ميرنا منيمنة
إن "السياسات" التي انتهجتها الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان، والتي أنتجت "انتصاراً" مبيناً لطالبان، وبسطاً لنفوذها على الدولة،لها دلالات مختلفة بالنسبة لإيران. فهي من ناحية تعتبره "فشلاً" للسياسات الأميركية في العالم الإسلامي، ومن ناحية أخرى تستفيد لتعزيز موقعها تجاه شركائها وحلفائها في الشرق الأوسط، معتبرة أن الوقائع اثبتت بأن واشنطن ليست الشريك الذي يُعتد به. ولكن دون هذه الإنتصارات غير المباشرة والآنية لطهران من الناحية الجيو -سياسية والعقائدية، محاذير قد ترتد سلباً على أمن إيران على المدى الطويل، عند بروز مصالح طالبان الإقليمية، والتي ستشكل تحدياً جديداً لطهران.
بدأت ملامح القلق الإيراني بالظهور مع تشكيل الحكومة الطالبانية، التي لم تضم أياً من الوجوه المقربة منها(الهزار). أضف الى ذلك كون " الهيكل التنظيمي للمجموعة غير واضح المعالم، ويكتنفه الغموض وهذا يشكّل ارتياباً لدى إيران"وفق فاطمة أمان الباحثة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن". كما أن البعد الجيو- سياسي الذي اعتمدته إيران في علاقاتها مع محيطها، سوف يجعل للعلاقات الثنائية بين إيران وأفغانستان، التي لطالما كانت مستقرة، أبعادا مختلفة حيث أن إيران سوف تسعى لزيادة نفوذها، عبر وكلائها الداخليين لتوسعة هامش تأثيرها وتحركها، عند إستشعار أي تهديد لها.
لكن هناك الكثير من الأولويات التي تتشاركها إيران مع أفغانستان، أهمها أمن الحدود (945 كليمومتراً) وتهريب المخدرات والهجرة غيرالنظامية، التجارة والترانزيت (حوالي 8% من إجمالي صادرات إيران) والمياه المشتركة. "هذه المصالح المشتركة يمكن أن تكون مجالاً للتعاون الإستراتيجي، ويمكن ان تكون فتيلاً لتفجير العلاقة بين البلدين" كما يشرح وزير الداخلية الافغاني والسفير السابق علي أحمد جلالي الذي يشير الى أن "مسألة المياه المشتركة بدأت تظهر بوادر خلاف". ويضيف :"التطورات السياسية في البلدين، تحكمها بشكل ما علاقة كل منهما بقوى خارجية، وتوتر العلاقة بين البلدين لا يخدم المصالح الوطنية لكليهما، فضلاً عن أن الاختلاف العقائدي مصدر إحتقان و توتر ". أما العامل المشترك الأبرز بين نظام طالبان وإيران فهو "الإتجاه شرقاً" نحو "الصين ".
كان ذلك عند استقبال وزير الخارجية الصيني لقادة طالبان، حتى قبل استيلاء المنظمة على كابول، وإعلانها "التوجه شرقا نحو الصين" بصورة أساسية، للحصول على الأموال والإستثمارات الضرورية لإنعاش الاقتصاد الأفغاني" )76 كيلومتراً من الحدود المشتركة).
أما من جهة إيران ، فلقد عزز صعود ابراهيم رئيسي لأعلى هرم السلطة التنفيذية الإيرانية، نظرية "الاتجاه شرقاً" ، هو الذي كان قد دعا الى ذلك خلال حملته الإنتخابية من اجل أنعاش الإقتصاد.
يأتي ذلك تأكيداً لما كان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي، قد صرّح به في ما يخص تجربة حكومة الرئيس السابق حسن روحاني، والتي اعتمدت انفتاحاً نسبياً على القوى الكبرى بما فيها الولايات المتحدة، والتي أثبتت أن "الثقة بالغرب لا تنفع".
وكان علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية، قد أكّد على هامش حفل تنصيب رئيسي " أن أولوية حكومة رئيسي يجب أن تكون "التطلع إلى الشرق" و "التعاون والعلاقات الاستراتيجية مع الصين والهند وروسيا "، والتي يمكن أن" تساعد اقتصادنا على إحراز تقدم"".
وكانت إيران قد وقعت مع الصين في وقت سابق معاهدة استراتيجية متعددة الأبعاد لمدة 25 عامًا، وهي بصدد عقد صفقة مماثلة مع روسيا في المدى القريب.
أما الحدث الأكبر فتمثّل بقيام رئيسي بأول زيارة خارجية له إلى عاصمة طاجيكستان دوشنبه، للمشاركة في قمة منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، التي تعتبر حالياً أكبر تحالف سياسي واقتصادي وأمني أوروآسيوي، وتمّ قبول عضوية إيران الكاملة فيها .
والمنظمة هي الأكبر في العالم من حيث النطاق الجغرافي والسكان ، وتغطي ثلاثة أخماس القارة الأورواسيوية، و40٪ من سكان العالم، وأكثر من 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، إضافة الى قدرة الطاقة واحتياطيات موارد النفط والغاز، مما يُؤمن التقارب الإقتصادي والتنمية المتبادلة لجميع أعضاء المنظمة، يحكمها مجلس رؤساء الدول وتجتمع مرة واحدة في السنة.
من أهم أنشطتها إجراء التدريبات العسكرية بانتظام بين الأعضاء، لتعزيز التعاون والتنسيق ضد الإرهاب والتهديدات الخارجية الأخرى، والحفاظ على السلام والإستقرار الإقليميين. أما السمة الثابتة لمنظمة شنغهاي للتعاون فهي مواجهة "الشرور الثلاثة" الإرهاب والانفصالية والتطرف.
من الناحية العملية، فإن عضوية إيران في هذه المنظمة تعزز موقعها الإقليمي والدولي بطريقة فعالة ومرغوبة، إذ أن اثنين من الأعضاء التسعة الرئيسيين في المنظمة (الصين وروسيا)، يملكان حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
كما أن عضوية الهند كقوة إقتصادية كبيرة وناشئة، والتي عادة ما تكون عضوًا غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وإحدى القوى الإقليمية والعالمية الرائدة، هي أيضًا مهمة للغاية بالنسبة لإيران.
في المقلب الآخر، هناك من يجد لهذه المنظمة أهدافاً أخرى ومختلفة، عن الإستراتيجيات الأمنية والإقتصادية . يرى بعض الباحثين أنّ منظمة شنغهاي للتعاون، تروّج للقواعد الإستبدادية في آسيا الوسطى، و تمنع التحول الديمقراطي في المنطقة، و تتعاون فيما بينها للدفاع عن نفسها ضد الإتجاهات الديمقراطية الإقليمية، أو العالمية حيث يصبح القادة الإستبداديون، أكثر جرأة في رفضهم للمعايير الديمقراطية، حسب دراسة أجراها جوناثان فولتون وهو أستاذ مساعد في العلوم السياسية بجامعة زايد في أبوظبي.
فهل تطيح "روحية شنغهاي" بالتطلعات الليبيرالية "لشعوب هذه المنطقة، وهل هذا ما تسعى اليه إيران لحماية نفسها داخلياً، وإخماد معارضات الداخل والخارج ومنع أي تغيير في نظامها ؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.