كتبت صحيفة " النهار": حتى الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة بدت كأنها همشت وهبطت من أعلى درجات الأولويات اللبنانية الضاغطة، مع اشتعال خطر غير مسبوق حاصر اللبنانيين في مختلف المناطق من خلال زحف متدحرج تصاعدي للاصابات بفيروس كورونا بما ينذر بانزلاق وتفش وبائي قد يكون الوقت فات لاحتوائه استناداً الى بعض أكثر النظريات الطبية تشاؤماً. ما جرى في الأيام الأخيرة، خصوصاً في عطلة نهاية الأسبوع شكّل الانتكاسة الأشد خطورة في لبنان منذ تمدّد آليه الوباء في شباط الماضي، إذ أطاحت الأرقام القياسية للإصابات وتوزعها واتساعها في مختلف المناطق كل ما تباهت به الحكومة والسلطات اللبنانية في المراحل السابقة من تحقيق انجاز احتواء الانتشار الوبائي وبقاء الأعداد دون المستويات الخفيفة.
لكن الخطر الزاحف مع القفزات الساخنة للإصابات متخطية معدلات يومية فوق الـ150 اصابة، أثارت ذعر الأوساط الطبية المعنية في الدرجة الأولى التي كادت تجمع عبر نقابة الأطباء أو عبر الأطباء الخبراء على أن لبنان يقترب من مرحلة مخيفة قد لا تتجاوز منتصف آب بحيث يخشى معها أن يعجز الجسم الاستشفائي بكامل قدراته عن الاستجابة لموجبات معالجة مرضى الكورونا بما يضع لبنان أمام استحقاق مخيف بكل معايير الذعر. ولعل ما زاد مناخ الخوف تفاقماً أن الانتشار الوبائي اقتحم للمرة الأولى مجلس النواب كما نقابة المحامين والمحاكم التي ستتوقف أربعة أيام هذا الأسبوع. وبدأ أعضاء مجلس النواب إجراء فحوص منذ السبت الماضي عقب كشف النائب الزحلي جورج عقيص اصابته بالفيروس، وأعلن تباعاً عن إجراء عدد كبير من النواب بدءاً بالرئيس نبيه بري الفحوص الخاصة بكورونا وجاءت نتائجهم سلبية، علماً أن المجلس سيقفل أبوابه اليوم وغداً لاستكمال إجراء الفحوص قبل معاودة جلسات اللجان النيابية. كما أن وزيرة الدفاع زينة عكر أعلنت عن إصابة ابنتها بالفيروس.
ومع ذلك، اتّسمت الحركة الرسمية حيال العاصفة الوبائية بوتيرة سلحفاتية بطيئة، حتى أن قصر بعبدا وجد متسعاً من الوقت لمهاجمة "القوات اللبنانية" ومنتقدي موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الطاعن في قانون التعيينات الذي أخذ به المجلس الدستوري ولكن لا الرئاسة ولا رئاسة الوزراء ولا الحكومة مجتمعة أعلمت اللبنانيين بما يجب أن تقوم به الدولة بكل مؤسساتها وقواها لاستدراك الكارثة التي ينزلق اليها لبنان مع تفلت الانتشار الوبائي لكورونا على نحو يصعب السيطرة عليه.
وبدت عطلة نهاية الأسبوع أشبه بعداد مشؤوم للإصابات التي توزعت في كل الاتجاهات، فيما بدا السلاح الوحيد الدولة والحكومة إلقاء المسؤولية كاملة على المواطنين وتوبيخهم وتقريعهم لإهمالهم الإجراءات الوقائية الحتمية لحماية انفسهم من الإصابات من غير ان تتخذ أي إجراءات حاسمة وصارمة فورية لمنع الأسوأ.
وما زاد الطين بلّة أن تصريحات وزراء ومعنيين راحت تتخذ طابع المزايدة والتسابق على إرعاب الناس من غير أن يفهم أحد أي منحى ستتخذه الحكومة لإلزام المواطنين الالتزام الصارم للإجراءات المعروفة في مواجهة زحف الوباء علماً أن يوم السبت سجّل العدد القياسي الأعلى اطلاقا منذ تمدد وباء كورونا الى لبنان إذ بلغ 175 إصابة. كما أن عدّاد الإصابات مضى في تسجيل أعداد مرتفعة أمس فبلغ مجموع الاصابات 168 بينها 152 إصابة محلية و16 إصابة وافدة وبرز عامل مقلق جداً تمثّل في تسجيل أربع حالات وفاة في الساعات الـ24 السابقة رفعت مجموع الوفيات الى 51 منذ شباط الماضي وبلغ عدد حالات الاستشفاء 137 منها 34 في العناية المركزة.
