محمد نمر - رئيس تحرير موقع "لبنان الكبير"
الحكومة بهل اليومين؟”… هو السؤال الأكثر تداولاً بين لبنانيي “بلاد جهنم”، خصوصاً بعدما ضخّت الماكينات الإعلامية معطيات توحي بإيجابية في التشكيل، وأن مبادرة “الثنائي الشيعي” التي يقودها الرئيس نبيه بري تسلك طريقها نحو تذليل العقد، لكن أيها المواطن اللبناني التعيس، عليك أن تعرف أن لا إيجابية ولا “من يحزنون” وأن هناك من يستغل واقعك لتحقيق مكاسب سياسية… فعملية التشكيل لا تزال معقّدة طالما “الطائفية” تحكم ممارسات رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يواصل رحلة تجاوز الدستور، وآخرها تقديم تشكيلتين للبطريرك بشارة الراعي… ولا ينقص إلا أن يكلّف عون نفسه رئيساً للحكومة ليكتمل مشهد “استعادة حقوق المسيحيين”!
عن أي إيجابية تتحدثون وهناك من فتح أقفال غرف التحريض والحقد الطائفي والكذب والفبركة. من الجيّة الى البياضة، غرفة واحدة انطلقت في بث الشائعات، وبعد سقوط آخرها (اختطاف الرئيس الحريري في الإمارات)، راحوا إلى تغريدات التشويه. وللملاحظة لا بد من التسجيل أن ضربة عونية جديدة للعلاقات اللبنانية الخليجية، إذ تؤكد المصادر انزعاج القيادة الإماراتية من الفبركات العونية الأخيرة.
سقطت كل غرف الشائعات التي تلاحق الرئيس الحريري، وليس على ماكينات بثّ الأجواء الإيجابية إلا أن توقف محركاتها لأنها تعمل “على الفاضي”، فهو ترويج يُراد منه باطل. فأي إيجابية هذه ورئيس الجمهورية يقدّم تشكيلتين “عونيتين” للبطريرك بعد أيام من خطاب السيد حسن نصرالله، وحديثه عن “الاستعانة بصديق؟”.
مصطلح يذكّرنا ببرنامج “من سيربح المليون؟”: “الاستعانة بصديق أو حذف خيارين أو الاستعانة بالجمهور”.
تمت الاستعانة بـ”الصديق بري”، فصبّ الجميع تركيزه على عقدة تسمية وزيرين مسيحيين. منهم من يروّج بأن البطريرك سيسميهما، وآخر يتحدث عن تسمية تخرج من كنف مسيحيين آخرين، فيما عون يرى أنه المعني بتسمية كل المسيحيين، وكأن هذه الحكومة لا رئيس مكلفاً لتشكيلها، وكأن هذا الموقع الدستوري غير موجود أو بات مقتصراً على المسلمين السنة فقط… إنها محاولة جديدة وواضحة لاغتيال الدستور، و”الدعس” على خيار مجلس النواب الذي كلّف شخصية محددة لتشكّل حكومة كل اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين…
والأكيد أن أحداً لم يُعلم الرئيس المكلف بأي طروحات إيجابية أو أجواء توحي بالحلحلة أو بليونة لدى رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة، فغاية العونيين واضحة وراء الحملة التي تستهدف الحريري، بإطلاق الشائعات عن وضعه في الخارج، وهي الهرب من “الثقيل” الذي تلقاه رئيسهم و”وطاويط قصره”، في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب.
واللافت والغريب فعلاً، أن بعض القوى السياسية تستجدي رضا الرئيس عون بشكل مباشر أو غير مباشر، بحيث يتحاشون “زعل” رئيس الجمهورية ويشاركون في تمويه الحقيقة أو التغاضي عن سلبيات الموقف العوني الذي كان ولا يزال يتحمل مسؤولية تعطيل تشكيل أي حكومة برئاسة الحريري.
وبحسب المتابعين لنشاطه فإن “حزب الله” لم يقم حتى اليوم بالضغط المطلوب على حليفه، وحاول أمس أن يوحي أنه يقوم بالواجب عبر التمويه بأنه أرسل موفدين منه إلى باسيل، واضعاً قناع “أبو ملحم”، فيما الحقيقة أنه يرميها على الرئيس بري، ويخشى أن تتسع رقعة المطالبة بانتخابات نيابية مبكّرة التي كانت عنوان “الفيتو الأول” على المبادرة الفرنسية.
من جهتها ترى مصادر نيابية أن الرئيس بري يفعل المستحيل لتشكيل الحكومة تفادياً لأي استقالات تطال مجلس النواب، فيما يتماهى رئيس “الاشتراكي” مع هذا الموقف ويطرح معادلة التسوية التي كان أول المطالبين بوقف العمل بها. وتذكّر المصادر بأن التسويات تكون عادة بتنازل من الطرفين، كلّ يضحي لأجل هذه الجمهورية، وبعد ليونة الحريري بتوسيع حجم الحكومة، ما التنازل الذي قدّمه عون حتى اليوم، سوى المزيد من تجاوز الدستور، وفائض من الانفصام؟
بدأ الحديث عن حكومة (8 – 8 – 8)، فبأي حق يأخذ رئيس الجمهورية حصة من 8 وزراء، فيما الدستور لا يعطيه حق الحصول على وزير واحد؟ ولماذا هكذا حجم وحصة طالما أن رئيس “التيار الوطني الحر” أعلنها صراحة بعدم اعطاء ثقة للحكومة وعدم المشاركة فيها؟
غرائب السياسة كثيرة لكن أغربها ميشال عون وصهره جبران باسيل، وهي باتت مملة ورتيبة ومقرفة جداً في هذا “العهد القوي”. الواضح الوحيد حتى الآن، انهم يريدون حكومة على “معاييرهم” وليس على قياس البلد ووضعه وواقع اللبنانيين.
ومعاييرهم تعني ببساطة حكومة طوابير يقف وزراؤها بالصف أمام مكتب جبران باسيل لأخذ البركة والرضا، حكومة تشبه حكومة بشار الأسد حليفهم، ولكن فات عون وباسيل ومن خلفهما أننا في لبنان وليس في إيران أو سوريا، وإلغاء مكون لبناني أساسي تروي دماء رجالاته أرض البلد لن يمر مرور الكرام.
كل طرف يريد أن تتشكل حكومة “بأي ثمن” من أجل أن يحمي موقعه. وهم أنفسهم “يتسلون” بحكومة الرئيس حسان دياب من دون أن يحققوا أي نتيجة إيجابية لمصلحة المواطنين.
و”يتسلى” رئيس الجمهورية بـ”المجلس الأعلى للدفاع” ليشبّع “العونيين” بصور وفيديوات تظهر أنه “قائد البلاد والعباد”. تسلية متواصلة تعني أنهم لن يسهّلوا تشكيل حكومة فعّالة، بل سيستمرون بهدر “الفرصة الثمينة جداً، والنادرة جداً، والتي لا تعوّض” لإنقاذ البلد وأهله، خصوصاً أننا على بعد سنة من الانتخابات النيابية. وإن حرق المزيد من الوقت يعني إعدام فرص وضع لبنان على سكة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وقطع ما تبقى من حبال أمل بالاصلاحات، في وقت بات فيه المواطن يرقص الدبكة اللبنانية أمام محطات المحروقات، فقط لأنه ملأ خزان سيارته بـ”ليترات” من الوقود… وأمام هذه الصورة المذّلة للبنانيين يومياً جراء احتجاز الأمل في القصر الجمهوري… أقله “نصبّحكم بالخير” ونسأل “كيفكم اليوم؟”.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.