14 آب 2021 | 12:25

أخبار لبنان

خُطبَةُ البطريرك أبعدُ من أحداث ممكن تجاوزها

خُطبَةُ البطريرك أبعدُ من أحداث ممكن تجاوزها

ضيف النهار - رفيق ابي يونس




كان يُمكن احتسابَ موقف البطريرك الرّاعي الاخير، تعليقًا على إطلاقِ صواريخِ حزب الله من ‏الجنوب، وعلى مواقِفِ مُشابهة، ساقَها طيلَةَ العام المُنصرم، في سياق الاعتبارات التقليديَّة ‏للبطريركيَّة المارونيَّة، والمُتَّصلة بخياراتِ لبنان الوطنيَّة العامَّة، حِفاظًا على الكيانِ والدَّولة ‏والتوازنِ الوطني.‏

‏ ‏

وكان يُمكنُ فهمَ هذا الموقفُ على أنَّه تعبيرٌ عن التحفُّظ المسيحيّ المألوف، إبَّان الازماتِ الكبرى ‏المفتوحة، على إعادة النظر بموقع لبنان ودوره عربيًّا واقليميًّا ودوليًّا. وإنَّ السقفَ المرتفعَ في ‏خطبَةِ البطريرك الأخيرةِ والتحديدات التي كثيرًا ما كانت تبتعدُ عنها مواقف الكنيسة المارونية، ‏بل مختلف الكنائس المسيحية، لا تُشكِّل جميعها، سببًا للانفعال وردود الفعل والتعبئة المُركَّزة ضد ‏البطريرك.‏

انَّ مثلَ هذه التعبئة التي دُبِّرَ الجزءُ الاكبرُ منها، بعد بحثٍ مستفيضٍ في الدوائر المُغلقة، وتحوَّلت ‏الى نفيرٍ لدى مواقع التواصل، تبيَّنَ أن بعض رُوَّادها هم من عداد الكوادرِ عند حزب الله، ‏يُعبِّرون عن مواقف توجيهيَّة، فيما الاغلبية هي من القاعدة الاوسع التي تلتقط هذا التوجيه. كلُّ ‏ذلك، لم ينفِ الحاجةَ، الى بعضِ المواقفِ التي تصدرُ عن مراجعَ في المجلسِ الاسلاميِّ الشيعيِّ ‏الاعلى، لِتَعطفَ إيحاءاً، موقفَ نبيه بري على مواقف حزب الله، خلافًا لرغبة رئيس المجلس ‏النيابيّ. ويمكن ملاحظَةَ ذلك بوضوحٍ اكثرَ، من الجاهزيَّة والحضورِ الفوري على الشاشاتِ، لعددٍ ‏من الاعلاميين المُتفرِّغين لمواكبة حزب الله، والذين غالبًا ما يبدؤون اطلالاِتهم المُنسَّقةِ وِفقَ ‏نغمةِ غَدَت مفهومة: نحن لسنا حزبيين!‏

‏ ‏

عندما تدخلُ الحملَةَ على البطريرك، ضمنَ البرنامجِ المَركزيِّ لاطرافِ المُمانعةِ، بقيادة حزبِ ‏الله، يُصبح السؤالَ، هل الذي يتضمنُّه المشهدُ العامَ من هذه الزاوية، هو مجرَّدُ سجالٌ يُفتحُ ‏ويُقفلُ، ويبقى متصلًا فقط بموضوع الحدث الذي اقتضاه؟ أم انَّه يأتي في لحظةِ تحوُّلٍ عميقٍ، ‏يُسقِط الابتهاجَ بِنَطريّة " كَيّ الوعي"، وصولا الى استعادة الوطنيَّة اللبنانيَّة عناصرَ قوَّتَها ‏ورسوخَها في الوجدان اللبنانيّ، بعد انكشافِ كلُّ ما يخالفُها من دعواتٍ وافكارٍ، وتَسيُّبٍ في ‏الثقافَةِ السياسيَّة والوعي الوطني!‏

‏ ‏

هل إنْ الانكارَ والاصرارَ لدى البعض، على أنَّ لبنانَ، يُمكن ان يكونَ بلدًا لاهله، في الوقتِ الذي ‏يُمسكُ بقراره في الجنوب سلاحٌ غيرُ شرعيِّ وفي الداخِلِ امرُ واقعٍ يقودُه هذا السلاح؟ وهل إنَّ ‏تلوينَةَ المَشاربَ المختلفةَ دفاعًا عن هذا السِّلاح، ما زالت قادرةً على التغطيةِ على انَّه شرعيٌّ ‏وغير مذهبيّ، وغيرَ مُرتبطٍ بما يُخالف المصالح اللبنانية العليا؟

‏ ‏

اذا كانت بعضُ الاطرافِ الدَّاخليَّة قد استهواها التحالفَ مع حزب الله، طريقًا وحيدًا للامساك ‏بالسُّلطة، فهل هي قادرةٌ بحالةِ تجميعِ القرار بيَدِ حليفها، على حمايةِ الدولة من السقوطِ في الداخل ‏والخارج؟