التحذيرات الطبية
والواقع أن الصرخات والتحذيرات الطبية حيال خطر بلوغ مرحلة الانهيار الاستشفائي بلغت ذروة غير مسبوقة ووضعت الحكومة أمام حقيقة صعبة للغاية واستحقاق لم يعد ممكناً تأجيل اتخاذ قرارات حاسمة في شأنه وهو الموازنة بين حتمية اتخاذ قرارات جذرية لفرملة الاندفاع نحو كارثة وبائية وصحية واستشفائية تماثل ما عرفته بعض الدول الاوروبية وغيرها في المراحل السابقة من الجائحة، والاستمرار في تأمين الحد الممكن من الحركة الاقتصادية وسط أصعب الظروف التي يواجهها لبنان. واذا كان هذا الاتجاه يبدو غالباً على المواقف السياسية الرسمية ويتجه مجلس الوزراء الى بلورته في جلسته غداً في قصر بعبدا، فإن الأوساط الصحية والطبية المعنية والمشاركة في لجنة الطوارئ التي تمهد بتوصياتها لقرارات مجلس الوزراء بدأت تجمع بدورها على المطالبة الملحة بإعادة اعتماد قرار إقفال البلد اقفالاً شاملاً ولو موقتاً لفترة أسبوعين، الامر الذي تعده الفرصة المتاحة الأخيرة لمنع الكارثة أو على الأقل لفرملة اندفاعاتها، والا فإن المحظور المخيف سيقع اذا استمر الرهان الخاسر على تقيد المواطنين بالاجراءات الملزمة من وضع الكمامات والابتعاد الاجتماعي وتفادي التجمعات.
ولكن بدا من الدعوة التي وجهت أمس الى المجلس الأعلى للدفاع لعقد جلسة قبل ظهر غد تسبق جلسة مجلس الوزراء أن ثمة اتجاها الى اتخاذ اجراءات متشددّة لن تكون أقل من إقفال جزئي لعدد من القطاعات السياحية والاقتصادية من جهة، ومنع التجمعات والحفلات والتشدّد في قمع المخالفات من جهة أخرى. وستتقرّر هذه الخطوات بصورة مبدئية في اجتماع تعقده اليوم اللجنة الوزارية المكلفة متابعة التمدد الوبائي لكورونا برئاسة رئيس الوزراء حسان دياب. وقالت مصادر وزارية لـ"النهار" انه ستتضح في الساعات المقبلة الاتجاهات التي ستعتمدها الحكومة حيال الاستحقاق الصعب الذي يوجب موازنة الاجراءات والخطوات لمنع مضي العاصفتين من التدحرج، أي العاصفة الوبائية والعاصفة المالية، ذلك أن لبنان يواجه العاصفتين عاريا من القدرات اللازمة ولا بد من توازن دقيق يسمح بانقاذ البلاد من براثن الانهيارين المتزامنين. وفي هذا السياق نفى رئيس مطار رفيق الحريري الدولي فادي الحسن ان تكون ثمة نية لاقفال المطار واكد ان هذا الامر غير وارد بتاتاً، موضحاً انه "لو كانت الزيادة في اعداد اصابات كورونا سببها الركاب الوافدون من الخارج، لكان اقفال المطار واجباً، لكن الحقيقة ان نسبة الاصابات في الوافدين لا تصل الى نحو نصف في المئة بما يعني أن المشكلة هي في كيفية مراقبة القادمين".
الملف المالي
وعلى رغم طغيان العاصفة الوبائية على مجمل الملفات الداخلية، قالت المصادر الوزارية نفسها ان الملف المالي سيعود الى الطاولة انطلاقا مما بلغته الاجتماعات التي عقدت الاسبوع الماضي وتناولت الارقام المالية في الخطة الحكومية وان المساعي ستتجدد لتوحيد الموقف الرسمي من هذه الارقام تمهيدا لاعادة تحريك المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وأشارت المصادر اىلى ان زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان- ايف لودريان لبيروت ادت من جملة ما ادت اليه الى تثبيت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي كمفتاح اساسي للمعالجات كما ينظر اليها المجتمع الدولي وهو ما يحمل لبنان تبعة اكبر في التعجيل في الاتفاق على الارقام المالية لمعاودة المفاوضات.
النهار
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.