وليد الحسيني
لا راية تعلو على الراية البيضاء.
يرفعها اللبنانيون جميعاً، إلاّ من تعودت أنيابه على أكل لحم البشر.
برؤوس منحنية وظهور متكسرة، نعترف أن الشعب اللبناني هرَم وهُزم واستسلم.
الشوارع مستكينة ومسكونة بالحزن والصمت.
الغضب نام... وما للجراح في الميتين إيلام.
شبابنا بلا قبضات... وشيوخنا بلا حناجر... وأصبحنا، كما قال مظفر النواب، "معزى على غنم".
عندنا دولة لم يعد عندها ما تعطيه لشعبها.
ومثلما طرقنا العامة مليئة بالحفر، فإن طرقنا السياسية مليئة بمن يحفر لعدوه وأخيه.
سرقت المصارف ودائعنا... فلجأنا إلى الله والقضاء.
دُمّرت عاصمتنا... ومات المئات وأصيب الآلاف... وتشرّد الخلق... ولجأنا إلى الله والقضاء.
أمسكوا بالحرامي الجائع... والنشال المحتاج... وغاب عن "العين الساهرة" لصوص المال العام... ولجأنا إلى الله والقضاء.
فقدنا الدواء... وغش تجارنا الغذاء... وخبأ المحتكر حليب الأطفال... ولجأنا إلى الله والقضاء.
عرفنا أسماء وعناوين من يهرّب دولارنا ووقودنا وقوتنا... وبلّغنا عنهم المخافر والنيابات... ولجأنا إلى الله والقضاء.
لم نقنط من رحمة الله وعدالة القضاء... لكن، على ما يبدو، أننا لجأنا إلى إثنين تخليا عن لبنان.
ربما حجب الله رحمته عقاباً لنا على استغلالنا إسمه ظلماً وعدواناً... وربما لأننا نتاجر بأديانه تكبيراً وتصليباً.
أما القضاء فله من أعذار الإنشقاق ما يكفي... إذ أن نصفه مربوط بهذه الطائفة، والنصف الآخر مربوط بذلك الحزب وذلك الزعيم.
وها هو اليوم يضيف إلى نصفيه السابقين، نصفين ما كانا يكونان لولا أنه يتمتع بسمعة تفوقت على سمعة شركة الكهرباء، التي احتلت قمة السوء قبل أن تزيحها عن القمة حرب الصلاحيات القضائية.
لقد بلغ الاستهزاء بالقضاء مرتبة انقسامه إلى قضاء "بيطاري" وقضاء "عويداتي".
ترى هل تحوّل القضاء إلى قطاع خاص؟.
وهل حقاً تقاسم ميزان العدالة غسان عويدات وطارق البيطار... كفة يملكها "العويداتيون".... والكفة الأخرى لـ "البيطاريين"؟.
هل يُعقل أن يفقد القضاء عقله وتعقله، ويصل به الجنون للغناء مع صباح "عالعصفورية"... ومع فريد الأطرش "يا عوازل فلفلو"؟.
أما وقد حصل... فإلى متى يرفض مجلس القضاء الأعلى التحول إلى مشفى للمجانين ويعالج مرضاه قبل أن يتسببوا بحرب "داحس وغبراء " جديدة؟.
وإلى متى يبقى وزير العدل وزراً على العدالة... وكعادل إمام، "شاهد ما شفش حاجة"؟.
وإذا كان هذا هو الحال باستدعاء بعض رموز الأمن والقضاء والسياسة... فما هو الحال إذا صدر القرار الإتهامي وذهب بانفجار المرفأ متهماً "إللي بالي بالك"؟.
صحيح أن اللبنانيين قد رفعوا الرايات البيضاء... لكن الخشية أن ترفع بوجوههم الرايات الحمراء... وتُهدر عدالة الدم انطلاقاً من عدالة المرفأ.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.