كتبت صحيفة "الجمهورية": إنّ لجوء لبنان الى طلب دعم تقني من صندوق النقد الدولي والتلطّي خلف الصندوق لاتخاذ قرار حول مصير استحقاق آذار المقبل، لن يجدي نفعاً ولن يُحدث نتائج ملموسة. فأيّ إجراء تتخذه الحكومة من اليوم وصاعداً، مهما كان إصلاحياً ومن دون تمويل خارجي سيفشل في إنقاذ الاقتصاد من الانهيار الاقتصادي والمالي.
رغم انّ الحكومة طلبت مساعدة فنية من صندوق النقد الدولي وتتوقع وصول وفد من الصندوق هذا الاسبوع الى لبنان، إلّا أنها لم تُظهر لغاية اليوم أيّ اهتمام بوجود برنامج إنقاذ من صندوق النقد الدولي يضمن حصول لبنان على دعم مالي كبير يحتاجه يقدّر بين 25 و30 مليار دولار من الاحتياجات التمويلية الخارجية في الفترة الممتدة من 2020 الى 2024، في ظلّ تراكم العجوزات المالية والفترة الطويلة المتوقعة قبل تَمكّن البلاد من العودة بشكل كامل إلى الأسواق العالمية بمعدلات مُستدامة.
وبالتالي، فإنّ التعويل على أموال «سيدر» التي تم التعهّد بها والبالغة قيمتها 11 مليار دولار، رغم انه مبلغ كبير، لن يكون كافياً لتمويل العجز المزدوج وزيادة احتياطات العملات الأجنبية.
وعلى الرغم من اعتبار عدد من الأحزاب السياسية وشريحة كبيرة من المجتمع اللبناني أنّ برنامج صندوق النقد الدولي سيفرض إجراءات قاسية وموجعة للغاية وقد يسعى إلى تحقيق المصالح الأميركية في مضمون اتفاقيات شروط الصندوق، إلّا انّ لبنان لم يعد يملك اليوم خيارات اخرى، بعد أن تخلّى معظم أصدقائه عنه وفترت علاقاته مع دول الخليج.
وبالتالي، لا يجوز التوهّم بأنّ إجراءات الخروج من الأزمة الحالية ستكون سهلة أو عادلة لبلد أفلسَ نتيجة سوء الإدارة الاقتصادية والفساد المتجذّر، لذلك يجب الاستعداد لخوض مرحلة إنقاذ طويلة والتكيّف مع الاجراءات المؤلمة، لأنّ حجم الاموال المطلوبة لاستعادة الاستقرار المالي الاقتصادي في لبنان، بالتوازي مع برنامج إصلاح شامل، لا يمكن تأمينه سوى عبر صندوق النقد الدولي.
ووفقاً لتجارب الدول الاخرى التي حصلت على دعم مالي من صندوق النقد كمصر، التي حصلت على أكثر من 4 أضعاف حصتها والأرجنتين (أكثر من 11 ضعف حصتها)، فإنّ التوقعات تشير الى انّ لبنان قد يحصل من صندوق النقد على ما بين 5 إلى 10 أضعاف حصته البالغة حوالى 880 مليون دولار، أي ما بين 5 و8 مليارات دولار، يمكن اضافة حوالى 3 مليارات دولار قد يحصل عليها لبنان من مانحين آخرين، بالاضافة الى ضمانة الحصول في ظلّ برنامج صندوق النقد الدولي، على أموال «سيدر».
السعيدي
في هذا الاطار، أكد الوزير السابق ناصر السعيدي انّ المشورة الفنية والتقنية التي يقدمها صندوق النقد الدولي هي إجراء ضروري ومهمّ لطلب دعم مالي لاحقاً، «وهي الخطوة الاولى نحو طلب الدعم المالي». موضحاً لـ«الجمهورية» انّ صندوق النقد الدولي سبق وكَوّن نظرة شاملة حول الاقتصاد اللبناني والقطاع المصرفي، ولديه نظرة مستقبلية وتوقعات مالية ونقدية واقتصادية ومصرفية للفترة القادمة، وبالتالي سيناقش مع الحكومة اللبنانية كافة تلك المعلومات ليكون طلب لبنان للدعم المالي لاحقاً، مبنيّاً على الدراسات التي قام بها صندوق النقد الدولي.
وشدّد السعيدي على أنّ الحكومة لا تملك خيارات أخرى سوى طلب دعم مالي من صندوق النقد الدولي، ولا مفرّ من برنامج إنقاذ دولي «لسبب بسيط متمثّل بحاجة لبنان الى تمويل خارجي».
أضاف: رغم انّ معظم الدين العام هو محليّ، إلّا انّ لبنان يحتاج الى تمويل خارجي بالنسبة لميزان المدفوعات وغيرها من الحاجات الاستثمارية خصوصاً في البنية التحتية، ولتأمين شبكة أمان اجتماعي في السنوات المقبلة.
وردّاً على سؤال، أشار الى انّ الفترة المتوقعة لبدء تطبيق برنامج الانقاذ والحصول على الدعم المالي، تعتمد على سرعة الحكومة في تحديد حاجاتها وأهدافها ضمن برنامج ماكرو - اقتصادي متكامل يتضمن خطة مالية، نقدية ومصرفية وخطة للاقتصاد الكلي، مع تحديد الاولويات والاصلاحات التي سيتعهد لبنان القيام بها.
وفي حال بلغت قيمة الدعم المالي الذي سيقدمه صندوق النقد الدولي بناء على برنامج لبنان الاصلاحي حوالى 8 مليارات دولار، أكد السعيدي انّ هذا المبلغ لن يكون كافياً لإعادة إحياء الاقتصاد وتمويل عجز ميزان المدفوعات «فنحن بحاجة الى ما لا يقلّ عن 20 مليار دولار، وبالتالي لا بد من الحصول على دعم إضافي من الدول التي شاركت في «سيدر» من خلال الدعوة لمؤتمر باريس 5».
وختم: على السياسيين التحلّي بالشجاعة لمصارحة الشعب اللبناني بالخيارات والقرارات الصعبة والقاسية المطلوب اتّخاذها بسرعة قصوى، لأنّ كل يوم تأخير إضافي يؤدي الى تصعيب إجراءات الانقاذ أكثر.