———-جورج بكاسيني
مرّة جديدة أقحم النائب نهاد المشنوق نفسه في حلبة "المزايدين" على الرئيس سعد الحريري. ثمّة من نصحه بأن استعانته ببعض الكتَبة في موقعه الإلكتروني للردّ على زعيم "المستقبل" لم تُجدِ، فَعَقَدَ العزم على النزول هو شخصياً إلى الميدان و"قرَّر يحكي" ،كما جاء في "الهاشتاغ" الذي وزَّعه الكتَبة والمناصرون من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب قُبَيل المقابلة التلفزيونية، وليته لم يفعل.
ظنَّ بدايةً أن إختيار المنبر نفسه الذي أطل منه سعد الحريري قبل أسابيع يُتيح له الردّ "من الندّ إلى "الندّ"، وبالتالي دعوة الرئيس المكلَّف إلى "مُناظَرَة تلفزيونية" يُقَرِّر بنتيجتها "المشاهدون"!! تجدر الموضوعية الإعتراف بأنه إقتراح جريء وغير مسبوق، محبوك بقدرٍعالٍ من التواضع، أعاد إلى ذاكرتي قصة طالما ردَّدتها جدتي على مسامعي عندما كنت صغيراً، عن نملة دعت حصاناً إلى سباق في إحدى حقول ضيعتنا ... ولمَّا يسمع صوتها حتى اليوم.
كما لم يَغِب عن بال المشنوق قدر آخر من نكران الذات، مع تأكيد رفضه عروض لترؤُّس الحكومة أكثر من مرة، ليُعيد تذكير "المشاهدين" بالمثل الشعبي "فاقد الشيء لا يعطيه".
طبعاً ليست الغاية من هذا النص الوقوف عند هذا النوع من "السوالف" التي وردت في الحوار التلفزيوني، خصوصاً أن النائب المشنوق يعيب على الآخرين الهجوم أو الردّ "بالشخصي"، وينفي عن نفسه تهمة "المزايدة" التي اعتبر أن الحريري وجَّهها إليه، وأنها من الكلام الذي "لا يليق" بالأخير. لكن واقع الحال، وكما بدا في الحوار عينه، أن المشنوق نفسه بات يتقدَّم صفوف المنضوين في "سرايا المزايدة" على سعد الحريري.
فماذا تعني دعوة المشنوق الحريري لتجرُّع "كأس الشجاعة والصلابة" بدلاً من كأس السم، غير المزايدة؟ وكيف يُمكِن تفسير تقديراته غير المُسندة إلى وقائع بأن وزارات الدفاع والداخلية والعدل ستكون محسوبة على رئيس الجمهورية في الحكومة العتيدة سوى من باب المُزايدَة؟ وكيف يُبَرِّر لنفسه أنه كان "شريكاً" في التسوية الرئاسية ويمنحها نعمة "الشجاعة والصلابة"، وينزعها عن الإدارة السياسية للتسوية لأنه لم يكن شريكاً فيها ؟
وبعد، كيف يُبَرِّر المشنوق لنفسه إستضافة وفيق صفا في إجتماع رسمي بوزارة الداخلية لـ"إنقاذ ألف وخمسماية لبناني في الطفيل"، ولا يجيز للحريري اعتماد مبدأ "ربط النزاع" مع "حزب الله" بعد أن كان هو نفسه واحداً من أعضاء وفد "المستقبل" للتفاوض بشأنه في عين التينة، لمعالجة أزمات طالما عانى منها أربعة ملايين ونصف مليون لبناني؟
ولماذا وصف النائب المشنوق قانون الإنتخابات الأخير في حزيران 2017 بأنه قانون"عاقل ويتَّسم بالواقعية الشديدة"، ثم وصف نفسه في تشرين الثاني ٢٠٢٠بأنه "شاهد زور" على إقراره؟ وكيف زعم أنه قدَّم إستقالته من الحكومة في 2017 إعتراضاً على القانون ورفضها الحريري، فيما الحقيقة أنه لوَّح بالإستقالة من حكومة الرئيس تمام سلام في 2016 لأسبابٍ لا صلة لها بقانون الإنتخاب؟
بين فينةٍ وأخرى يسعى النائب المشنوق إلى التعمية على السبب الأساسي لخلافه مع الرئيس الحريري من دون جَدوَى. يوحي كغيره من رواد "سرايا المزايدة" ( وقد انضمّ إليها مزايدون جدد في الأيام الأخيرة بوصفها مستودعاً لبعض "فاقدي "مواقعهم النيابية أو الوزارية )أنه يُطلِق السهام ضد "حزب الله" أو العهد أو النائب جبران باسيل أو ... وإذ به يوجِّه هذه السهام حصراً إلى سعد الحريري ،مبرِّئاً نفسه من كل ما كان شريكاً فيه . والسبب ببساطةٍ شديدة أن رئيس" المستقبل" خيَّره هو ومرشحين آخرين طامحين للتوزير بين النيابة والوزارة، عشية الترشُّح لإنتخابات 2018، بسبب قناعته بوجوب الفصل بينهما. وقد إختار المشنوق,
كما أبلغ الحريري، النيابة، إعتقاداً منه بأن الأخير سوف يوافق لاحقاً على تعيينه وزيراً للمرة الثالثة على التوالي؛ وهذا ما لم يحصل ،فكانت القطيعة وصار من كانت له صولات وجولات عن سعد الحريري "الصابر والصامد" وعن "إعتداله الذي هو صوت العقل، الذي يحمينا ويحمي أولادنا وإسلامنا وأعراضنا"، يتَّهِم الحريري نفسه بالقبول بما لا ينبغي القبول به.
ربما نسي بعض "المشاهدين" عودة نهاد المشنوق من المنفى بقرار سوري، ومقالاته في جريدة "السفير" والمآدب التي جمعته بالعميد رستم غزالي والوزير السابق وئام وهاب، الذي كشف النقاب في إحدى إطلالاته الإعلامية عن زيارات المشنوق لدمشق بعد 2005 طمعاً برئاسة الحكومة. وربما نسي هذا البعض ما كتبه أحد الصحافيين عن المشنوق في موقع إلكتروني بيروتي في 11 حزيران 2019 قبل أن يصبح واحداً من كتبة "أساس ميديا" حالياً.
لكن التاريخ ليس صفحة واحدة، هو صفحات .
وللتاريخ صَدَقَ سعد الحريري عندما قال في 1 أيار 2018 في إحدى لقاءاته الإنتخابية في بيروت: "تعلمت أنني كلَّما ساعدتُ أحداً يطعنني في الظهر في أول فرصة سانحة. هذه المرة سأقول الأمور كما هي وسأواجه وسأضع كل من تسلَّق على ظهر رفيق الحريري وسعد الحريري في مكانه الصحيح. مَن جَعَلَ منهم نواباً ووزراء.. غير تيار المستقبل"؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.