تملّكهم اليأس، فلم يجدوا سوى في المغادرة سبيلاً، علّهم يعثرون في الهجرة على موطنٍ، بعد أن أمسوا غرباء في بلادهم وأرضهم. فقدوا كل أملٍ بقيام دولة مؤسسات ترعى أمورهم، وتؤمّن لهم أبسط حقوق العيش، ففضلوا الذهاب نحو بلاد تحترم الإنسان.
مما لا شك فيه أن حياة المواطن في لبنان أصبحت صعبة جداً في غياب الأمن الغذائي والصحي، وحتى في الحياة الشخصية، فباتت لقمة العيش المغمّسة بعرق الجبين أصعب منالاً، فيما تأمين مستقبلٍ واعد بات من الأحلام، وأمست الأرواح رهناً لإهمالٍ وظيفي، أو رسائل تصفية لحسابات الغير على أرضنا.
في مؤشرٍ لافت، نشطت الهجرة في الفترة الأخيرة، ما يعكس فقدان الثقة والأمل بالمستقبل، فالأزمة المالية التي طرأت منذ قرابة العام، وانعدام الاستقرار الأمني، كانت ظروفاً مشجّعة، حتى جاء الانفجار المشؤوم الذي دمّر بيروت في الرابع من آب، وجعل من المغادرة الحل الأوحد للكثيرين.
وفي دراسة صادمة، نشرت الدولية للمعلومات أرقاماً عن نسب القادمين إلى البلاد والخارجين منها، ومقارنةً بين فترتَي ما قبل الانفجار وما بعده.
وقد أظهرت الدراسة تراجع القادمين إلى لبنان بنسبة 12.3%، فقد كان متوسّط عددهم قبل التاريخ المذكور 2,750، فيما أصبح العدد بعد الانفجار 2,410 شخصاً، بينما ارتفعت نسب المغادرة إلى 36%، إذ فاق عدد المغادرين البلاد بُعيد الانفجار الـ45 ألف شخص في فترة لا تتعدّى العشرين يوماً، كما ارتفع متوسط عدد المغادرين إلى 3972، بعدما كان 2,952 شخصاً.
وفي اتصالٍ له مع جريدة "الأنباء" الإلكترونية، رأى الباحث محمد شمس الدين أن، "المغادرين بعد تاريخ 4 آب هم بغالبيتهم لبنانيين يمتلكون جنسيات في دولٍ أجنبية، كالولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا، وقد غادروا بعد الانفجار مباشرةً"، مستبعداً أن، "تكون هذه الأعداد لمهاجرين جُدد، إذ أن عملية الهجرة ليست بالسهلة، وتحتاج لوقتٍ طويل، والأرقام التي ستظهر تباعا في الأشهر المقبلة ستعكس حقيقة الأمر".
كما نفى شمس الدين أي علاقة للظروف الثانوية، كانتهاء فصل الصيف، أو الانتشار الواسع لجائحة كورونا، خصوصاً وأن الصيف لم ينتهِ في السادس من آب، وانتشار الفيروس سبق الانفجار، وذلك في إشارةٍ واضحة لتأثير الحدث على اللبنانيين القاطنين في البلاد.
من الواضح أن الثقة انعدمت، وللمفارقة، فإن الأسلوب الاستغلالي الطاغي على أهل السلطة، جعلهم يطلقون على مغادِري لبنان تسمية "المنتشرين"، وصوّروهم كأنهم "Fresh Money"، للتباهي بانتصارات زائفة، فيما هؤلاء المهاجرين في الحقيقة ليسوا سوى هاربين من الأزمات التي خلّفها مطلقو هذه التسميات، وسياساتهم التي ستقضي على كل ما تبقّى من إنسان، أو حجر. ومن المتوقّع للأسف أن ترتفع الأرقام أكثر فأكثر مع مرور الوقت.
المصدر: جاد فياض- "الانباء"
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.