5 شباط 2021 | 08:10

أخبار لبنان

لقمان سليم شهيداً: يقظة الترهيب

كتبت صحيفة "النهار" تقول: لا مغالاة اطلاقاً ان تخوف الكثير من اللبنانيين من ان ‏يكون اغتيال لقمان سليم تتويجاً للشرور اللاحقة بهم بل نذيراً لـ"يقظة" الترهيب ‏الدموي في نسخة منقحة ومحدثة عن حقبة الاغتيالات التي هبت أعاصيرها في ‏خريف 2004 وشتاء 2005 وظلت حلقاتها متتابعة في تصيد الرموز ‏والشخصيات الاستقلالية والسيادية حتى 2013 مع الشهيد محمد شطح‎.‎

لا شك في ان لقمان سليم الذي انضم في ليل التآمر الدموي الاجرامي عليه في ‏الجنوب، الى لائحة شهداء الترهيب الدموي، شكل في مسيرته وسيرته وافعاله ‏ومواقفه ومراسه المهني والوطني والثقافي والفكري والبحثي النموذج الأكثر شجاعة ‏وإقداماً وايمانا بنهج تعددي تحرري يرفض الديكتاتورية الفكرية والأثرة المسلحة ‏والسطوة الأحادية الإرهابية على المجموعات اللبنانية بدءا ببيئته. معروفة وقائع ‏سيرة لقمان سليم في تصدر المراس الفكري للانتفاضة والخيمة الأشهر التي أدار ‏فيها ندوات النقاش الحيوي الحر المتجرئ ورفع الصوت المتحدي للترهيب الى ان ‏أحرقت الخيمة وأطلقت صليات التهديد الكثيفة للقمان مقترنة باللغة البائدة للتخوين ‏وإلصاق الاتهامات الجاهزة بالصهينة والأمركة والتجسس وتقديم الخدمات لكل ‏أعداء "المقاومة" و"حزب الله". اغتيال لقمان سليم استهدف بكل وضوح احد أبرز ‏وأشجع رموز الثقافة المتحررة الاستقلالية وأحد أبرز المنخرطين في العمل الفكري ‏التحرري وأحد الناشطين الكبار في حركة الثورة اللبنانية الاجتماعية والفكرية. ‏لقمان سليم انضم امس الى قافلة الشهداء الكتاب والصحافيين والمثقفين من حقبة ‏تصفية سليم اللوزي ورياض طه ومن قبلهما وبعدهما الى رعيل الشهداء الذي ‏استهدفته حرب الاغتيالات من سمير قصير الى جبران تويني الى محمد شطح كذلك. ‏والأخطر الأخطر ان ترسم عملية تصفيته ملامح عودة الترهيب سلاحا ووسيلة ‏لإخماد التنوع السياسي في بلد يتخبط بكوارث متدحرجة تضعه على حافة نهاية ‏النهايات الدراماتيكية. لم يكن أدل على الخشية من بداية دموية لمرحلة متبدلة تنذر ‏بتنفس الصراعات والرسائل الدامية عبر الساحة اللبنانية من ردود الفعل الداخلية ‏والخارجية الواسعة التي عكست من ضمن ما عكسته التوجس الكبير الذي اثارته ‏الجريمة الإرهابية الترهيبية‎.‎

الجريمة والردود

استفاق اللبنانيون على خبر اكتشاف اغتيال الناشط والكاتب لقمان سليم بقتله بخمس ‏رصاصات في رأسه وظهره في سيارة مستأجرة، بعدما فُقد الاتصال به منذ الثامنة ‏من مساء الاربعاء بينما كان يقوم بزيارة عائلية في بلدة نيحا الجنوبية. وأشعل ‏اغتياله موجة واسعة من ردود الفعل الرافضة لعودة الاغتيالات والتصفيات ‏والمتخوفة من دلالات الجريمة التي ذكرت بمرحلة الاغتيالات التي ذهب ضحيتها ‏رموز من انتفاضة 14 آذار. ومع ان ردود الفعل الداخلية حاذرت بمعظمها توجيه ‏اتهامات مباشرة وحضت الدولة وأجهزتها على استعجال التحقيقات لكشف الجناة ‏فان بعض المواقف اتسمت بتحميل "حزب الله " تبعة كشف الجناة او تحميله ‏المسؤولية وتمثل ابرز هذه المواقف في بيان لقاء عدد من الشخصيات والناشطين ‏في "لقاء سيدة الجبل" اعلنه النائب السابق فارس سعيد الذي لفت الى ان "الشهيد ‏اغتيل في منطقة نفوذ حزب الله وبالتالي هو المتهم الأساس، فإما أن يخبر اللبنانيين ‏كيف حصلت هذه الجريمة أو يتحمل المسؤولية المباشرة عنها. فلبنان تحت حكمين، ‏الاول ورقي دستوري يتمثل بشخص رئيس الجمهورية، اما الآخر أمني عسكري ‏يتمثل بشخص أمين عام حزب الله وكلاهما مسؤول‎".‎

