تانيا غنطوس
يَنتشر الذكاء الاصطناعي بِسرعة مُتزايدة في عالَمِنا وحياتِنا اليوميّة حتّى في مَجال اللُغات. لكن ماذا عن اللغة العربيّة؟ هل لُغة الضاد عَصيّة على الذكاء الاصطناعي؟
يأتي اليوم العالمي للُّغة العربيّة هذا العام وسط اهتمام عالمي مُتزايد باللغة وحيث يُساعد الذكاء الاصطناعي على توسيع وجوده على الإنترنت. ومع ذلك، فإن المُحتوى المتاح على شبكة الإنترنت باللغة العربية لا يتجاوز نسبة 3%، مما يحدّ من إمكانية انتفاع ملايين الأشخاص به.
وحين سُئلَ الذكاء الاصطناعي عن هذه الاشكاليّة أجاب بأنّ التعامل مع اللغة العربيّة في مجال الذكاء الاصطناعي أصعب من التعامل مع اللغات الأخرى، ويُمثّل تَحدّيات خاصة بِسبب التعقيد اللغوي في سياقات النحو والصرف والدلالة.
تُعدّ اللغة العربية من اللغات السامية التي تَتمتّع بِخصائص فَريدة تجعلها لغة متميّزة. تتميّز بنظامها اللغوي المعقّد وجماليتها الأدبيّة والعمق في التعبير. وتحتلّ مكانة عالية في الأدب والشعر ممّا يجعلها لغة غنيّة بالمعاني والتعبير. وفي السنوات الأخيرة، ظهر تأثير الذكاء الاصطناعي على اللغة العربيّة على مستويات عِدّة، حيث بات يُمثّل ثورة في مجالات مُختلفة مثل ترجمة النصوص، والتحليلات اللغوية، والتعرف على الخط، وأنظمة الرد الآلي.
بينما تستمر هذه التقنيّات في التطوّر، تبقى الحاجة ماسة لإعدادها لمعالجة التحدّيات المعقّدة للغة العربية، بما في ذلك تنوّع لهجاتها وبنيتها الصرفية والنحوية. إحدى أبرز هذه التحدّيات هي التركيب اللغوي المعقد والتصريفي للغة العربية. فالكلمات في العربية تخضع للتصريف بناءً على جنس المتكلم وعدده وزمن الفعل، ممّا يخلق تنوّعًا وتعددًا في الأشكال الظاهرية للكلمة الواحدة. وهذا يضاعف من صعوبة تصميم نماذج ذكاء اصطناعي قادرة على التعرّف والفهم الدقيق للنصوص العربية.
إضافة لذلك، تعتبر الاختلافات في اللهجات في العالم العربي تحدّيًا آخر يواجه الذكاء الاصطناعي. إذ تتنوّع اللهجات العربية بشكل كبير من منطقة لأخرى، الأمر الذي يحتّم ضرورة تطوير تقنيّات قادرة على التمييز بين هذه الاختلافات، والتعامل مع التباين اللغوي الغني والمعقد.
كما يُمثّل السياق اللغوي للكلمات تحدّيًا إضافيًا، حيث إنّ الكلمة الواحدة في اللغة العربية قد تحمل معانٍ مختلفة بناءً على السياق الذي وردت فيه. هذا الأمر يتطلّب من أنظمة الذكاء الاصطناعي أن تكون قادرة على فهم النصوص ضمن سياقاتٍ متعدّدة، وأن تحلّل النص بذكاء لاستنتاج المعنى الأمثل.
وكذلك بسبب البيانات المحدودة، فعلى الرغم من سعة انتشار اللغة العربية في العالم، فإن البيانات المتاحة للتدريب والتعلم في مجال الذكاء الاصطناعي محدودة قياسًا باللغات الأخرى مثل الإنجليزية.
تقف اللغة العربية بكل ثروتها اللغويّة وتعقيدها كصرح شامخ في عالم اللغات، حيث تتميّز بخصائص فريدة وتأثير عميق في حضارات وثقافات عديدة. بيد أنّ استعمال الذكاء الاصطناعي في دعم اللغة العربية يُعد موضوعاً مثيراً للاهتمام ومحفّزاً للتساؤلات حول كيفيّة تحقيق التناغم بين الأصالة اللغويّة والتطور العلمي.
لذلك سعى المُتخصصون في مجال الذكاء الاصطناعي إلى البحث في قراءة وصفية تحليليّة لواقع اللغة العربية في علاقتها بالذكاء الاصطناعي، ومدى استفادتها من التقدم التكنولوجي والمعلوماتي، وكذلك الآفاق الممكنة التي ستساهم في حل مشاكلها وتحدّياتها.
لا يُمكن أن تكون اللغة العربية تعليمًا وتعلّمًا بمعزل عن ثورة الذكاء الاصطناعي. فَمَن بيننا لم يَتساءل: لِمَ لا أستطيع مُخاطبة معظم المُساعدات الصوتيّة باللغة العربيّة؟ لِمَ لا يُمكنني إجراء مُحادثة مع سيري باللهجة الخليجيّة أو اللبنانيّة؟ لماذا لا تستطيع أليكسا أن تفهم أوامري باللهجة المغربيّة أو المصريّة؟ لِماذا...؟ ربّما يبدو المستقبل واعداً نوعاً ما بالنسبة لتوظيف الذكاء الاصطناعي في اللغة العربيّة ، لكن بالتّأكيد ما تزال الحاجة أكبر بكثيرٍ من الموجود، حيث يصعب تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قادرةً على فهم جميع اللّهجات وتفسيرها بدقّةٍ، أو لربّما تكون اللغة العربية أكثر تفوّقاً من الذكاء الاصطناعي، فما رأيكم؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.