مع إنتهاء عهد ميشال عون يوقع لبنان تفاهماً مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية ، و تأجيل الترسيم البري ليصبح الوضع كما يقول المثل الشعبي "سلام يا جاري انت بدارك و أنا بداري" ، يحصل ذلك في ظل أزمة اقتصادية قال فيها البنك الدولي أنها "أحد أشد الأزمات حدّة!" و قال فيها حزب الله أنها حصار و عقاب للبنان بسبب دور الحزب.
هدايا حزب الله
في خطاب لامين عام حزب الله بتاريخ 17 حزيران 2020 اعتبر أن لبنان تحت الحصار و إتهم الأمريكيين بأنهم يريدون تحقيق مصالح العدو الإسرائيلي و تطبيق معادلة "الخبز مقابل السلاح"!، بسبب دور حزبة في المنطقة ، فتم الاقتصاص من الحزب بفرض حصار على لبنان ليشمل كل اللبنانيين بجريرة أفعال الحزب!
اليوم مع اتمام اتفاق الترسيم مع إسرائيل ، بموافقة حزب الله من يملك حق الفيتو ، فبدون موافقته لا يتم هذا التفاهم و معه ينجز الأمر. بموافقة الحزب و إتمام الاتفاق الذي إعتبره الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال اتصال تهنئة للرئيس اللبناني ميشال عون بأنه "انجاز تاريخي!".
أسدى حزب الله للامريكيين هذه الهدية القيّمة و كذلك إسرائيل التي أعلن رئيس وزرائها لبيد" الاتفاق يلبي الشروط الإسرائيلية الأمنية والاقتصادية و السياسية كافة"، في نفس الوقت الذي كان نائب رئيس مجلس النواب الياس أبو صعب يصرح من القصر الجمهوري " آمل من الإسرائيليين أن لا يعطلو الاتفاق بسبب كلمة، و هذه فرصة لتحقيق الاستقرار وأمل في المنطقة...".
وفق رواية حزب الله ، تصبح موافقة الحزب على الترسيم هو نتيجة مباشرة للحصار. وبذلك يقدم الحزب اعترافا بنجاعة الحصار في الحصول على نتائج "تاريخية" ، نسبة للوصف الأمريكي لاتفاق الترسيم !
ميشال عون و تعطيل الدستور
و يمضي هذا الاتفاق وهو بعهدة رئيس الجمهورية بالنص الدستوري حيث أعطت المادة 52 "يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلد وسلامة الدولة..."
مجددا يتم تعطيل الدستور اللبناني بأحد أهم المواضيع تاريخياً و إستراتيجياً، لصالح تأمين ممر آمن للاتفاق بشكل لا يورط صانعيه المحليين بما يدينهم و يكشف صورتهم الحقيقية و يفشل تسويق الانتصارات الوهمية. والشماعة التي يختبؤون وراءها هي رواية أن الحزب يقف وراء موقف الدولة اللبنانية! وفي واقع الحال المعروف لدى الجميع أن الدولة بقدها و قديدها في يد الحزب.
المفاوضات رعاها رئيس الجمهورية وبمتابعته الدقيقة، وكان القصر الجمهوري حريصاً على الاعلان من قصر بعبدا عن أي شيء مرتبط بمسار التفاوض، وهذا ما طبقة ميشال عون من المادة 52 أما الجزء الذي لم يطبقة و تم نسفه هو: عرض الاتفاق على الحكومة و على مجلس النواب . والعذر أن لا يتحول التفاهم الى إتفاق و تطبيع فكان الحل بتوقيع ورقة باسم لبنان تسلم الى الأمم المتحدة.
ماذا جنى الحزب و عون من الاتفاق؟
وماذا لو أن الاتفاق عرض على الحكومة و مجلس النواب؟ يستطيع الحزب تمرير الاتفاق، اذا لماذا هذه التخريجه؟... يصر الحزب و ميشال عون على الايحاء في كل مناسبة عن قدرتهما على التحكم بنواصي البلاد و لي نصوص دستور الطائف خدمة لما يراهما مناسباً.
كي لا تضيع أبوة هذا الاتفاق التاريخي ، يتم حصر هذا الأمر بين الحليفين ليتمكنا من استثماره محلياً، فهي فرصه لميشال عون ليمدد عمره السياسي و يحصل على هامش واسع من الوقت ليؤمن انتقال سلس لوريثه السياسي جبران باسيل، وهذا ما يناسب الحزب في تأمين المطلوب للوصول الى حليف مسيحي دائم تؤمن استمرارية لاتفاق مارمخايل و الفكرة العميقة لحلف الأقليات.
يستفيد حزب الله من انجاز اتفاق مع العدو الإسرائيلي على الترسيم البحري، ويؤجل الترسيم البري. وهو احد الأغطية الشرعية لسلاح الحزب حيث تبقى مزارع شبعا و تلال كفرشوبا محتلة وهي سبب قانوني و شرعي لبقاء السلاح، طالما لم يتم بعد ترتيب الصيغة المستقبلية لهذا السلاح. ويستفيد من الاعتراف به كقوة أساسية في لبنان تمتلك أوراق قوة تمكنها من البقاء طويلا و الاعتراف بدورها لتضمن إستمرار الوضع القائم الذي يناسب العدو الإسرائيلي و الوسيط الأمريكي الذي لا يريد أي توتر في منطقة الشرق الأوسط للتفرغ للأزمة الاوكرانية و لبحر الصين الجنوبي.
بين إيران و إسرائيل ... ديبلماسية بنكهة لبنانية
مما لا شك فيه أن الاتفاق على الترسيم يشكل تطوراً نوعياً بين إيران و إسرائيل، فهذا إتفاق إيراني إسرائيلي غير مباشر و ب "صفر كلفة"، إستخدمت فيه الديبلوماسية و بضعة تصاريح و طائرة مسيره عن بعد. هذا تقدم في إيجاد الحلول و تقاطع المصالح بدون كلفات عالية و حروب!.
ربما هو الدور الجديد للوجود الإيراني على سواحل المتوسط، والاعتراف بدورها لن يكون لفترة وجيزة، بل هو تأسيس لمسار سيكون أطول من مسار 1701 الذي كلف حروب و ضحايا و دمار الا أنه يعتبر تجربة ناجحة في تأمين ظروف النجاح و إستقرار التوازن، إنه سلام غير معلن ممنوع من الصرف، و حصل فيه حزب الله و إيران على معادلة "الترسيم مقابل السلاح".
زياد فواز ضاهر
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.