•طعام رمضان (٤):
زياد سامي عيتاني*
كرات مستديرة من اللّحم الناعم تنغمس على نار خفيفة في صلصة البندورة أو دبس الرمان، بعد إضافة إليها البصل المفروم والتوابل والبهارات والزيت، لتذوب بها وتتشرّبها، فتصبح ليّنة تذوب فى الفم.
إنها كفتة "داوود باشا" التي تنافس سواها من الأطباق على تسيد مأدبة رمضان، إذ تعتبر من أشهى الأكلات التى تحبّها مختلف الشعوب العربية بشكل عام، ويبدعون فى إعدادها وتحضيرها، ينفرد مطبخ كل دولة بإضافة خصوصياته الذوقية عليها ليكسبها هويته الخاصة، إنما دون أن يعرفوا من هو داوود باشا الذي سُمّيت هذه الأكلة على إسمه.
لكل من يتمتع بأكلة "داوود باشا"، سنعرفه على أصلها وفصلها وسبب وسر تسميتها.
**
•أصل كلمة كفتة:
"كوفتة" هي كلمة فارسية الأصل، وتعني "مسحوق"، لذلك أطلقت على اللحم المفروم والمضاف إليه التوابل والبصل والبقدونس، بعد سحقهما وخلطهما ببعض، وقد يضاف إليه الارز أو لا، ثم تشوى على الفحم، أو تقلى في الزيت فتأكل مقلية، أو تطبخ مع صلصة البندورة مضاف إليها شرحات البصل والبطاطا والبندورة والفليفلة، بعد قليها لتصبح قطع اللحم ناعمة تذوب في الفم.
**
•أصل "الداوود باشا":
أصل هذه الطبخة من القسم الغربي للدولة العثمانية يوم كانت تحكم البلقان وهنكاريا، واسمها المعاصر "كولاش" (Goulasch) عن اسمها القديم "كولياش لڤش" (Gulyásleves) من اللّغة الهنكارية الذي يعني "حساء الرعاة"، بينما اسم الأكلة الأصلي القديم من الهنكارية-العثمانية هو "باكراجش-كولياش" (bográcsgulyás) حين استعار الهنكار كلمة "باقراچ" العثمانية والتي معناها "قِدر كبير من النحاس" ليصبح معنى الاسم القديم طبخة "طاجن الرعاة".
أما في القسم الشرقي من السلطنة العثمانية قام الطهاة بفرم اللّحم فرماً ناعماً وتحويل القطع إلى كرات كفتة، ومن ثمّ طهوها بطريقة الكولياش، فصارت الوجبة أسلس أكلاً وهضماً. لاحقاً أضيفت البندورة في بغداد مع انتشار هذه الثمار المستوردة خلال القرن 19.
**
•سبب التسمية:
يعود أصل كفتة "الداوود باشا" إلى أيّام السلطان العثماني محمود الثاني في القرن التاسع عشر، والذي عَيّن على بغداد الوالي المملوك داوود پاشا.
وأثناء حكمه لبغداد كان داوود پاشا، يفضّل هذه الأكلة، فكانت أكثر الوجبات التي يطلب من الطهاة إعدادها باستمرار، إذ لا يمل منها ويأكلها كل يوم. وذات مرّة أخطأ أحد الطهاة فى المقادير أثناء إعداده الكفتة لداوود باشا، فلم تعجب الوالى، ومن كثرة حبّه لها قام بمعاقبة الطاهي الذى أعدّها، ومن هنا صارت تسمّى على اسمه كفتة "داوود باشا".
في حين أن رواية أخرى ترجع التسمية بعد دخول العثمانيين إلى مصر، حكمها 129 والياً خلال تابعية مصر للسلطنة، ومنهم داوود باشا الذي حكم مصر لمدة 11عاما.
الحقيقة أنه لم يخترع تلك الأكله ولكنه كان مولعا بها لدرجة أنه كان يأكلها يوميًا، فهناك من يقول إن الكفتة عرفها المصريون خلال فترة حكم الفاطميين الذين تفننوا في إعداد وتقديم الطعام، ولكنها كانت تقدم على أنها وجبة لذيذة تعد من اللحم رخيصة الثمن يمكن تناولها في أي وقت، وليست الكفتة التقليدية التي ارتبطت باسم "داوود" وعاشت حتى اليوم.
وكعادة الفاطميين التي استمرت بعد زوال حكمهم.
ومن شدة ولع الوالي داوود بالكفتة، فكان يأمر طباخيه بأن يضعون خاتما من الفضة في إحدى كرات الكفتة، حيث كان من يجده فى فمه أثناء تناوله الكفتة يصبح صاحب حظ وفير ويصبح الخاتم من نصيبه.
وعن شهرتها وارتباطها باسمه، فهناك حكاية تعود إلى أنه في ذات يوم أخطأ طباخ داوود باشا في مقادير إعداد الكفتة للوالي، فقام بمعاقبة الطاهي عقابًا اشتهر وحلف به المصريون، ومن هنا ارتبط الكفتة باسم "داوود باشا".
**
إذن، من خلال العثمانيين، إنتشرت أكلة "داوود باشا" أو "الكولاش" في عموم الشرق الأوسط ووسط أوروبا، حتى أصبحت من الأطباق الأساسية، خصوصاً وأن باتت تعتبر من الأكلات التراثية في مطابخها.
**
*باحث في التراث الشعبي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.