27 نيسان 2021 | 16:03

منوعات

‏"الملوخية" من الفرعونية الى "الملوكية"! ‏

‏•طعام رمضان (٣):‏



زياد سامي عيتاني*‏


تعد الملوخية الورق أحد أقدم الأطباق الشعبية في التاريخ وأكثرها انتشاراً في العالم العربي، ‏ورغم أن طُرق طبخها تتباين من دولة إلى أخرى، فإنها تظل طبقاً رئيساً على موائد رمضان.‏

فالملوخية من الأطباق الشهية والمرغوبة بقوة عند كل شرائح المجتمات العربية، على إختلاف ‏مطابخ بلدانها في إعدادها وطهيها، سواء كانت "مورقة" كما في لبنان، أو "حساءً" كما يتم ‏تحضيرها في مصر، حيث هي عند المصريين عبارة عن حالة وسط بين الطعام المطبوخ وبين ‏‏«الشوربة».‏

وتعد الملوخية طبقا أساسيا على المائدة الرمضانية، يعشقه الكبار ويستسيغ طعمه ويقبل عليه ‏الصغار، حيث تعتمد وجبة "الملوخية" في إفطار اليوم الأول من رمضان، كتقليد سنوي عند ‏الفلسطينيين، إذ يستبشرون بالوجبة ذات اللون الأخضر، في استفتاح شهر الصوم.‏

ولكن الملوخية ذات الجذور الفرعونية، في بداية ظهورها نازع الملوك آكليها من عامة الشعب ‏لتكون وجبتهم الحصرية.‏

لذلك فإن للملوخية رحلة طويلة من بلاط القصور الملكية حتى وصلت لصحون عامة المصريين، ‏ومن خلالهم لبطون كل العرب:‏





‏•أصل الملوخية وسبب تسميتها: ‏

لأصل الملوخية ولسبب تسميتها بهذا الاسم روايتان، نستعرضهما على النحو الآتي: ‏




‏•الملوخية الفرعونية: ‏

الرواية الأولى تقول إن قدماء المصريين عرفوا الملوخية، بعد أن وجدوا أوراقها تنمو على ‏ضفاف النيل، ولكنهم لم يقبلوا على أكلها لاعتقادهم أنه نبات سام وكانوا يسموه «خية»، وعندما ‏احتل الهكسوس مصر أجبروا المصريين على تناولها، لإهانتهم وإذلالهم بتناول النبتة السامة، ‏وكانوا يقولون لهم: «ملو- خية»، أي (كلوا) (خية)، وبعدما تناولها المصريون وظنوا أنهم ميتون ‏لا محالة، اكتشفوا أنها غير سامة وأنها تصلح للأكل، وتناولولها فيما بعد ولكن بدون «طشة» أو ‏‏«تقلية».‏




‏-الملوخية الفاطمية: ‏

الرواية الثانية عن الملوخية يرجع تاريخها إلى عهد الفاطميين في مصر، حيث كان الحاكم ‏الفاطمي المعز لدين الله يعاني من آلام شديدة في المعدة، فوصف له الأطباء الملوخية كعلاج ‏يقضي بدوره على هذه الآلام، وبالفعل شفى بعد أكلها، فأراد أن يحصر تناول هذه النبتة عليه ‏وعلى حاشيته فأطلق عليها «ملوكية» أي أنها أكلة الملوك فقط.‏

وعلى نهج المعز لدين الله جاء الحاكم بأمر الله لحكم مصر، وأحب «الملوكية» حبًا شديدًا، وكان ‏المصريون قد سمعوا عن هذا الطبق «الملوكي» وتطلعوا إلى أكله، فأشاع الحاكم بأمر الله بين ‏المصريين أن هذا النبات سام حتى يبتعد عن تناولها عامة الشعب، ويستأثر بفوائدها لنفسه.‏

وكانت «الملوكية» تزرع في حديقة القصر، إلى أنه ذات يوم وكان يشرف على طباخه وهو يعد ‏له وجبته المفضلة سقطت الملوكية وهي ساخنة على قدميه، فثار وغضب الحاكم وخرج شهيقه ‏بصوت عالي خوفا من سخونة السائل، وهذه إحدى الروايات عن سر ارتباط «الشهقة» ‏بالملوخية، وقرر بعدها أن يسمح لعامة الشعب بتناول «الملوكية» فأصبح لها مكانة كبيرة عند ‏المصريين، يقومون بطهيها فى الأعياد والمناسبات المحببة لهم وفى الأيام العادية ايضاً.‏

