5 تموز 2020 | 13:34

فن

"الملكة" رجاء الجدراوي.. رحيل في عز مسيرة نجاحات باهرة!




زياد سامي عيتاني*

طريق النجمة الراحلة رجاء الجداوي في الفن والحياة لم يكن معبّداً بالورود، بل كان الوضع شائكاً بسبب مرور عائلتها بظروف صعبة بعد مصادرة أموالها وأراضيها الزراعية، حيث أنها إضطرت بسبب ظروفها الصعبة ومرورها بأزمات مادية رهيبة للعمل في "جراج" ( مكان مُخصّص لوقوف السَّيّارات) في بداية حياتها، وكان أجرها 7 جنيهات فقط. ووقتها لم تخجل من أن تكسب من عرق جبينها، بل على العكس فإن ذلك قوى شخصيتها ونمى قدراتها على مواجهة الحياة.

فالراحلة تعدّ صاحبة تاريخ فني طويل جداً، بدأته من عروض الأزياء، ثم دخلت الفن عن طريق المصادفة البحتة، لتصبح واحدة من أهم الممثلات اللاتي شاركن بأعمال فنية ضخمة في السينما والمسرح والتلفزيون.

مع الإشارة إلى أن الراحلة من عائلة فنية، حيث أن خالتها هي الفنانة والراقصة الشهيرة تحية كاريوكا، إلا أن الأخيرة رفضت دخولها مجال الفن، وحينما أصرت "رجاء"، قاطعتها خالتها لمدة 6 سنوات.

يذكر أن رجاء بعد أن تلقت تعليمها في مدارس "الفرانسيسكان" بالقاهرة، عملت في الفترة الأولى من حياتها، قبل دخولها عالم الفن، في مجال الترجمة بإحدى الشركات الإعلانية...

•ملكة جمال بالصدفة:

في مطلع شبابها، كانت الراحلة رجاء نحيفة جداً، وفيما ذهبت في يوم من الأيام مع أمها إلى حديقة "الأندلس"، وجدت مجموعة من الأشخاص يحضرون لشيء ما، فألبسوها وشاحاً، لتجدت نفسها فجأة، ودون علمها،  تشارك في مسابقة ملكة جمال القطر المصري!

هذه المسابقة غيرت مجرى حياتها، فقد نجحت في الإختبار حيث فازت على لقب ملكة جمال القطر المصري، في 1958، ومن هنان عرفت طريقها إلى الفن. إذ أخبروها أنها ستسافر إلى فرنسا للمشاركة في مسابقة الجمال، وكان من بين الموجودين في ذلك اليوم المخرج هنري بركات الذي رشحني للمشاركة في فيلم "دعاء الكروان"...

•الظهور السينمائي الأول:

الظهور السينمائي الأول لها كان في فيلم "دعاء الكروان"، الذي عرض عام 1959، حيث قدمت دور "خديجة"، ابنة المأمور التي يخطبها المهندس أحمد مظهر ثم تقرر والدتها ووالدها فسخ خطبتها منه بعد أن يعرفوا حقيقته، وخلال الفيلم تم الإستعانة بمدرب لغة عربية لتدريب "رجاء" على الإلقاء بالعربية بدلا من الإيطالية والفرنسية، حيث كانت لا تجيد التحدث بها في ذلك الوقت بحكم دراستها الأجنبية.

وكانت رجاء قد كشفت بأن موعدها مع القدر بدأ فعلياً في اليوم الذي بدأت فيه تصوير الفيلم، وقابلت الفنانة فاتن حمامة التي علمتها الالتزام وحب التمثيل، ووجود عمق وإحساس بكل شيء قبل الوقوف أمام الكاميرا، وطلبت منها قراءة جملة حزينة في سيناريو الفيلم، فقالتها بشكل عادي، فقالت لها لا بد أن يبكي صوتك"، وبالفعل بدأت رجاء تتعلم من فاتن حمامة وكبار الأساتذة في الإخراج والتمثيل.

وتتذكر في أول يوم تصوير ذهبت إليها في غرفة الماكياج، ودخلت عليها من دون إستئذان، فطالبتها بالخروج من الغرفة وطرق الباب والاستئذان قبل الدخول، وعدم الدخول إلا إذا سمعت كلمة (تفضلي)، ويومها قررت أن تتعلم الدرس وأن تحترم القواعد وأن تطبقها مع الجميع.

أثناء تصوير "دعاء الكروان" كانت ذات يوم تسير في شارع فؤاد لتبحث عن هدية لأمها بمناسبة عيد الأم، ووقفت أمام أحد المحلات ثم انتبهت لتجد رجلاً ضخماً يقف خلفها، والذي فاجأها قائلاً: "هل تحبيبن العمل بالسينما؟ فقالت له إنها تعمل بالفعل في فيلم كذا، وعرفت أنه مساعد المخرج أحمد بدرخان وكانوا يبحثون عن فتاة للعمل في فيلم اسمه "غريبة" لتجسد شخصية أخت أحمد رمزي. وبالفعل عملت في هذا الفيلم إلى جانب "دعاء الكروان".

بعد "دعاء الكروان" ترشحت لعمل ضخم هو فيلم "إشاعة حب"، مع عمر الشريف، وسعاد حسني، ويوسف وهبي، وهند رستم، وتعرضت لأزمة كبيرة بسبب هذا الفيلم، حيث أصابها الرعب، ولم تستطع النطق بكلمة، ولكن الجميع ساعدوها للتغلب على الخوف ورهبة التمثيل أمام العمالقة،

وشجعوها وعلموها الكثير حتى تظهر بشكل جيد أمام الكاميرا...