وأصدر "حزب الله" مساء بيانا دان فيه "قتل الناشط السياسي لقمان سليم وطالب ‏الأجهزة القضائية والأمنية المختصة بالعمل سريعا على كشف المرتكبين ومعاقبتهم ‏ومكافحة الجرائم المتنقلة في اكثر من منطقة في لبنان وما يرافقها من استغلال ‏سياسي واعلامي على حساب الامن والاستقرار الداخلي‎".‎

الأصداء الدولية

اما في الردود الديبلوماسية الدولية حول اغتيال لقمان سليم فكان ابرزها بيان ‏للسفيرة الأميركية دوروثي شيا التي وصفت اغتياله بانه "بربري" وأضافت : "لقد ‏قال لقمان سليم سرا وعلانية أنه كانت هناك تهديدات لحياته، ومع ذلك استمرّ، ‏بشجاعة، بالدفع من أجل العدالة والمساءلة وسيادة القانون في لبنان . هذا الاغتيال، ‏لم يكن مجرد اعتداء وحشيا على فرد، بل كان هجومًا جبانًا على مبادئ ‏الديموقراطية وحرية التعبير والمشاركة المدنية.إنه أيضا هجوم على لبنان نفسه.إن ‏استخدام التهديد والترهيب كوسيلة لتخريب حكم القانون وإسكات الخطاب السياسي ‏هو أمر غير مقبول‎"‎‏.‏

واكدت "ضرورة إجراء تحقيق سريع في هذه الجريمة وغيرها من عمليات القتل ‏الحديثة التي لم يتم حلها حتى يتمّ تقديم مرتكبي هذه الأعمال إلى العدالة. في بلد ‏يحتاج بشدة إلى التعافي من الأزمات المتعددة التي يواجهها، ترسل الاغتيالات ‏السياسية إشارة جد خاطئة إلى العالم حول ما يمثله لبنان"‏‎.‎

وأعربت نائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان والمنسقة المقيمة ومنسقة ‏الشؤون الإنسانية نجاة رشدي عن صدمتها وحزنها لاغتيال لقمان سليم. وحثت ‏على "إجراء تحقيق وملاحقة قضائية شاملة وسريعة وشفافة لتطبيق العدالة بحق ‏جميع المسؤولين عن هذا العمل الشائن". واضافت أن "الشعب اللبناني يستحق ‏قضاءً مستقلاً وفعالاً للوصول إلى نتائج بالسرعة المطلوبة ولضمان المساءلة وللحد ‏من التفلت من العقاب في لبنان‎."‎

ودانت الخارجية الفرنسية "قتل الناشط اللبناني لقمان سليم ورأت ان اغتياله "يشكل ‏جريمة بشعة" وطالبت بتحقيق شفاف‎ .‎

البيان المشترك

وإذ تشاء المفارقة ان يتزامن اغتيال لقمان سليم مع ذكرى مرور ستة اشهر على ‏انفجار مرفأ بيروت سجل تطور بارز في هذا السياق تمثل في صدور اول بيان ‏مشترك حول لبنان في ظل إدارة الرئيس جو بايدن عن وزير أوروبا والشؤون ‏الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ‏جاء فيه : "بعد مرور ستة أشهر على وقوع انفجار الرابع من آب في مرفأ بيروت ‏الذي أودى بحياة مئات الأشخاص وأسفر عن أضرار مادية فادحة، تؤكّد فرنسا ‏والولايات المتحدة الأميركية مجددًا دعمهما الكامل والتام للشعب اللبناني. ‏وستواصل فرنسا والولايات المتحدة تقديم المساعدات في حالات الطوارئ للشعب ‏اللبناني، ولا سيّما في قطاعات الصحة والتعليم والسكن والمساعدات الغذائية، وذلك ‏مثلما فعلنا منذ وقوع الانفجار، بمعية الأمم المتحدة وشركائنا والمجتمع المدني ‏اللبناني على وجه الخصوص، في إطار مؤتمرَي دعم لبنان اللذين عُقدا في 9 آب ‏‏2020 و2 كانون الأول 2020. وتترقب فرنسا والولايات المتحدة صدور نتائج ‏التحقيقات الجارية بشأن الأسباب التي أدّت إلى وقوع الانفجار بسرعة. ويتعيّن ‏على القضاء اللبناني العمل بشفافية تامة بمنأى عن كلّ التدخلات السياسية. وتسلّط ‏ذكرى مرور ستة أشهر على وقوع هذه الفاجعة الأليمة الضوء على الحاجة الماسة ‏والضرورية إلى أن يَفي المسؤولون اللبنانيون أخيرًا بما التزموا به وأن يشكّلوا ‏حكومة ذات صدقية وفعّالة وأن يعملوا على تحقيق الإصلاحات الضرورية، بما ‏يتماشى وتطلعات الشعب اللبناني. وتبقى هذه الخطوات العملية ضرورة حتمية لكي ‏تلتزم فرنسا والولايات المتحدة وشركائهما الإقليميين والدوليين بتقديم دعم إضافي ‏وبنيوي وطويل الأجل للبنان"‏‎.‎


النهار ‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

5 شباط 2021 08:10