أن تتحدث عن المقاومة وأمجادها وتاريخها النضالي الطويل في وجه الإحتلال الإسرائيلي ومواجهته بطرق مختلفة وابتكارات متجددة، أن تتحدث عن تاريخ رجال وزمن من التضحيات ومراجعاتهم للذات وغوصهم في بحور الوحدة للبحث عن مساحات التلاقي، فإنك بالطبع تستحضر سيرة جورج حاوي التي اختصرت بتاريخها الطويل، محطّات أساسية من عمر الوطن وتاريخه النضالي المستمر حتّى اليوم، أبرزها المحطّة الاخيرة التي سعى من خلالها حاوي إلى إطلاق ورشة عمل وطنية، لإخراج لبنان من الحرب الأهلية من خلال الحوار والتلاقي بين الجميع ومن دون تهميش أي فئة.
في الذكرى الرابعة عشر لاغتيال جورج حاوي الذي كان على موعد مع الشهادة في صبيحة الحادي والعشرين من حزيران العام 2005، بعد ان استهدفت عبوة ناسفة سيارته في منطقة وطى المصيطبة، تعود الأقلام والكلمات لتبحث مجدداً في سيرة رجل عُرف في زمن الحرب كما في السلم، فكان أن خلع عنه بزّة الإنقسامات التي تحكمت بتاريخ البلد لسنوات طويلة، مستعيضاً عنها بطروحات ومناقشات لم تخلُ من صولاته وجولاته، ليُثبّت إنتهاء زمن الإنشقاقات وسلوك طريق المؤسسات الشرعية والتعاطى بأدنى المسؤولية مع الأولويات الوطنية. لكن يد القاتل كانت أسرع وعبوة الغدر كانت أمضى بحيث وصلت اليه واغتالته على طريق الحوار الذي كان يُعبّده تحت عنوان "انتهى زمن الإقتتال. إنه زمن التقارب والتلاقي والحوار".
المؤكد أن اسم جورج حاوي لم يغب لا عن الساحة السياسية ولا عن الحوارات التي كانت قائمة قبل خروج النظام السوري من لبنان وبعده. وكأن القاتل أراد أن يُمعن في إغراق البلد في مشاكله السياسية التي تسبّب هو فيها، وفي صراعات مذهبية زرعها وغذّاها بين اللبنانيين. ولو أن يوم القطاف الذي كان زرع حاوي بذوره مع من هم قبله وبعده، جاء بحصاد أجساد وقفت لتقول لنظام الوصاية والغدر.. إرحل، فهذه الأرض ستبقى عصيّة عليك، حتّى ولو أُريقت دماء كل الشعب اللبناني، من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه.
في يوم اغتيال حاوي، خرجت جميع أصابع الإتهام في البلد لتدل على النظام السوري الذي كان أمعن في استهداف شخصيات نخبوية في مرحلة كان بدأ يشعر فيها بصحوة لبنانية غير مسبوقة، وهو الأمر الذي اعتبره النظام بمثابة تهديد مباشر له ولوجوده في لبنان وسط شعوره بأن يوم الرحيل قد شارف على بدايته. والواقع أن "أبو أنيس" قد اغتيل بعد اسبوعين من توجيهه الإتهام للنظام السوري باغتيال الصحافي سمير قصير، وبعد فترة وجيزة على مشاركته في "ربيع بيروت" الذي تحقّق بدماء قافلة من الشهداء، كتبت تاريخ لبنان الحديث مع سقوط أول نقطة دم من الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وصولاً الى اغتيال الوزير الشهيد محمد شطح.
وفي ذكراه اليوم، يعود أصحاب ورفاق حاوي إلى الإنطلاقة الداخلية التي أراد من خلالها، كسر العوائق بين أبناء البلد، وإزالة حواجز الخوف بين بعضهم البعض. يقولون إنه في تلك الأيام كان يتحضّر مع عدد من خيرة الرجالات على الساحة اللبنانية من أصحاب الفكر والسياسيين ورجال الدين، لإعلان لحظة البدء بالعمل على إخراج لبنان من الحرب الأهلية من خلال الحوارات والتلاقي بين جميع الاطياف. يومها وخلال لقائه البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، سأله صفير: "ألست خائفاً مما تفعله أولاً من حيث اختراق حواجز السياسة ومن ثم دخول مناطق لم تزرها منذ زمن طويل؟، فكان ردّ حاوي: "إن ضرورة ربط أنحاء الوطن ببعضها لا تحتاج إلى موافقة من أحد، ولا تحتاج إلى الخوف، إنما تحتاج لإرادتنا نحن".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.