21 تشرين الثاني 2020 | 09:57

أخبار لبنان

من لبنان الكبير إلى الاستقلال المنقوص

من لبنان الكبير إلى الاستقلال المنقوص

العماد ميشال سليمان



كتب الرئيس ميشال سليمان في "النهار": حال الجمهورية اليوم لا يسمح بالاحتفال بعيد الإستقلال ‏السابع والسبعين، ما يُحتِّم العمل لتخليد الذكرى، والسهر على تمتين استقلال الدولة التي أعلنها ‏البطريرك الياس الحويك عام ١٩٢٠ وانتزع استقلالها رجالات قلعة راشيا سنة 1943 بموأزرة ‏ومساندة مجموعة من الأبطال. استقلال استشهد لأجل حمايته رؤساء جمهوريات وحكومات ‏ورجال دين وسياسة وأمن وإعلام وقوافل من قادة الرأي.‏

سنة 1943 تم إعلان "استقلال الدولة"، وفي الستينات تم السعي إلى بناء "دولة الاستقلال"، أما ‏اليوم فنحن في شرك "استقلال الدويلات"، وبتنا ضحايا استقلال الطوائف والمذاهب (وحقوقها) ‏وعمّ منطق الاستقلال عن الدولة.‏

الاستقلال ليس مجرد استذكار ليوم مجيد من تاريخنا أو حالة ظرفية نستكين لها، ولا هو ثورة ‏عابرة توضع مكاسبها في الجيوب للاستغلال، إنما هو فعل إيمان بالحوار وبالعيش المشترك، ‏ونضال مستمر من أجل بلوغ دولة القانون والحق التي نصبو اليها. ‏

إن رسالة لبنان تبرز في بطولة رجاله وفي تصديهم لآفات التطرف والاقتتال، كما تتجلى في ‏اعتماد نهج الحوار والاعتدال وفي شجاعة قول الحقيقة، التي من دونها، لا يمكن البدء بالإصلاح ‏الشامل.‏

لن يستقيم الاستقلال بمنطق الاستقواء بالخارج ولا بالرهانات المتناقضة على الأوضاع ‏الخارجية، بل ستتعثر مسيرته متى صار الوطن ساحة مفتوحة أمام الصراعات الخارجية ‏والتدخل الأجنبي وتبادل الاوراق الاقليمية، حيث لا يكفي وقف حروب الآخرين على ارضه، ‏بل يجب أيضاً منع قتال اللبنانيين او اقتتالهم خارج حدود الوطن او من اجل الخارج لمصالح ‏وقضايا غير لبنانية.‏

الاستقلال من دون سيادة الدولة وحرية مواطنيها هو استقلال منقوص، والسيادة لا تتحقق إن لم ‏تمسك القوات المسلحة الشرعية بحصرية السلاح، وتُصبح الناظمة الوحيدة للقدرات الدفاعية ‏والضابطة لاجوائها وبحرها وحدودها، تحت إشراف السلطة السياسية.‏

السيادة لن تترسخ إن لم تتبنى الدولة سياسة داخلية وخارجية تراعي مصلحة شعبها وتنسجم مع ‏ثوابت الميثاق الوطني ومقتضيات العيش المشترك وتعتمد التحييد عن صراعات المحاور وما ‏أكثرها.‏

أما الحرية فهي فرح الانعتاق من كل سيطرة أو تبعية أو احتلال، والإبتعاد عن لعبة الأمم وعدم ‏السماح بجر البلاد إلى أتون النزاعات الإقليمية. والإستقلال يكمن في حرية الأفراد بالتعبير ‏والتنقل وتكافؤ الفرص وممارسة الشعائر والتقاليد والتحرر من التزلم وصون الحق بعدالة ‏القضاء المستقل وليس بسطوة السلاح وتسلط المسؤول.‏

الاستقلال يتطلب الانتقال من واقع السلطة إلى واقع الدولة. الوطن ليس في عيد هذا العام ولم يكن ‏كذلك في الأعوام الماضية، فوطن الرسالة يكاد يفقد هويته بعد فقدانه سيادته وحريته. فكيف ‏يتآلف الانفتاح والحوار مع سياسات العزل والهمجية والقهر والتطرف، ومع أي فكر شمولي أو ‏أحادي. ‏

من واجبنا أن نضع أكاليل الغار على أضرحة رجال الإستقلال لا ان نضع الورود، ولنبدأ منذ ‏اليوم مع المئوية الاولى بتكليل ضريح البطريرك الحويك عراب دولة لبنان الكبير. ‏

ان الاستقلال الذي نعيشه اليوم لا يُشبه ذاك الذي انتزعه الأبطال. فهل تعود الذكرى عيداً في ‏العام المقبل؟ ان حال الوطن ومستقبله هو بيد الشباب المنتفض لتثبيت ذواته وأحلامه السيادية ‏المشروعة.. إلى الأمام.‏




النهار

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

21 تشرين الثاني 2020 09:57