مّر أكثر من نصف قرن على احتلال العدو الإسرائيلي هضبة الجولان. في حرب 1967 دخلت إسرائيل هذا الجزء السوري العربي ولم تجد من يقاومها. فوزير الدفاع آنئذٍ حافظ الأسد سحب جيشه قبل وصول الجيش الإسرائيلي. أي سلّم المنطقة تسليم اليد. وبعد انقلابات عديدة بين أطراف حزب البعث تسنمَ الأسد رئاسة البلاد. وفي 1973 لم يسترد النظام الهضبة في حرب أكتوبر بل أجزاء صغيرة منها. فاحتفل بالنصر. لكن اسرائيل احتلتها. وفي عام 1974 إتفق النظام والكيان الصهيوني على نوع من وقف إطلاق النار. قلنا إن الأسد داهية ولا بد أنه يتحضر لحرب يسترد فيها الأرض كلها: لكن يبدو أن الاتفاق الذي تم بين النظام والكيان قد طوب الاحتلال مقابل ما يشبه إتفاقاً ضمنياً آخر لتعويضه عن الجولان بلبنان، شرط تصفية المقاومة الفلسطينية في لبنان. وهكذا جاء "المنقذ" إلى بلاد الأرز بجيشه ومخابراته ضمن قوات الردع العربية، ساعياً إلى تفكيكها وإخراجها ليبقى وحده. وقد نجح في ذلك. فرض وصايته على الشقيق الأصغر ونكّل بأهله واغتال من اغتال وتم نهب ما نُهب... والجولان يزدهر في قبضة إسرائيل. ثم هُوّد الجولان. فقلنا من جديد لعل الأسد الداهية قد يعمد ولو إلى بادرة جدية أو تحرك أو حتى موقف ساطع... لكن مرّ التهويد أيضاً مرور الكرام. وخلفه ابنه بشار فتفاءلنا خيراً: لعل الإبن يُقدم على ما لم يُقدم عليه الوالد فيفكر على الأقل بأرضه المحتلة. لكن هذا الشبل من ذاك الأسد إهتدى سبيل والده. وبقيت الجولان محتلة. وبقيت الوصاية في لبنان. دمروا الديموقراطية صادروا مجلس النواب، والحكومة، والجيش، والديموقراطية، والحريات، وجذروا وجودهم تجذير إسرائيل وجودها في الجولان.
وها هو ترامب يتجاوز كل الخطوط الدولية وينقل السفارة الأمريكية إلى القدس. خطوة أولى. الثانية هي الأدهى: إعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان. ولا نظن أن وضع النظام المتهاوي في سوريا أو حتى الحروب التي تحاصر العرب، خصوصاً من إيران، هي فقط ما شجع الرئيس الأميركي على خطوته المجنونة. فبشار دمّر بلده وقتل شعبه وهجّر الملايين وتسبب بقتل نحو أربعمائة ألف سوري بل أكثر... عندما إستجلب إيران بحزبها اللبناني وفيلقها وحرسها الثوري لإنقاذه ولمحاربة الشعب السوري. كان مرتزقة إيران يمرون قرب الجولان مرور الكرام يلاحقون الجيش الحر، والجولان على بُعد خطوات منهم. بل قال أحد قيادات إيران أثناء وجوده في سوريا: إسرائيل ليست الآن من أولوياتنا.
إذاً ليست المفاجأه أن يعمد ترامب إلى إعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان بل باستنفار العالم كله ضد خطوته ما عدا النظام السوري. فكأن الجولان صار مجرد ذكرى من أخبار الماضي. بل خبر آت من قارة أخرى. والجوهرة التي جاد بها وزير الخارجية المعلّم: "إنّ أميركا عزلت نفسها" .
كل العالم العربي بأنظمته وسياسييه ومثقفيه دان جريمة ترامب ولم يعترف بها ما عدا أصحاب القضية. وبدلاً من أن يستنفروا قواتهم وجيشهم ها هم يستنفرون عملاءهم في لبنان تحضيراً لعودة البطل المنتصر على شعبه بشار إليه بقوة.
ذلك أنه ما زال في ذهنية الأسد أن لبنان ملكية مطوبة للعائلة وها هو رغم كل مآسي بلاده يفكر بالعودة إلى لبنان بأمل الهيمنة عليه.
نظن أن الجولان تستحق نظاماً آخر يستعيدها أو حتى يضعها في إستراتيجيته. لكن حتى نظام الأسد لم يعد موجوداً. فمن يسترد ومن يرجع؟ بل جعل الأسد سوريا كلها جولان أخرى تحتلها خمس دول تتنازع أرضها وخيراتها.
دائماً كان منطق الأسدين الأرض مقابل النظام.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.