زياد سامي عيتاني*
في مثل هذا اليوم من العام ١٩٨٩، إغتالت يد الإجرام والظلام التي لا تجيد إلا الإغتيال السياسي والجسدي والإبادة الجماعية والفردية وتعميم الفوضى والحروب والفتن، إغتالت الشهيد المفتي حسن خالد!!!
بإغتيالها للمفتي الشهيد، إغتالت:
مفتي الوحدة والشراكة الوطنية، مفتي العيش المشترك،
مفتي السلم الأهلي،
مفتي الإعتدال والوسطية والتنور، مفتي الإنفتاح والتلاقي والحوار،
مفتي السيادة والإستقلال، الرافض لكل أشكال الهيمنة والتبعية،
مفتي الوطن، كل الوطن، الذي كان جسر عبور، بين كل مكوناته المجتمعية والدينية،
مفتي الكلمة والموقف،
مفتي الحق والحقيقة،
مفتي المحبة والتسامح،
مفتي لبنان، الذي فتحت بكركي أبوابها لتقبل التعازي بإستشهاده...
فلبنان حسن خالد..كان لبنان الوطن والكيان؛ لبنان الميثاق؛ لبنان الصيغة؛ لبنان دولة الدستور والمؤسسات؛لبنان التعدد؛ لبنان الرسالة الحضارية؛ لبنان مثال العيش الواحد؛ لبنان النموذج الفريد بين الشرق والغرب؛ لبنان التمايز في محيطه؛ لبنان حوار الحضارات والأديان؛ لبنان الإبداع الثقافي والنتاج الفكري؛ لبنان المناصفة؛ لبنان العدالة؛ لبنان الوطن النهائي لكل أبنائه...
لذلك، إغتيل مفتي كل الجمهورية اللبنانية!!!
فإغتيال المفتي الشهيد حسن خالد، الذي تصدى بصلابة وإيمان الرجال الرجال لكل المشاريع والمؤمرات المعادية للبنان الوطن والدولة، أسس إغتياله لمرحلة إغتيال لبنان الذي آمن به المفتي خالد وإستشهد في سبيله ومن أجله!!!
إغتيال المفتي الشهيد، كان الهدف منه إغتيال الدور التاريخي لموقع الإفتاء على الصعيد الوطني الوحدوي، وعلى صعيد ترسيخ إنتمائه وهويته لعمقه العربي ببعده القومي، وكذلك جر الطائفة السنية التي كانت ضمانة ومدماك هذا الدور إلى أتون الحروب العبثية-المدمرة، بهدف الإنقلاب على دورها التاريخي من خلال إستدراجها إلى الصراع الطائفي (ولاحقاً المذهبي) المصطنع بين اللبنانيين وعلى أرضهم، بفعل تأجيج (جهات الإغتيال نفسها) لهذه الصراعات البغيضة وتمويلها وتبريرها وتغطيتها وتوقيتها وتحريكها، كلما دعت مصالحها التفاوضية على تغيير الخارطة الجيو-سياسية للمنطقة ذلك.
فمنظومة القتل والإجرام الدموي تتلاقى وتتقاطع وتتماهى لعبتهم الجهنمية مع مصالح العدو الإسرائيلي في تأجيج الصراعات والحروب الطائفية والمذهبية والعرقية والإثنية بين الدول العربية وداخلها، لتأسيس كيانات مصطنعة ومستقلة عنها، ومتنافرة فيما بيتها، ضمن مشروع "جيو-عنصري" لحكم نظام الأقليات في المنطقة على حساب الدول المركزية والعلاقات العربية المشتركة المستقرة والتكاملية فيما بينها؛ بهدف منح وإعطاء التبرير وجوديا الآمن للكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين العربية، لشرعنة وقوننة دولته الدينية العنصرية التلمودية المزعومة، من خلال تمرير نظام إقليمي جديد يغير وجه المنطقة بأسرها، ويقضي على كل الأمال والتطلعات، بآستنهاض أي مشروع عربي عصري-نهضوي-تنموي، يكون قادراً على مواكبة المتغيرات ولعب دوراً أساسياً وطليعياً في المحافظة على تماسك ومركزية الأقطار العربية وصون وحدة شعوبها على قاعدة الإنتماء الوطني والقومي.
وما تشهده الأمة العربية وبلدانها منذ سنين مديدة من صراعات وحروب تدميرية دموية شاملة تندرج في السياق المعد والمرسوم لتنفيذ مشروع مؤامرة العصر.
لكل هذه الحيثيات والمعطيات، فإن إغتيال المفتي الشهيد حسن خالد، لم يكن إغتيالاً لأعلى مقام ديني للطائفة الإسلامية الجامع وطنياً في لبنان، بل مقدمة لآغتيال لبنان الدور والوطن والكيان والبعد العربي، الذي ما يزال والإقليم يعيش تداعياته الكارثية!!!
*إعلامي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.