22 تموز 2020 | 07:52

صحافة بيروت

‏ "التدقيق الجنائي"... لماذا لا يشمل هدر المال العام و"مليارات الكهرباء"؟

‏

لبنان الذي كان ذات يوم مجيد حقاً "سويسرا الشرق" وقبلة المشرق ونقطة ارتكازها أدبياً ‏وسياحياً وفنياً ومالياً ومصرفياً واستشفائياً ولّى إلى غير رجعة بفعل حفنة حكام أمعنوا في ‏تصحيره وتجفيف منابع طاقاته حتى أعادوه حرفياً إلى زمن العصر الحجري حيث لا ماء ولا ‏كهرباء ولا مال ولا استشفاء، وها هم بعدما كان بلداً كل الشرق يصبو إلى التوجه نحوه، قلبوا ‏المعادلة رأساً على عقب ليجعلوا منه دولة مفلسة فاشلة تستجدي سبل التوجه شرقاً لإبرام ‏مقايضات تهين كرامة اللبنانيين على شاكلة استعطاف الدول لتأمين قوت يومهم من نفط وغذاء ‏ودواء. فإضاءة "دير شبيغل" على انهيار القطاع الاستشفائي في لبنان حيث "النظام الصحي ‏ينهار والأطفال يموتون عند أبواب المستشفيات وسط نقص متزايد في الأدوية والمعدات الطبية"، ‏لم يكن سوى "توصيف واقعي" لما بلغه هذا القطاع من منحى دراماتيكي وضع البلد برمته على ‏فراش "الموت السريري" حسبما تؤكد مصادر طبية لـ"نداء الوطن" محذرةً من أنّ استشفاء الناس ‏أصبح على المحك تحت قبضة حبال الأزمة الخانقة التي بدأت تشتد وطأتها أكثر فأكثر على ‏إدارة المستشفيات والضمان الاجتماعي، بينما السلطة تواصل سياسة إدارة الظهر لمستحقات ‏الطرفين، تاركةً لعبة الحياة والموت تتقاذف أرواح اللبنانيين من "هالك لمالك لقبّاض الرواح".‏

فالمشكلة ليست في الضمان الاجتماعي ولا في المستشفيات "بل هي في عجز الدولة عن إيجاد ‏حلول مستدامة توقف الانهيار الحاصل في القطاع الاستشفائي في البلد"، وفق تعبير المصادر ‏الطبية، موضحةً أنّ "ما يحصل راهناً وتتناقله الصحافة العالمية من تراجع الخدمات الاستشفائية ‏للمواطنين تتحمل تبعاته الكارثية السلطة السياسية بالدرجة الأولى لوضعها المستشفيات أمام أفق ‏مالي مسدود فرض عليها اعتماد تقنين قسري في قبول معاملات استشفاء المواطنين على نفقة ‏الضمان الاجتماعي تجنباً لإقفال أبوابها".‏

وفي هذا الإطار كشفت المصادر أنّ "نقيب المستشفيات سليمان هارون تبلغ من معظم إدارات ‏المسشتفيات أنها لم تعد قادرة على استقبال أي معاملة استشفاء من الضمان سوى تلك المصنفة ‏‏"حالات طارئة" لمرضى لا يحتمل وضعهم الصحي إرجاء الخضوع للعلاج أو الإجراء ‏الجراحي"، وهو ما تؤكدة مسؤولة عن معاملات الضمان في أحد المستشفيات لـ"نداء الوطن" ‏مشيرةً إلى أنّ الموافقة على هذه المعاملات باتت محصورة بمندوب الضمان المناوب لدى ‏المستشفى لدرس "كل حالة على حدة"، باعتبار أنّ الموافقة المسبقة لم تعد سارية المفعول ‏وإدارات المستشفيات باتت تتشدد في قبول معالجة "مرضى الضمان" وتتعامل انتقائياً مع الملفات ‏على قاعدة درس الحالات "‏Case by case‏" للتأكد من وضع المريض ومن حالته الطارئة التي ‏تستدعي دخوله المستشفى.‏

أما في السراي الحكومي، فمسرحية "الإنجازات" تتوالى فصولاً وجديدها "التدقيق الجنائي" الذي ‏وضعه رئيس الحكومة حسان دياب على رأس قائمة هذه الإنجازات، بعدما أقر مجلس الوزراء ‏الاستعانة بشركة ‏Alvarez & Marsal‏ للقيام بهذه المهمة، وسط تغاضٍ ملحوظ لوزراء الثنائي ‏الشيعي على إمكانية تعاملها المالي مع إسرائيل، والاكتفاء بتسجيل تحفظهم على هذا القرار. ‏وبمعزل عما أكدته وزيرة الدفاع زينة عكر خلال الجلسة لناحية أنّ كل شركات التدقيق المالي ‏تتعامل مع إسرائيل، فإنّ الحكومة ستكون أمام مهلة أسبوع لتوقيع العقد مع الشركة تمهيداً لبدء ‏عملية التدقيق الجنائي، وسط تأكيدات وزارية بأنها ستشمل فقط التدقيق الجنائي في حسابات ‏مصرف لبنان بموجب قرار مجلس الوزراء، وهو ما رأت فيه أوساط مالية "قراراً سياسياً أكثر ‏منه إصلاحياً يهدف إلى تضييق الخناق على حاكم المصرف المركزي رياض سلامة لتخضيعه ‏أو لدفعه إلى التنحي عن كرسي الحاكمية"، مشيرةً في المقابل إلى أنّ "التدقيق الجنائي لكي يكون ‏إصلاحياً حقيقياً لا يجب أن يقتصر في مفاعيله على جهة أو مؤسسة بعينها بل يجب أن يستهدف ‏التدقيق بكل قرش أنفقته الدولة في مختلف القطاعات والمؤسسات"، وسألت: "هل سيشمل قرار ‏الحكومة مثلاً قطاع الكهرباء وعشرات مليارات الدولارات التي أهدرت في هذا القطاع؟ وهل ‏سيلاحق ملف التوظيفات العشوائية في إدارات الدولة وما كبد الخزينة من خسائر جراء التخمة ‏الوظيفية في المؤسسات العامة؟ وختمت: "المطلوب التحقيق جنائياً بحسابات مصرف لبنان وبكل ‏سجلات الإنفاق العام وإلا سيكون مجرد إجراء حكومي لأهداف كيدية سياسية ومالية لا تمت إلى ‏الإنجاز الإصلاحي بصلة".‏



نداء الوطن 

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

22 تموز 2020 07:52