31 أيار 2023 | 21:55

رياضة

عدنان الشرقي.. حكاية تاريخ وأسطورة مجد


كابتن عدنان في ذكرى رحيلك:

لو بكيناك حزناً على فراقك، لِما أدخلته من فرح وسعادة في قلوبنا وقلوب كلّ الأنصاريين، بسيل جارف من دموع من الدماء، حتى يذهب بصرنا وتجف عروقنا، لن نفيك حقك، الذي شاركنا جميعنا بهدره والتفريط به...

**

عدنان الشرقي..

ليس مجرد ظاهرة إستثنائية لكرة القدم اللبنانية، أو أيقونة "الأنصار" الساطعة؛ إنما هو حكاية تاريخ عريق ومشرّف، كتب صفحاته المجيدة المذهبة بقطرات دمه، وعرق جبينه، التي روت كلّ حبة تراب في ملاعب العافية، فأنبتت سنبلة ذهبك، وأزهرت براعم خصبة، وحصدت أبطالاً وبطولات...

**

عدنان الشرقي..

لم يكن رجلاً في ناد، بل رجلاً حمل ناديه في عقله وقلبه وضميره ووجدانه...

تولع وتعلق شغفاً وهياماً ب"الأنصار" منذ طفولته، فنشأ وترعرع وعاش عمره في أرجائه، حتى إلتصق اسمه به كتوأم لا ينفصلان...

تفانى له بلا حدود، حتى بلغ حدّ نكران الذات والذوبان والإنصهار الكليين فيه، ناذراً نفسه لحمل شعلته المتوهجة والمتلألة، حتى بات هو سنبلته الخضراء (رمز الحياة)، منذ أن كان ناديّاً محليّاً مكافحاً في محلة "الطريق الجديدة" إلى أن صار ناديّاً بحجم الوطن، الذي أدخل لبنان الأخضر لأول مرة في تاريخه، موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية...

**

وظّف عدنان الشرقي خلاصة ثقافته الكروية، وفكره المتنور، وخبرته المتراكمة والمتجددة، ل"الأنصار"، فكان على الدوام يبتكر أحدث أساليب التدريب، والإعداد، والخطط، الذي كان سباقاً في إدخالها إلى الكرة اللبنانية، إيماناً منه بضرورة التفوّق على الذات وعلى محدودية إمكانياتها، للإرتقاء والنهوض بها، حتى تبلغ المستوى الذي يليق بلبنان وسمعته بين محيطه.

**

كانت قساوته وصرامتة في فرض الإنضباط والقيم والمبادئ التربوية، قبل الرياضية والفنية على اللاعبين، خلال قيادته للفريق، طيلة السنين المديدة التي تطوّع مديراً فنياً له، تعكس شخصيته القيادية (المثيرة للجدل)، لما تجمع من صفات ومزايا متناقضة، يجيد تنسيقها وترتيبها وتوقيتها، بما ينسجم ومصلحة الفريق، مما جعل منه قائداً استثنائياً، لا بل ساحراً ماهراً، وقبل ذلك كلّه إنساناً عظيماً في وفائه وإخلاصه وولائه...

وشخصيته القيادية الصلبة المتشدّدة، كانت تخفي خلفها جانباً عاطفياً ووجدانياً مفرطان، تجعل منه عقب انتهاء المباريات والحصص التدريبية، إنساناً جياشاً بحنانه الأبوي مع اللاعبين أنفسهم، الذي كان يتعامل معهم بكلّ شدة داخل المستطيل الأخظر.

في المقابل، كانت علاقة اللاعبين به، مزيجاً من الوقار والإحترام والخوف والحبّ والمعزّة والإعزاز.

فكانوا يهابونه ويخافونه ويحترمونه، ويتقبلون منه (الموشحات المعروفة عنه) ما لا يتقبلونه حتى من آبائهم ربما! وبموازاة ذلك، كان حبّهم له حبّاً متيّماً، كتيار عاصف من العاطفة الجياشة تنجرف معه قلوبهم بجنون الحب والهوى إليه، فيجدون فيه الأبوة والرعاية والقدوة....

**

عدنان الشرقي...

يا من إعتزلت عائلتك وحياتك الخاصة والمهنية وكلّ العروض المغرية التي تلقيتها، وتفرغت لناديك "الأنصار (عشقك الأبدي الأزلي)، وفنيت عمرك فيه، حتى انصهرت روحك ومهجتك بين ثناياه، وصار عدنان الشرقي هو "الأنصار"، و"الأنصار" هو عدنان الشرقي...

يا حكاية تاريخ، ويا أسطورة مجد..

يا صاحب الإنجازات الصاخبة الذي رحل بهدوء، سيبقى صدى صوتك "الملعلع" باللكنة "البيروتية" المحببة، يملأ الملاعب والأفئدة والقلوب والتاريخ...

**

كم هو جميل أن يكون الغائب، هو الحاضر الأكبر...

حاضر بصوته الهادر في الملاعب، والخافت والهامس في المكاتب..

حاضر بيننا، في يومياتنا، في أحاديثنا، في حكايتنا وذكرياتنا، حاضر في كل تفاصيلنا...

حاضر، كما عرفناه، مشرقاً زاهياً مبتسماً.. يملأ الأجواء والأرجاء، والوجدان والأفئدة، محبة ومودة ومعزة...

كيف لا؟ وهو الحبيب والمحبوب، وهو القدوة والأسوة.. هو لمجد "الأنصار" الباكورة والصيرورة والديمومة، فآستحق عند جدارة أن يكون هو الأسطورة...

**

عدنان الشرقي.. يا صانع التاريخ بفكرك السديد ونهجك الرشيد، حتى بات إسمك يرمز للتاريخ المجيد.. ها نحن اليوم في حضرتك، يا جوهرة النفوس وتاج الرؤوس، يا حاصد سنابل القمح، بطولات وكؤوس، يا من لا يتسع لك المكان، ولا يكفي الزمان، مهما أجدنا في البلاغة والبيان، كي نرد لك بعض الإمتنتان والعرفان...

لذلك، سنكتفي بأن نعيش معك بصمت زمن الأحلام، فيما روحك العطرة ترقد عند خالقها في أمان، تدعو ل"الأنصار" أن يبقى ساطعاً كال"البدر" ليلة التمام والكمال...

**

زياد سامي عيتاني

أمين السر المساعد الأسبق لنادي الأنصار الرياضي

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

31 أيار 2023 21:55