3 آب 2022 | 11:14

منوعات

مرفأ بيروت المدمر.. من العهد الفينيقي الى الإزدهار الى الركام (1/2)‏

زياد سامي عيتاني*



سنتان مضت على جريمة تفجير بيروت ومرفئها الجهنمي،...ما نزال نلملم ونرمّم عاصمتنا المتكسرة، المتناثرة، والمترمّدة!!!

سنتان مضت، وبيروت ما زالت تبحث عن أشلائها بين الركام..

سنتان مضت على جريمة العصر بنيترات الكراهية والإبادة الجماعية.. وما زلنا ننتظر أل ٥ أيام!!!

سنتان مضت وما زالت "نيترات الأمونيون" مجهولة المصدر والاستخدام، إمعاناً في الإجرام!!!

سنتان مضت.. والمجرم، يستمتع برقصة الموت، مبرئاً نفسه من المحرقة التي قضت على ثلث المدينة المنهكة!!!

سنتان مضت على غرق جريمة تفجير بيروت في بحر مرفئها، وما زالت تتقاذفها الأمواج العاتية إلى المجهول-المعلوم!!!

تفجير بيروت ومرفئها، لا يحتاج إلى إستحضار، لأنه راسخ في نفوسنا وذاكرتنا الجريحتين.. بل ما يحتاج إلى الإستحضار هو تاريخ مرفأ بيروت وأهمية دوره من العهد الفينيقي حتى ما قبل تدميره، في ظل التقاعس المتمادي والمتعمد في إعادة إعماره! لذلك سوف نتناول جوانب تاريخ مرفأ بيروت وأهميته على مدى العصور...

•النشأة:

نشأ في بيروت مرفأ هام منذ العهد الفينيقي، على غرار مرافئ صيدا وصور وطرابلس وسواها، فقد ذُكِر إسم مرفأ بيروت لأول مرة في الكتابات المتبادلة بين الفراعنة والفينيقيين التي يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد.

ويقع على الجزء الشرقي من خليج سان جورج على الساحل الشمالي لبيروت على البحر المتوسط، وغرب نهر بيروت. مركز التقاء للقارات الثلاث: أوروبا، آسيا، وأفريقيا، وهذا ما جعل منه ممراً لعبور أساطيل السفن التجارية بين الشرق والغرب.

ومنذ العصر الروماني تشكّلت هويته الاقتصادية، إذ عرف بكونه مركزًا تجارياً واقتصادياً مهماً.

دمرت الزلازل المستعمرة الرومانية عام 551، وبقيت في حالة خراب حتى جاءها المسلمون عام 635 في العصر الأموي وأعادوا بناء المدينة ليصبح المرفأ مركز الأسطول العربي الأول.

كما اتخذها الإفرنج مقراً لسفنهم وعساكرهم. ولما خضعت بيروت للحكم الإسلامي، كان ميناؤها مركزاً لصناعة السفن لا سيما في عهد معاوية بن أبي سفيان...

**

•أصلح مرفأ لرسوّ السفن:

أشارت الدراسات التاريخيّة والتقارير القنصليّة إلى أن مرفأ بيروت كان منذ القِدم من أصلح الموانئ لرسوّ السفن، وهو الميناء الذي تجد فيه المراكب الأمان في جميع الفصول.

وكانت السفن ترسو قديماً في داخله، فيضع البيارتة العاملون في المرفأ (الصقالات) وهي ألواح عريضة من الخشب، ليستعملها المسافرون جسراً للنزول إلى البر، وإنزال البضائع على الرصيف.

أما السفن الكبيرة القادمة إلى مرفأ بيروت، فكانت تقف في الصيف تجاه بيروت، في حين تضطر في الشتاء للالتجاء إلى خليج الخضر قرب الكرنتينا، أو عند مصب نهر بيروت.

**

•من يستولي على المرفأ يسيطر على بيروت:

كان مرفأ بيروت من المراكز الإستراتيجيّة الهامة في المنطقة، ذلك أن من يستولي عليه يستطيع التقدم نحو المدينة وبقية المناطق، لأن أكثر العمليات العسكرية كانت تتم بواسطة البحر، وبعضها الآخر بواسطة البر.

ولهذا حرص الإفرنج في العصور الوسطى بعد سيطرتهم على بيروت ومدن الساحل، على الإهتمام بتحصين مرفأ بيروت، وبالتالي تحصين المدينة، ليتمكنوا من الدفاع عنها.

وفي عهدهم كان لميناء بيروت دور مهم في التجارة البحرية بين الشرق والغرب (خاصةً بين بيروت والمدن الإيطالية)، وإستمر كذلك حتى العصر المملوكي عندما كان الميناء الرئيسي لتجار التوابل.

ولما إستعاد المسلمون بيروت ومدن الشام، حرص الأمير بيدمر الخوارزمي، الذي توفي سنة 1387م، على الاهتمام بمرفأ بيروت وتحسينه، لا سيما وأنه إستخدمه لصناعة السفن الحربيّة، فأمر بقطع الأخشاب من حرج بيروت، لصنع السفن، فصنعها ما بين المسطبة (المصيطبة اليوم) وساحة بيروت والميناء...

**

•المرفأ في العصر العصر العثماني:

بالانتقال إلى الحكم العثماني عام 1516، تراجعت الأهمية التجارية للمرفأ، لكن مع سماح النظام السياسي الجديد بالتجارة الحرة في عهد المتصرفية وتطوّر الملاحة البخارية بحلول القرن السابع عشر أصبح الوجهة الرئيسية لمنتجات الحرير التي كانت تمثّل العمود الفقري للإقتصاد اللبناني، حيث كانت تعمل ما لا يقل عن عشرة خطوط للملاحة البخارية بانتظام من مرفأ بيروت.

وهكذا باتت بيروت مركزاً مهماً في حركة الإستيراد والتصدير، ما أدى إلى تدفق السلع الأوروبية إلى السوق اللبنانية، والعكس صحيح.

فعندها شعر العثمانيون بأهمية مرفأ بيروت، كما شعرت الدول الأجنبيّة بذلك، سواء على الصعيد الإقتصادي أم على الصعيد الإستراتيجي، ولهذا بدأت أهمية بيروت كمدينة ناشئة تظهر بوضوح.

في عام 1887 منحت الدولة العثمانية امتياز تأسيس المرفأ لشركة عثمانية من خلال إنشاء سدّ بحري لتوسيع وتطوير الميناء، واحتفل بمناسبة هذا الإنجاز بنهاية عام 1894.

**

-يتبع.

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

3 آب 2022 11:14