قفا نحك
راشد فايد - النهار
تضطرنا الأيام، أحيانا، إلى الإقرار، متأخرين، بصواب ما استهجناه في أوانه. من ذلك، وبعدما ينوف على ثلاثة عقود، طرد قائد التمرد على "اتفاق الطائف" رئيس الحكومة العسكرية "البتراء" (بالإذن من الرئيس نبيه بري الذي نسبها إلى حكومة الرئيس فؤاد السنيورة). يومها، كان وحده من لا يرى كيف يُرسم مصير العراق وصدام حسين، وكيف استنفر غزوه الكويت كل قوى الأرض، وأصر على الإستقواء به، في الوقت اليائس.
التاريخ يعيد نفسه، مرة مأساة، ومرة مهزلة. أما هو فيخلط الهزل بالمأساة، ويكرر أوهام "قصر الشعب"، لكن على مساحة الوطن، وليس "المنطقة الشرقية" وحدها: يغامر بالبلد والطائفة والمصلحة الوطنية، في مواجهة أميركا وأوروبا، وعلى رأسها "الأم الحنون" فرنسا، والعرب أجمعين، وأكثر من نصف اللبنانيين، إن لم يكن جلّهم، مطمئناً إلى أن معه الأسد وطهران وحزبها.
والتاريخ يعيد نفسه، أيضا، في منحى آخر: كُلّف بترؤس حكومة انتقالية، انتظارا لانتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت، خلفاً للرئيس امين الجميل، فإذا به يخون الأمانة الدستورية ويستعصي في بعبدا، برغم الشرعية المحلية والعربية والدولية لـ"اتفاق الطائف" الوليد، ويشن حربين مدمرتين باسم التحرير والإلغاء، والدمار والخراب. واليوم وصل إلى رئاسة الجمهورية بفضل "تفاهم معراب" وذكرى ميلاده في "بيت الوسط"، وكما انحرف في الثمانينات عما يعلن، وبدل أن يجهد لترميم البلاد بحكومة فاعلة وقادرة، بدا كأنه انتخب رئيسا ليمنع تشكيل حكومة، وليمعن في التنكيل بـ"الطائف" عدوه الشخصي، فيما حليفه أمين عام "حزب الله" لا يقصر في إعلان ازدراء وإزدراد دولة الجنرال، الذي لم يسمع خطاب النفط الشهير وما حواه من مسح الأرض بدولة "العهد القوي".
ولأنه غارق في الحقد على "اتفاق الطائف" لا يرى الإستهتار بدولة لبنان إلا من جهة بعينها: من مواطن غاضب على سرقة قوته وحقه في العلم، وأم تبحث عن جثة ابنها شهيد انفجار المرفأ، بينما لا يلفته غياب علم لبنان عن لقاء وفده في سوريا، وفيه وزيرة متعددة الوزارات، ووزيرين آخرين، استعجلوا شكر دمشق على مرور الغاز المصري عبر أراضيها، بعد الأردن، كأن القرار منّة منها، وليس أمراً أميركيا لا راد له، وافقت عليه موسكو وبيجين... والباقي تفاصيل أملتها الجغرافيا. اللافت أن 13 شهراً على استقالة حكومة الدكتور حسّان دياب وتسمية رئيسين لخلافته، لم تتح "نعمة" رضاه على اللبنانيين ولبنان بولادة حكومة قد توقف تهاوي البلاد، ما يجعل كل السيناريوهات ممكنة: هل يعمل لتمديد ولايته؟ أم يمهد لصهره الخليفة؟ أم يسعى إلى مؤتمر تأسيسي ينشر تحالف الأقليات في المنطقة، وهي “تهمة حليفه الأسد بالأمس لخصومه من دون داعٍ؟ إلا إذا "كاد المريب يقول خذوني"؟
ستظل الأسئلة معلقة، وسيزداد ندم النادمين على المجئ به الى الرئاسة، وحجة الإذعان لسلاح حليفه الحزب ليست كل الحقيقة: لم يستخدم غاندي اللاعنف عبثاً. لو فعلتم مثله يوم 7 أيار لما وصلنا إلى هنا. إسألوا التاريخ.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.