‏ ‏

لقد تقدَّمتِ البطريركيَّة المارونيَّة على كلِّ الذين كان من المفروضِ أن يَعْنيَهم الامر، حيثُ تخلَّفَ ‏المُطالَبون بمراجعة خياراتِهم، كما هدأ وترصَّن كلُّ مَن اعتبر ان الازمَةَ مُستعصيةٌ، لا يَنهضُ ‏بها الا الخارج، حربًا او سلمًا. في حالة حزب الله والتيار الوطني الحر، كبُرَ مازقُ قيامِ الدولة ‏وزادت صعوبةُ استمرار التحالف. كان على حزب الله ان يُدركَ، ان تعطيلَ الحياةَ الدستوريَّة ‏لفرضِ حليفِهِ رئيساً للجمهوريَّة، هو مغرٍ للتحالف، وان لم يَكن رؤيويًا، سيَّما عندما جاء تتويجًا ‏للتوغل في الدولة والابقاء على السلاح. والتيار الوطني لم يقرأ الفارق الكبير بين القُربِ والبُعدِ ‏من السلاح غير الشرعي، وبين الدفاع عنه في الامم المُتَّحدة بشخصِ رئيسِ الدولةِ، وفي الجامعة ‏العربيَّة بصوت وزير الخارجيَّة.‏

لم يكن للكلامِ البطريركيّ التاثيرَ الذي بلغه، لو لم يكن هذا التحالف موضوعيًّا، قد وصَلَ الى ‏طريقِ الاستحالة، بين مشروعِ الدولةِ وبين السِّلاحِ المقاوم، استحالةٌ لم تكن ساطعة قبل شراكة ‏حزب الله في الحكومة، وقبل ان تبلغَ قدرته، حدودَ انتاجِ الحكوماتِ والرئاساتِ الثلاثِ والاهم ‏رئاسة الجمهورية. الدرايَةُ لم تعد كافيةً من خلال الاشارةِ الى الصوارخِ اللقيطةِ في الجنوب، ولا ‏من خلال الافتراقِ في المجلس النيابي حول الحصانات.‏

لقد اعتقدَ كثيرون عندما امتزجَ بريقُ العماد عون بِبَريقِ السيد حسن نصرالله، ان الموارنةَ في ‏جبل لبنان، غدا يطيبُ وهم يستمعون الى زعيم المقاومة كأنَّهم يستمعون الى كميل شمعون، وان ‏الشيعة في جبل عامل تستهويهم خُطب الرابيةِ بقدر مثابراتهم على التقاط توجيهات الضاحية. ولم ‏يدرك الطرفان، أنَّه إذا كان التحالفَ من خارج النظامِ ممكنًا ومصدرَ قوةٍ، فهو من داخل الدولة ‏يُحتِّم فشلَ رئيس الجمهورية في حماية الدولة او يفرض على السيد حسن تدبيرَ امر السلاح.‏

ليس قليلًا، في سياق افتضاح هذا الإلتزام المتبادل، ان يتعاطى رئيس الجمهورية الماروني وتياره ‏الاقوى عند المسيحيين، حتى اشعار الانتخابات المقبلة، مع مباردة رئيس فرنسا رافعةَ لبنان ‏الكبير، ودور المسيحيين فيه كما رغَبَ اليه زعيم المقاومَة المُسلَّحة التي ترسم سياستيْ لبنان، ‏الدفاعية والخارجية.‏

لقد ساد اعتقادٌ متعجلٌ ان رحلة الوعي المسيحيِّ، التي تناقضُ هذا الكيان، مهما عَظُمَت الاهدافِ ‏البديلة، هي رحلةُ ذهابٍ بلا عودةٍ، ولو صحَّ هذا، كان يعني شيئا وحيدًا، انَّ الدورَ الذي اطَّلع به ‏المسيحيُّون، ولم يغفل اهميتَّه سائر اللبنانيين والعرب، كان قد اصبح سرديَّةٌ تاريخيَّة ليس الا. لقد ‏صبَر البطريرك صفير رحمه الله، على الضَّيْمِ اللبنانيِّ منذ انتختبات 1992 حتى عام 2000، ‏متضامنًا خلال تلك الفتيرةِ، في معركة تحرير الجنوبِ، حيث كانت معركة كل اللبنانيين وكل ‏العرب. وحيث كانت المقاومة بغنىً عن تحالفاتٍ فئوية. تبيَّنَ لغبطته بعد التحرير، انَّ طغيانَ ‏السياساتِ الاقليميَّة، يدفعُ بهذا الانجازِ التاريخيِّ لسدِّ الافقِ امام عودة لبنانَ الى اهله، مسيحييِّنَ ‏ومسلمين. ولم يُوقفه احتسابَ ميزانِ القوى عن قيادة معركة استقلال لبنان.‏

‏ ‏

تعايشَت البطريركيَّة المارونيَّة في عهدِها الراهن، عهدَ البطريرك الرَّاعي، من مدخل الحرص ‏على الاستقرار، طيلة العقد المنصرم، مع العطب البنيوي المانع لقيام الدولة. التبس الموقف ‏المسيحي في الخارج والداخل، وشكل اضافة لانسداد الافق. وجدت البطريركية المارونية نفسها ‏في صلب المبادرة لاستعادة الرسملة المسيحية والوطنية من داخل هذا العطب.‏

‏ ‏

موقف البطريرك الراعي ليس عابرا ولا يتصل بحدث ممكن تجاوزه. انه واحدٌ من الاجوبة ‏الكبرى عن اسئلة كثيرة في لحظة التحول. لهذا تتواصل التعبئة الفئوية ضده، وتحتضن موقفه ‏المساحة الوطنية اللبنانية الاوسع.‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

14 آب 2021 12:25