وبعد أن أجاز الحاكم بأمر الله للمصريين تناول «الملوكية» قرروا أن يرجعوا تسميتها إلى ما ‏كانت عليه في عصور الفراعنة فعاد اسمها «ملوخية»، وبما أن مصر في وقت حكم الفاطميين ‏عرفت الكثير من الأكلات والاختراعات والإضافات ذات اللمسة المصرية فقط، فكر المصريون ‏في إضافة «تقلية» الثوم إلى الملوخية، والفعل أصبح الملوخية طعمها محببا لدى جموع ‏المصريين بعد أن أصبحت بالتقلية.‏

‏**‏



‏•سر «الشهقة»: ‏

أغلب المصريات يحرصن على إخراج شهيقهن بصوت عالي عند إضافة «تقلية» الثوم إلى ‏الملوخية، وعوّلن على هذه «الشقهة» في أنها تساعد على عمل ملوخية لذيذة لا «تسقط» في ‏‏«الحلة»... ولهذه الربطية العديد من الأساطير:‏

‏1- الأسطورة الأولى عن شهقة الملوخية كما ذكرناها في السطور السابقة، وهي «شهقة» الحاكم ‏بأمر الله بعد أن سقطت «الملوكية» ساخنة على قدمية أجاز أكلها للمصريين الذين ربطوا ‏‏«الشهقة» بالأمر الإيجابي وبأكلهم الملوخية التي انتظروها لسنوات طويلة.‏

‏2- الأسطورة الثانية تحكي أنه كان هناك فتاه لا تجيد الطبخ، وكلما أكل من يدها أحد تأفف من ‏سوء مذاق أكلها، وذات مرة كانت تطبخ الملوخية وعند إضافة الطشة لها اهتزت يدها وكادت أن ‏تسقط الملوخية ساخنة عليها فشهقت الفتاة، وعند تناول أسرتها الطعام أعجبوا بطعم الملوخية ‏على غير العادة، وعندما سألوها ما الجديد الذي فعتله حتى يصبح الطعام لذيذ بهذا الشكل قالت ‏إنها «شقهت» عند إضافة «التقلية» فربطوا اللذة بما حدث.‏

‏3- الأسطورة الثالثة ترجع ارتباط طعم الملوخية الشهي بالحاكم بأمر الله أيضا، حيث إنه ذات ‏يوم تأخر الطباخ في طهي الملوكية التي فضلها الحاكم ولا يطيق انتظارها، فضجر من التأخير ‏وأمر السياف أن يقطع رقبة الطباخ الذي تأخر في إعداد الطعام، وعندما دخل السياف المطبخ ‏شاهرًا سيفه وكان الطباخ في المرحلة النهائية من عمل الملوخية، وهي الطشة، شهق بشدة من ‏الخوف بعد أن وجد السيف على رقبته، وعندما تناول الحاكم ملوكية «المرحوم» وشعر أن ‏طعمها مميز ومختلف عن كل مرة تناول الملوكية فيها، أخبره خادمه أن الطباخ شهق عند إضافة ‏التقلية، فأصدر الحاكم بأمر الله أمرًا بأن كل من يصنع الملوكية «يشق» حتى تصبح لذيذة.‏

‏4- الأسطورة الرابعة تحكي أن المطبخ المصري القديم لم يكن فيه البوتاجاز المعاصر، وكانت ‏السيدة المصرية تجلس أمام مجموعة من الحطب المشتعل وتضع عليه أوانيها لتطبخ، وكان يلتف ‏حولها الطيور والحيوانات التي تربيها في المنزل، وكانت عند حمل الملوخية وإسقاط «التقلية» ‏عليها تصدر صوت شهيق عالي حتى ينصرف الحيوانات والطيور من حولها؛ كي لا تسكب ‏عليهم الملوخية الساخنة.‏

‏**‏

‏*باحث في التراث الشعبي





يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

27 نيسان 2021 16:03