على مرّ السنوات الأخيرة من عمر الحرب السورية، حوّل النظام السوري بلاده من وطن إلى "شركة مساهمة خاصة" يبلغ رأسمالها مئات آلاف الشهداء ومثلهم من الجرحى، بالإضافة إلى ملايين اللاجئين حول العالم. وإلى جانب حالات الإعاقة واليتم التي بنى عليها النظام شركته هذه، فقد عمد إلى تلزيمها لـ"الشركاء المضاربين" الذين منحوه دعماً متعدداً وأعادوا تثبيته في كرسي الحكم بعدما كاد أن يقع به خلال الأشهر الأولى من بداية الثورة لولا استنجاده بالميليشيات المذهبية.
التلزيمات والتأجيرات وبيع العقارات ونقل ملكيتها إلى الجهة الحليفة، أصبحت السمة اللازمة للنظام السوري في الآونة الأخيرة، سواءً في اللاذقية أو دمشق أو طرطوس وحتى في حلب، وذلك بغض النظر عن مناطق "القلمون" و"القصير" التي شُفطت نهائياً من السجلات العقارية السورية. وجديد التلزيمات الأسدية، ما كشف عنه نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف عقب اجتماعه مع رئيس النظام السوري بأنّ "ميناء طرطوس السوري سيتم تأجيره إلى روسيا لمدة 49 عامًا للنقل والاستخدام الاقتصادي إبتداءً من الأسبوع القادم".
خطوة التلزيمات هذه التي يُثابر عليها النظام السوري منذ فترة طويلة والتي ينتهجها عبثياً على قاعدة استجداء القوى الحليفة، كان سبقها، وفق متابعين عن كثب للملف السوري تلزيمه منذ فترة شبكات هاتف خلوية ضمن مناطقه في دمشق واللاذقية، لشركات إيرانية مع رفع الضرائب عنها. علماً أن تغطية النظام للشركات الإيرانية، أدى إلى التشويش على شركة "سيرياتي" التي تعود ملكيتها لرامي مخلوف ابن خال بشار الأسد الذي هو نفسه كان قد منع محاولات عدة لدخول شركات عربية للمنافسة والاستثمار في سوق الاتصالات السوري أبرزها شركة "زين" الكويتية. واللافت أن خطوات الأسد هذه، تأتي لتؤكد الكلام الذي سبق أن تطرق إليه بأنّ "سوريا هي للذي يُدافع عنها وليس للأشخاص الذين يحملون هويتها".
وفي السياق نفسه، يندرج تسليم الأسد ميناء اللاذقية للإيرانيين بعد عودته من طهران مباشرة وهو ما كُشف النقاب عنه بعد تسريب الأمر الإداري الذي أصدره مدير مرفأ اللاذقية وقضى بتشكيل لجنة للتباحث مع الجانب الإيراني من أجل تسليمه إدارة المرفأ، حيث عادت صحيفة "التايمز" الأمريكية إلى الإضاءة على الموضوع عبر إشارتها إلى أن "شركات إيرانية ترتبط بـ"الحرس الثوري" بدأت فعلاً بشحن البضائع عبر الميناء، مرجحةً استخدامه كطريق بديل لنقل الأسلحة إلى النظام السوري.
أما على مستوى الضرب الممنهج للإقتصاد السوري، فقد عمد نظام الأسد خلال العام الماضي، إلى إصدار قرار أقال بموجبه حاكم مصرف سوريا المركزي دريد درغام، وذلك بعد وقت قصير على إقالته مدير عام "المصرف التجاري السوري" فراس سلمان. وإقالة درغام وسلمان إنما تعود لوضعهما قوانين تتضمن البحث عن كل شخص أو كيانات اشترت قطعاً أجنبياً من شركات الصرافة، بما في ذلك شركات الصرافة التي فتحت وأغلقت سابقاً، وإعطاء مهلة حتى نهاية العام 2018 لتنفيذ القرار.
وعلى خط أزمة الوقود المستفحلة في الأراضي السورية، فقد أصبح مؤكداً أنّ مليشيات النظام هي التي تتحكم بهذا القطاع ضمن المناطق الخاضعة لسيطرته وهي تحتاج إلى 180 مليون دولار شهرياً للحصول على النفط، في وقت لا يوجد لدى المصرف المركزي السوري عملات بالدولار الأميركي لكي يزوّد مناطقه بما تحتاج إليه من نفط، والأسباب تكمن بطبيعة الحال في سياسة إفلاس المصرف المركزي السوري على يد هذه المليشيات والنظام الذي يُغطيها.
إيران تستوطن دمشق
إلى ذلك وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، سيطرت إيران على حركة سوق العقارات في دمشق بشكل ملحوظ، وخاصة في الأحياء الجنوبية ودمشق القديمة. إذ ورغم الركود التجاري والاقتصادي في المدينة غير أن السوق العقارية عادت لتشهد ارتفاعاً كبيراً في عمليات البيع والشراء، كان وراءها إيرانيون وموالون لهم بُغية السيطرة التامة على هذا السوق في ما يخدم مصالح إيران وأجندتها الديموغرافية المستقبلية في سوريا. وقد كشفت تقارير عدّة نقلاً عن إدارة السجلات العقارية في دمشق، أن الإدارة نقلت لوحدها منذ عام 2015 أكثر من 8 آلاف عقار من سوريين مقيمين في دمشق إلى إيرانيين استوطنوا المدينة، كما أن هناك آلاف العقارات الأخرى التي بيعت لإيرانيين دون تسجيلها في إدارة السجلات، كوْنها تتبع للميليشيات العسكرية الإيرانية والمراكز الدينية مباشرةً.
وفي تفاصيل أوضح، أكد المعارض الإيراني، الحقوقي عبد المجيد محمد "دور السفارة الايرانية والمركز الثقافي التابع لها بالسيطرة على السوق العقاري في دمشق، وأنّ سفير إيران في سوريا جواد آبادي يُساهم بالمساعدة على شراء أحياء وضواحي دمشق، وهو سخّر كل إمكانياته المالية وعلاقاته السلطوية في دمشق لشراء آلاف العقارات والهكتارات".
النظام يبيع سوريا
وفي وقت سابق، كانت حركة للناشطين الإعلاميين المعارضين للنظام قد كشفت مرافقة ضباط من نظام الأسد للإيرانيين الراغبين بشراء العقارات خلال جولاتهم على المكاتب العقارية بهدف الضغط على السماسرة وأصحاب المنازل في عمليات التفاوض والبيع. وأبرز الناشطون وثائق تؤكد مشاركة الضباط أصحاب المكاتب العقارية العمولات التي يقبضونها.
والأبرز، أن عمليات البيع تجري بتشجيع من النظام وهو على معرفة تامة بتفاصيلها، حيث أنه فرض قبل ثلاث سنوات الحصول على الموافقة الأمنية قبل شراء أو بيع أي عقار في المناطق الخاضعة لسيطرته. كما قدّم تسهيلات لتملّك الأجانب في سورية، عدا عن أنه منح الجنسية لأعداد كبيرة من الإيرانيين، حتى بات بإمكانهم الشراء دون عقبات.
وفي وقت يتحدث فيه حلفاء النظام السوري بأن بشار الأسد قد تجاوز مرحلة الخطر لجهة بقائه في الحكم من عدمه، وأن مسألة رحيله أصبحت من الماضي.. ثمة سؤال يبرز اليوم ويتعلق بالأزمة المالية والإقتصادية التي بدأت تُخيّم على كل سوريا: "بعد بوتفليقة والبشير.. هل تكون نهاية الأسد اقتصادية؟".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.