نحن في بلد لا يشبه البلدان، وفي دولة غائبة لا يمكن تسميتها بدولة. وأصغر دمعة عند عجوز محروم من الحياة ومن آخرة كريمة، أو من طفل ينام جائعا رغم أن أهله حرموا أنفسهم من اللقمة ليطعموه، أهم من أكبر منصب يلهث وراءه الطامحون.
إنه الانهيار الفعلي، اقتصاديا وسياسيا وسياديا وأخلاقيا وعلى جميع المستويات، ولا يمكن حتى إعلان لبنان دولة فاشلة، لأن العالم لا ينظر إلينا إلا بعين الشفقة بين الحين والآخر، وبعين الشماتة أيضا، لأن اللبنانيين أنفسهم ليسوا قادرين على حل أزماتهم.
لا تكفي ثورة لتريح الناس مما هم فيه، وهذا ما يبرر عدم التمكن حتى هذه اللحظة عدم تحرك الشعب من جديد، لأنه يدرك أن ما من تغيير يمكن أن يحصل على يد من تسبب بالأزمة.
أنظروا إلى الناس أين أصبحوا. تحت الجسور في الشتاء، وفي منازل باردة مظلمة من دون كهرباء، يضاف إليها تقنين المولدات، أنظروا إلى الناس يفصلون الأسعار بين متجر وآخر لأن الجوع يعوي في المنازل والأطفال المحرومون من التعليم بسبب الغلاء أصبحوا ينامون من دون عشاء.
طالما أن نائبا واحدا في المقابل يضع السلاح على الطاولة ويهدد بقلب المعادلات، ويقحم لبنان في كل شاردة وواردة لا مصلحة له فيها.
نحتاج اليوم إلى رفيق الحريري أو ما يعادله، ولو أن الخيارات غير متاحة، وما نحتاج إليه أيضا لاستعادة مشروع بناء الدولة الذي حمله رفيق الحريري هو استعادة السيادة التي لا تتحقق ولو أتى مئة نائب سيادي في مجلس النواب.
قد يكون لبعض الناس مآخذ على بعض سياسات رفيق الحريري، وهذا حق، في دولة ديمقراطية تعددية تحترم الاختلاف بالرأي، لكن ما لا يمكن لأي شخص أن ينكره أن رفيق الحريري كان صاحب رؤية اقتصادية، وافقت عليها أم عارضتها، كانت شاملة وتضع أسس قيام الدولة بعد الحرب المدمرة.
ذكرى وحدة الشعب في وجه الجيش السوري، بعد الاغتيال الذي منذ وقوعه هز الاستقرار بكل ما فيه، واغتال رمز نهوض الدولة بعد الحرب. وللمفارقة، تحل هذا الأسبوع الذكرى السابعة عشرة للرابع عشر من آذار، يوم انتفض الشعب اللبناني للاستقلال، لكنه ما زال حتى اليوم يعيش منقوص السيادة بالمعنى الفعلي للكلمة.
إن مصير لبنان بات بحكم الضائع في هذه المعادلة، ولم يعد بإمكاننا سوى التأمل بحلول سحرية أو بأشخاص منقذين آتين على بساط الأمل.
ولا تكفي لربطات الخبز المهددة بالانقطاع من الأفران بسبب إقفال الأسواق الروسية والأوكرانية أمامنا بفعل الحرب، والصيدليات تنقص فيها أبسط أدوية العلاج اليومي لمن يؤلمه وجع الجسم ولو بدرجة أقل من وجع القلب والخوف من الغد.
أما في يوميات المواطن، فلا شيء يعلو فوق صوت غياب العدالة. سقوف السحب من المصارف لا تكفي البنزين الملتهب بغلاء الأسعار عالمياً.... الفرق الوحيد هو أننا في زمن جمال باشا السفاح، كنا نشير إلى القاتل بالإصبع، ونعرف أنه مجرم حرب، أما اليوم، فيختبئ كثيرون خلف الحسابات الانتخابية للتهدئة بدل الإشارة إلى من قتل الشهداء منذ عام ٢٠٠٥ وحتى اليوم.
أما جمال باشا، فنحن أمام ظاهرة أسوأ منه، في وطن يقضي فيه الأحرار بالاغتيال والترهيب. يقول البعض إنه لا ينقصنا إلا الجراد وجمال باشا السفاح لكي تكتمل مشهدية الحرب العالمية الأولى وسط تطورات العالم، ولكن الجراد هو ما نشهده من ممارسات سياسية رعناء أسوأ من الجراد، تقضي على مقدرات الدولة، وتحوّل ما فيها إلى تراب.
زمن الانهيار لم يترك لنا مجالا للتفاؤل بشيء، فبات لبنان يسترجع مجاعة حرب الـ ١٤ التي قرأنا عنها في كتب التاريخ.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.