•الإبتعاد عن السينما بسبب عرض الأزياء:

بعد ذلك، إبتعدت رجاء عن السينما لمدة 7 سنوات بعدما أصبحت عارضة مصر الأولى، بل والأشهر على مستوى الوطن العربي، وتعلل سبب الإبتعاد عن السينما لصالح عرض الأزياء: "وجدت نفسي ملكة متوجة في هذا المجال والجميع يتحدثون عني بينما في التمثيل وجدت نفسي رقم 2 أي لست بطلة مطلقة.

وتعتبر نفسها نجحت كعارضة أزياء وكانت تسافر كل عام عدة مرات، وأحياناً كمرافقة لرئيس الجمهورية لتسويق القطن المصري في الخارج.

وسافرت إلى باريس أيضاً كعارضة أزياء وعملتُ لسبعة أشهر لدى مصمم الأزياء العالمي "بيير كاردان".

في أوج تألقها كعارضة أزياء اتخذت رجاء قراراً حاسماً ونهائياً بترك هذا المجال والتفرغ للتمثيل، على الرغم من أن عالم الأزياء والموضة منحها، لكنه جعلها تظلم التمثيل، لذلك قررت التركيز في التمثيل، خصوصاً بعد زيادة وزنها عقب إصابتها بمرض في الغدة الدرقية.

•مرحلة المسرح:

لا شك أن رجاء الجداوي تمكنت بفضل براعتها على المسرح أن تكون نجمة مسرحية من الطراز الأول، بغض النظر عن قدراتها السينمائية، وكانت بدايتها المسرحية في فرقة تحية كاريوكا وفايز حلاوة، حيث قدمت الكثير على المسرح، وتعلمت اللغة الصحيحة والأداء المباشر، ثم تطورت لتصل إلى مرحلة العمل مع عادل إمام في مسرحيات عدة، أولها «الواد سيد الشغال»، التي إستمرت سنوات طويلة، وواصلت رجاء الجداوي رحلتها المسرحية مع الزعيم لمدة تقترب من 20 عاماً.

لا بد من الإشارة في هذا المجال، إلى أن الصدفة هي التي جعلتها تنضم إلى المسرح مع "الزعيم"، وترويها قائلة: "كنت أحضر عشاءً في منزل الفنان الراحل فريد شوقي، وكان النجم عادل إمام من بين الحضور ووجدته يقول لي: ستعملين معي في المسرح. فسألته وأنا مندهشة: أنا...! قال: نعم، دمّك خفيف ولديكِ حضور جيد. ورشحني لمسرحية (الواد سيد الشغال).

•التحرر من النمطية الأرستقراطية:

بقيت رجاء فترة طويلة أسيرة شخصية الفتاة الأرستقراطية في معظم أعمالها، بسبب إجادتي اللغتين الفرنسية والإنجليزية، ولم أكن تستطيع التحدث بالعربية، لذلك كانت تواجهها أزمات كبيرة وكانت تكتب الحوار العربي بأحرف فرنسية حتى تستطيع نطقه. ولهذا وجد المخرجون أنها أكثر تناسباً مع شخصية البنت الأرستقراطية. ولكن في وقت ما قررت كسر هذه القيد الحديدي، وشاركت في مسلسل "أحلام الفتى الطائر" مع النجم عادل إمام، وقدمت دور الزوجة الخائنة الشريرة، الذي غير مسار حياتها الفنية، إذ إبتعدت عن دور الأرستقراطية، وانتقلت إلى أدوار واقعية.

•نجمة دون بطولة مطلقة:

لم تكن رجاء الجداوي "النجمة" تهتم بالبطولة المطلقة، من رغم من قدراتها التمثيلية، إذ لم تقدم رجاء أدوار البطولة المطلقة، وفسرت ذلك بقولها: "لم يشغلني هذا الأمر طوال حياتي الفنية، وبالفعل لم أقدم دور البطلة الأولى، لكنني بطلة في كل ما قدمته من أدوار، فالدور لا يقاس بمساحته ولكن بقيمته وتأثيره.

•العمل الإعلامي:

لم تكتف رجاء الجداوي بالعمل ممثلة مسرحية وسينمائية وتلفزيونية، لكنها خاضت أيضاً تجربة التقديم الإعلامي لعدد من البرامج التلفزيونية والإذاعية، وأنجحها تجربتها مع الإعلامي عمرو أديب، إذ كانت تشعر بأن لديّها فائضاً من الطاقة، وتحب المغامرة وخوض مجالات مختلفة، وتقديم البرامج كان شيئاً لذيذاً وجميلاً ومختلفاً ومحبباً بالنسبة لها، لأنه قريب من الناس، ويعتمد على مناقشة مشكلاتهم والتفاعل معهم.

**

عاشت رجاء الجداوي حياتها بين عالمين، وتحدّت نفسها بهما، وهما التمثيل وعرض الأزياء.

فكانت مسيرتها حافلة بمحطات مهمة مرت بها عبر مشوارها الفني الطويل منذ بداية عملها كعارضة أزياء وحتى إقتحامها عالم التمثيل، تاركة لجمهورها وللمشاهد العربي رصيداً حافلاً من الأعمال الراقية التي تشبه شخصيتها الأرستقراطية المتواضعة والمفعمة بالإنسانية والقيم الأخلاقية...

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.






























يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

5 تموز 2020 13:34