أكثر أناشيد الثورة الفلسطينية حماسة في مختلف الأوساط، لا سيما الشبابية منها المناصرة للقضية الفلسطينية...
ومع مرور الزمن أصبحت الكوفية الفلسطينية منتشرة في مشارق الأرض ومغاربها وصارت جزءاً من التراث الفلسطيني الأصيل الذي يدل على كفاحهم ونضالهم في مقاومته ضد الانتداب البريطاني سابقاً والإحتلال الإسرائيلي الغاشم لاحقاً وحاضراً لنيل حريته وإستقراره واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف...
•تسميات متعددةللكوفية:
الكوفية هي عبارة عن قطعة قماشية تُصنع من القطن أو الكتان، ومزخرفة بألوان عديدة أشهرها اللون الأحمر والأبيض، والأسود والأبيض.
وللكوفية تسميات عدة، فتُعرف أيضاً بـ"الغترة"، و"الشماغ"، و"الحطة"، و"المشدة".
إن إسم "الغترة" جاء من التغتير وهو البياض الذي يشوبه الصفار أو السواد، أو القطن .
أما تسمية" الشماغ" في بعض البلدان العربية فهو من أصل منقول عن اللغة التركية "ياشمق يشمق" بمعنى لثام أو نقاب، في حين أن بعض المراجع تعتبر الكلمة أصلها سومري "إيش ماخ" وتعني غطاء الرأس.
•أصل الكوفية:
الكوفية هي عراقية الأصل والمنشأ، وتعود بداية صناعتها إلى مدينة الكوفة تحديداً التي إزدهرت فيها صناعة الأسلحة والنسيج، ومنها الكوفية كبديل للعمائم التي لاقت رواجاً وإقبالاً شديدين لبساطتها وعدم إحتوائها على أي زخارف ونقشات، إلى أن ظهرت الكوفية الموشاة بخيوط ذهبية في عهد الخلفاء العباسيين.
وقيل أيضا: إن إسمها جاء من التكوف أي الإستدارة حيث تستدير على الرأس فتغطيه كله.
ومن المفيد في هذا المجال أن نذكر أنه لا تُعرف بالضبط متى ظهر لبس الكوفية في الكوفة، لكن هناك نص تاريخي يشير إليها يرجع إلى عام 355 هـ.
•رحالة سويسري يصف الكوفية:
وقد تحدث الرحالة السويسري الذي تجول في بوادي العرب جون لويس بوركهارت(توفي في 15 اكتوبر 1817م في القاهرة) في كتابه عن الكفية او الكوفية، قائلاً: "ويرتدي جميع البدو فوق رؤوسهم بدلاً من الطربوش التركي منديلاً مربعاً من القطن أو القطن المخلوط بالحرير ويسمونه كفية، وهم يلفونها على الرأس بحيث ينسدل الطرف الخلفي على الظهر وينسدل طرفان آخران على الجانبين الأماميين للكتفين بما يسمح بحماية وجوههم من أشعة الشمس أو الرياح الساخنة أو الأمطار، وكذلك لإخفاء ملامحهم إذا رغبوا في ألا تعرف هويتهم. وهي عادة ذات لون أصفر أو أصفر مخلوط بالرمادي"...
-يتبع: الكوفية رمز الثورة الفلسطينية.
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.