ألقى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى بمناسبة تدشين وثيقة مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي في القاهرة. وقال فيها:
السيدات والسادة،
عرفت البحرين منذ القدم بانها بلدٌ مضيافٌ متسامح منفتح، ورد ذكرها في الإلياذة الأسطورية باعتبارها البلد الطهور، بلد "عيون السمك" بلد الؤلؤ المكنون. كما كان لهذا البلد العريق صلات تواصل وتجارة مع مصر القديمة… مصر الفرعونية. أما عن أهل البحرين فحدث ولا حرج، فكتب التاريخ العربي ملأى بسرد وتحية ما يتمتعون به من تقاليد عربية تليدة. هذا التاريخ الممتد يمثل ثراء نهل منه مجتمع البحرين جيلاً بعد جيل وارتكز عليه في البناء الثقافي الذي أصبح جزءاً مهماً من القوى الخليجية العربية الناعمة التي نراها اليوم في زيارة بحرينية لمصر تمثل الشعر والأدب والموسيقى والطرب، تمثل التفاعل بين شعبين شقيقين، وبين قوىً ناعمة لدى البلدين.
إن وجود القوى الناعمة هي علامة ناطقة على حيوية المجتمعات التي تنتجها، بل هي تميز المجتمعات النشطة الفاعلة. وهنا أود أن أحيي اختيار الملك حمد بن عيسى آل خليفة القاهرة لتكون العاصمة العربية والأفريقية الأولى لاستضافة هذا الحدث المهم، ولتكون مقراً لهذا التخاطب الناعم في وصفة، والقوي في مضمونه وجوهرة.
ويزيد الفضل فضلاً حين نتذكر أن هذا العام هو العام الخمسون منذ قيام العلاقات الدبلوماسية بين مصر والبحرين، ليكون الاحتفال احتفالين؛ والسرور والفرح موصولين.
وفي هذا يسعدني أن أردد قول الشاعر والدبلوماسي البحريني/ تقي البحارنة أول سفير لمصر حين قال:
وفي شعبنا حب قديم وعشرة لمصر ومن ساحاتها يتزوّد
يمد زمان الوصل حباٍ جناحه يحلّق بين الدولتين ويرهد
وحنّت إلى مصر الشقيقة قلوبنا تصلّي بركن الحب، والحب معبد
السيدات والسادة،
أحب أن أستعيد بهذه المناسبة حكاية هي عظة ورمز، تتعلق بما شهده العام ١٩٦٧.. ما سمّي بالنكسة التي كان من بين مساوئها العديدة بداية تراجع الحماس والفاعلية للشعور القومي العربي.. وإذا بالبحرين تضرب مثالاً قوياً أعطى حيوية كادت المشاعر القومية العربية أن تفقدها حين صوّت شعبها في استفتاء الهوية والمستقبل للدولة الوليدة بأنه شعب عربي، هويته عربية، وأن أول قرارات الدولة الفتية سوف يكون الانضواء تحت علم الجامعة العربية.
كانت رسالة عالية الصوت، شديدة القوة، وسط ورغم ضباب الهزيمة ولغط النكسة.. فشكراً للبحرين وشعبها العظيم جيلاً بعد جيل.
أمّا عن التسامح الذي تتحدث به القوة الناعمة البحرينية فهو مصطلح إيجابي أراه يؤكد مبادئ رفيعة وآمال كبيرة في سلام مستقر يعم المنطقة وما وراءها، وأول ساحات التسامح هي الساحة الداخلية التي تجمع الناس … تجمع المجتمع… تجمع الشعب على أرضية التسامح وفي فضاء الود وأجواء السلام والاستقرار. فإذا ما انتقلنا إلى ساحاتنا الإقليمية، وفي مجال السياسة بالذات؛ فهناك إمكانيات شتّى لهذه المشاعر الإيجابية على أن يكون لها صدىً وقبولاً وعلى قاعدة التسامح الشامل والمتبادل الذي لا يستثني شعباً ولا بلداً.. هذا ينطبق على التفاهم الذي تم مؤخراً بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية.. لتنهي الصدام ويسود الوئام على قاعدة الالتزامات المتقابلة.. وأن لا شيء في السياسة يعرف المجّانية أو يتم على أساس التبرع.
وهنا يأتي الشأن الإسرائيلي الفلسطيني.
ان استمرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي في غيّها.. في عدوانيتها ضد القدس والمسجد الأقصى.. وضد الأرض وسلامتها، وضد الشعب الفلسطيني وحصاره والتضييق عليه والاستيلاء على ممتلكاته ومنعه من حق تقرير المصير..
هذا كله لا يمكن معه -في رأيي- أن يشمله تسامح.
وكما قال شاعركم البحارنة .. مع بعض التصرُّف.. سئمنا من الأفعال تحرق قدسنا ففي القدس محتل وفي القدس حاقد.
نعم لا يقوم التسامح مع مثل هذا الإمعان في خرق حقوق الناس… حقوق الإنسان… حقوق البشر الذي توافقت عليه الحضارات والصياغات القديمة والحديثة، ومبادئ الأديان السماوية بل والأرضية.
وأخيراً أعود فأحيي ضيوف مصر بل أهلها.. أهلنا في البحرين وأهنئهم بمبادرتهم وأرحب بزيارتهم، وأختم ببيتين آخرين من شعر البحارنة: "وإني فخور باجتماع يقودنا إلى خير ما نبغي وما هو أبعد
أحيي جميع الحاضرين بينهم معارف تنميهم أصول ومحتد
وما خلجات النفس إلا لمعشر بمصر لهم عزمٌ قوي وساعد
وما الشكر إلا من كريم خصالنا وفي القلب إحساس يقول ويشهد".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.